بين الكلاسيكية والجاز مروراً بالموسيقى المعاصرة

27/أيلول/2008

بعد أكثر من نصف قرن من مغادرته حلب يافعاً، يعود الموسيقي السوري-الفرنسي ذائع الصيت فرانسوا رباط في الشهر القادم ليقيم عدة حفلات موسيقية «وجهاً لوجه» مع عازف الكلارينيت والمؤلف الموسيقي السوري كنان العظمة القادم من نيويورك، في كل من حلب مسقط رأس فرانسوا رباط، و دار الأوبرا في دمشق، ومن ثم يزمعان إقامة حفل ثالث في بيروت.

في الثالثة عشرة من عمره، تعلَّم فرانسوا رباط العزف على الكونترباص بنفسه، مستعيناً بكتاب تعليمي لهذه الآلة وقعت يداه عليه، وتابع بعد ذلك مسيرته الموسيقية الباهرة متعلماً وعازفاً ومعلماً. لفرانسوا رباط أسلوبه الخاص المبتكر في العزف على الكونترباص «double bass» أكبر الآلات الوترية الأوركسترالية وأرخمها صوتاً، وله شهرةٌ عالمية من خلال تسجيلاته العديدة منفرداً، ومع فرق الموسيقى الكلاسيكية والجاز في أصقاع العالم المختلفة، إضافةً إلى ورشات العمل التدريبية التي تنظَّم لتعليم أسلوبه في العزف.

في الستينات من القرن المنصرم، سُئل فرانسوا رباط عن السبب الذي دعاه إلى تسجيل أسطوانة The sound of the Bass «تسجيلات Philips» لاثنتي عشرة مقطوعة من تأليفه على الكونترباص بمرافقة الطبلة فقط، فأجاب، إنه كان يحاول إثبات أنَّ آلتي الكونترباص والطبلة، بإمكانهما إنتاج موسيقى جميلة لوحدهما متحرِّرتين من ضرورة وجود الأوركسترا التي يلعب فيها الكونترباص دوراً مكمِّلا في العادة، وبالتالي، فقد عزم على إنتاج تلك الأسطوانة دون مرافقة البيانو، ودون هارموني، أو أيِّ شيء آخر.

إنَّ هذا القول يحمل في طياته التقاء مع تفكير كنان العظمة، فهو صاحب مقولة الاعتماد على شخصية الفنان الموسيقي لا على الآلة التي يستخدمها أساساً للعزف المشترك لإنتاج موسيقى مميَّزة، مما يبرِّر بعض خياراته الموسيقية التي قد تبدو غريبةً أول الأمر، فعود عصام رافع رافق كلارينت العظمة وجهاً لوجه في مطلع هذا العام، وكلارينيت العظمة ستواجه كونترباص الرباط في الشهر القادم.

على الرغم من ذيوع شهرة الموسيقي فرانسوا رباط عالمياً، إلا إنَّ متذوِّقي الموسيقى الجادة السوريين لم تتح لهم حتى الآن فرصة الاستماع إلى عزفه ومؤلفاته، وكذلك فإنَّ تسجيلاته غير متوافرة محلياً، وبالتالي تهدف حفلات «وجهاً لوجه» الموسيقية هذه إلى تعريف الجمهور السوري في دمشق وحلب بموسيقاه بمشاركة تفاعلية مع كنان العظمة الذي وصفته الناقدة الموسيقية فيفيان شفايتزر «Vivien Schweitzer» منذ أسبوعين في يومية النيويورك تايمز «The New York Times» بعازف الكلارينيت السوري المبدع «virtuoso» تمزج موسيقاه عناصر كلاسيكية وأخرى من موسيقى الجاز والأسلوب المميَّز لموسيقى الشرق، الموسيقيان السوريان المشاركان في حفل «وجهاً لوجه» هما من الأكثر شهرة عالمياً ومن ذوي الإنجازات الموسيقية المتميِّزة عزفاً وتأليفاً كلٌّ في مجاله، وكل منهما كمؤلف وعازف يهتمُّ بحيِّز عريض من الموسيقى يتراوح بين الكلاسيكية والجاز مروراً بالموسيقى المعاصرة، ويتمتَّع كلاهما بقدرة مميَّزة على الارتجال الموسيقي متأثِّرين بجذورهما الثقافية المحلية.

يأمل متذوِّقو الموسيقى الجادة في سورية أن يولد التناغم والتباين بين هذين الموسيقيين المنتميين إلى جيلين مختلفين من الموسيقيين السوريين من ذوي البعد العالمي، السيد رباط في السبعينات من عمره في حين أنَّ السيد العظمة في الثلاثينات، بقدراتهما الارتجالية الكبيرة، موسيقى مشتركة لا شكَّ في أنها ستثير اهتمام المستمع سواءٌ في أدائهما المنفرد أم باشتراكهما معاً. كما لابدَّ من التذكير بالبعد العاطفي العميق والأصيل لدى موسيقارنا الشهير فرنسوا رباط للقاء مواطنيه وجمهور مستمعيه في كل من حلب ودمشق وعلى أشهر مسارحهما بعد هذا الغياب الطويل.