بانوراما المسرح السوري لعام 2016 .. عزز حضوره في المشهد الثقافي

26 كانون الأول 2016

.

تابع المسرح السوري في عام 2016 تربعه على عرش المسارح العربية المعاصرة التي أفادت من الريبرتوار السوري ولا سيما الأعمال التي قدمها المسرح القومي في مختلف المدن والبلدات حيث شهد العام عودة لمهرجان اتعديدة في المحافظات ليكون المسرح خط دفاع أول في مواجهة ثقافة التكفير والظلام.

مسرحيو سورية قدموا عروضهم اللافتة على امتداد خشبات العرض مندفعين إلى تحقيق مقولات فكرية وثقافية وجمالية ساهمت في الإبقاء على جذوة أبي الفنون مضيئة رغم الظروف الصعبة التي يعملون فيها فواصلت الفنانة نورا مراد مشروعها الفني «هويات» بعرض جديد حمل عنوان «بقاء» ذهبت فيه إلى التأكيد على فصاحة الجسد الراقص وقدراته في التعبير عن تبعات الحرب وآثارها على الإنسان في العرض الذي استضافته دار الأوبرا.
بدوره ساهم المركز الوطني للفنون البصرية بعروض لافتة على صعيد دمج الصورة بالمسرح والتشكيل حيث استضافت خشبته عرض «ظل» للفرقة الوطنية للموسيقا العربية وفرقة /أنيما/ للمسرح الراقص بتوليفة موسيقية بصرية قادها كل من الموسيقار عدنان فتح الله والكريوغراف محمد شباط في محاولة لتقديم زواج بين الشاشة وجمل لحنية لمؤلفين سوريين مع تصميم إضاءة لافت للفنان أدهم سفر الذي وصف هذه التجربة بأنها مغامرة فنية من حيث مخاطبة المتلقي عبر مستويات تشكيلية وجسدية راقصة وموسيقية.

«الدم.. حبر الحق» كان العرض المسرحي الأبرز في هيئة أوبريت عن شهداء سورية كتبه الأديب محمود عبد الكريم وأخرجه الفنان عروة العربي ووضع له الألحان والتوزيع الموسيقي المايسترو طاهر مامللي ليكون هذا العمل الذي أنتجته جمعية تموز من أضخم الأعمال التي قدمت هذا العام على مسرح الأوبرا مستعرضاً حقبا تاريخية حضارية سورية وفق تعاون فني بين فرقة «آرام» للمسرح الراقص التي قدمت بإدارة الكريوغراف محمد طرابلسي معادلاً جسدياً للنص الموسيقي والغنائي الذي حققه المايسترو مامللي.

المعهد العالي للفنون المسرحية قدم بدوره عروضاً في هذا السياق على مدار السنة كان أبرزها «في أمل» للمخرج تامر العربيد و«النافذة» لمجد فضة ليأتي العرض الأبرز لهذا الموسم بمسرحية «تكرار» ل بسام كوسا عن نص المتحذلقات لموليير مجاهرا عبره بتعرية طبقة تجار الحروب ومحدثي النعمة.

«الأبواب المفتوحة» أتى بدوره كاحتفالية بيوم الرقص العالمي الذي أشرف عليه الفنان معتز ملاطيه لي دافعا بطلاب قسم الرقص في معهد الفنون المسرحية نحو دروب جديدة فجاء العرض دعوة للجمهور لتعلم أبجديات فنون رقص الكلاسيك والمعاصر وليشاركوا فعلياً في تحريك أجسامهم ونقلها من كراسي الصالة إلى خشبة الفرجة.

بدوره كان للفنان فايز قزق بصمته الخاصة في موسم معهد الفنون المسرحية عبر مسرحيته «إيواء واء واء» مبرهنا خلالها أن البروفة هي الزمن الأصلي لصياغة العرض المسرحي سواء من حيث اشتغاله على الارتجال كمسودة دائمة الكتابة مع الممثل أو من خلال الرغبة في نبش خفايا الممثل وزعزعة كيانه الداخلي ليقدم أقصى ما لديه على الخشبة.

على التوازي واصلت المخرجة والممثلة نسرين فندي تقديم عروض مشروعها «حرف للقراءات المسرحية» الذي أطلقته صيف العام الماضي في خان أسعد باشا بدمشق القديمة بعرض قرائي عن نص توفيق الحكيم نهر الجنون ويعتمد مشروع «فندي» على استبدال مفهوم المسرحية التقليدية نحو ما يشبه التفكير الجماعي بالنص والانتقال به من حالته الأدبية الخرساء إلى مستويات جديدة من الأداء المرتكز أساساً على ارتجال الممثل وقدرته على تضمين حوارات الشخصيات إسقاطات مباشرة على واقع الحرب على سورية كما ابتعدت فندي عن كتل الديكور وورشات الأزياء وتجهيزات الإضاءة منكبةً مع الممثلين المشاركين على تقديم تجربة تحاكي لسان حال السوريين.

الأب الياس زحلاوي وجوقة الفرح قدما عرضاً مهماً للريبرتوار السوري لهذا الموسم في المسرحية الغنائية الراقصة «هنا…هنا..هنا» ليكون هذا العرض الاحتفالي على مسرح الأوبرا بمثابة أيقونة فنية شاملة ضمت حشداً من راقصين وممثلين ومغنين وعازفين شاركوا في العرض عبر لوحات أبدعت فيها «جوقة الفرح» بقيادة المايسترو رجاء الأمير شلبي وبطولة ديمة قندلفت وغناء ليندا بيطار وفي تعاون لافت مع راقصي فرقة «آرام» وعازف البيانو إياد جناوي مع تمرير منصات متحركة لمشاهد عمرانية من الحضارات السورية القديمة كمشهدية ساقها مخرج العرض عروة العربي جنباً إلى جنب مع عناصر الإضاءة والديكور والموسيقا والكورال في صيغة عرض بصري شامل.

مدرسة الفن المسرحي بجرمانا هي الأخرى قدمت هذا العام أولى عروض تخرجها بإشراف الفنان سمير عثمان الباش عبر عرض تدريبي تضمن مشاهد من مسرحيات «تماثيل الحيوانات الزجاجية و قطة على صفيح ساخن و وشم الوردة» لتينسي وليامز ومشاهد من مسرحيات « النورس و بستان الكرز والخال فانيا والشقيقات الثلاث» للكاتب الروسي أنطون تشيخوف ومشاهد من مسرحيتي «البطة البرية و أبولف الصغير لهنريك إبسن».

وكان لافتاً في موسم المسرح القومي لهذا العام عرض «تريب» على مسرح القباني التي قام بإعداده الممثلان مصطفى القر وريمي سرميني عن فيلم «حلم « للمخرج الكوري كيم كي دوك» حيث جاءت المسرحية تتويجاً لورشة عمل عليها الفريق لتكون أقرب إلى مختبر مسرحي مفتوح يستطيع فيه الممثل أن ينقل خبراته من حيز النظرية إلى التطبيق.

وفي نفس الصدد قدمت المخرجة آنا عكاش عرضها «الأمير اللقلق» عن نص أعدته للكاتب «فيلهيلم غاوف» متناولة في تجربتها الجديدة قصة مشوقة تتالت فيها الأدوار معبرة عن عالم الفقراء والأغنياء وكيف يمكن استخلاص العبرة من خلال تقمص البشر لحياة الكائنات الأخرى.

كما شهد عام 2016 عودة لفرقتين راقصتين هما فرقة الرقة للفنون الشعبية التي قدمت عرض «قمر على الشرق» في دار الأوبرا من إخراج وكريوغراف الفنان إسماعيل العجيلي وفرقة أمية للفنون الشعبية التي قدمت في نهاية الموسم عرضها «حكايا من بلدي» نص وإخراج جمال العلي وتصميم الرقص للفنان ماهر حمامي وفي العرضين تابع الجمهور على مسرحي الأوبرا والحمراء مشهدية باذخة من التراث السوري الحركي الراقص مع توليفة من المقطوعات والأغنيات الفلكلورية.

وأطلق خلال الموسم الدورة الأولى من مهرجان اللاذقية لمسرح الشباب الذي بدأ عروضه بافتتاح لفرقة أليسار تحية للفنان دريد لحام بإشراف المخرج نضال جودت عديرة ليقدم المهرجان بعدها عروضاً أهمها عرض «فوضى» تأليف وإخراج مجد يونس أحمد وعرض «اليوبيل» عن نص لتشيخوف وإخراج قيس زريقة وعرض «سايكو» تأليف جماعي وإخراج رغداء جديد.

المهرجانات المسرحية عادت إلى الحياة مجددا في ربوع المحافظات في السويداء وحمص وحماة والحسكة وشهدت بدورها عروضا لفرق محلية سورية.

بدوره عاد مهرجان مسرح العمال هذا العام بعروض من مختلف المحافظات حيث حصل على جائزة أفضل إخراج عرض /خارج السرب/ لاتحاد عمال حمص عن نص للراحل محمد الماغوط وإخراج سامر إبراهيم فيما نال جائزة أفضل عرض متكامل مسرحية «لعبة الموت» لفرقة عمال حلب عن نص الإيطالي دينو بوتزاتي وإخراج محمد الإدلبي.

ختام الموسم جاء مع عرض المونودراما /غاندي/ بتوقيع الفنان زيناتي قدسية وفيه تابع الأخير ما بدأه في سلسلة عروض الممثل الواحد منذ عام 1985 مع رفيق تجربته الكاتب الراحل ممدوح عدوان مستعيداً شخصية المناضل والمفكر الهندي الكبير في مواجهة الاستعمار الإنكليزي لبلاده عبر مواجهة أخذت «قدسية» من جديد إلى وظيفة إعادة اكتشاف أفكار غاندي مستنداً على المادة البصرية والإضاءة التي حققها كل من أدهم ونصر الله سفر وصولاً إلى التعامل مع تمثال رأسي للزعيم الهندي.



سامر اسماعيل

sana

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق