مها الجابري في ذكرى رحيلها.. سوبرانو حلبي

23 آب 2016

.

صوت قويّ وإبداع كبير ظهر في زمن الفن الجميل والطرب العربي الأصيل، فانبرى له كبار الملحنين السوريين واللبنانيين، ووصل إلى مصر، فكان الصوت السوري الوحيد الذي لحن له كبار الملحنين المصريين. امتلك هذا الصوت قوة مكنته من أداء أصعب قوالب الغناء العربي مثل الدور والقصيدة، فحفظت له إذاعة دمشق وإذاعة حلب أجمل الأغاني التي لا تُنسى، إنه صوت المطربة السورية ابنة حلب الشهباء مها الجابري.

ولدت ميسر الجابري «اسمها الحقيقي» عام 1932، وتعلمت العود وحفظت الكثير من الشعر العربي القديم، وعلى يد شيوخ الطرب بحلب تعلمت فن الموشحات والأدوار والقدود الحلبية، فأجادتها وبرعت فيها.

غنّت مها الجابري في صباها لأمّ كلثوم وأسمهان وماري جبران، ورغم جمال صوتها وعزفها الرائع فإن الجابري لم تحترف الغناء، بل كانت تمارس الغناء والعزف هواية تحبها، حتى عام 1956 حين وصل إلى مسامع شاكر بريخان وإبراهيم جودت وعزيز غنام الكثير عن جمال صوتها، فزارها الثلاثة في منزلها وأقنعوها بالمشاركة في برنامج «سهرة الميكروفون» الذي كان يتولى شاكر بريخان إخراجه، وبالفعل فقد اقتنعت مها وشاركت في البرنامج، ومن هنا كانت انطلاقتها الفنية، وبعد ذلك أطلق عليها الاسم الفني «مها الجابري».

ولشدة إعجاب الجميع بصوت مها الجابري فقد قال فيها النقاد: «إنّها من أبرز الأصوات النّسائيّة السّوريّة التي حافظت على طابع الأغنية السّوريّة الأصيلة، فهي صاحبة صوت جميل قويّ شجيّ قدير صادح «سوبرانو» متميّز بالعذوبة والصّفاء، ما مكّنها من البراعة في أداء أصعب قوالب الغناء العربي باقتدار وبشكل خاصّ الدّور والقصيدة والموشّح والقدود الحلبية، ونافست في عصرها ملكات الطّرب العربي الأصيل».

ومع بدء التلفزيون السّوري إرساله عام 1960، انتقلت إلى دمشق لتقدّم غناءها عبر الإذاعة والتّلفزيون. وكما قلنا فإن مها الجابري كانت المطربة السورية الوحيدة التي لحن لها كبار الملحنين المصريين، فكان سيّد مكّاوي من أوائل الملحّنين المصريين الذين لحّنوا لها، فقد لحن لها قصيدتين من نظم الشّاعر السّوري بدوي الجبل، وهما قصيدتا «سقى اللـه عند اللاّذقيّة»، وقصيدة «مواطن النّجوم» التي سجلتها مها خلال إحدى زياراتها إلى مصر سنة 1977.

وكان الملحّن عبد العظيم محمّد أكثر الملحّنين المصريين تلحيناً لمها الجابري، إذ لحّن لها ثلاث أغنيات وهي: «الوحدة» من كلمات محمّد حلاوة عن وحدة سورية ومصر، و«أخدوه وفاتوه» و«من جنتي خدوك» من كلمات الشّاعر المصري عبد الوهاب محمّد. ولحّن لها بليغ حمدي أغنية «ارحمني يا قلبي» من كلمات الشّاعر المصري مأمون الشنّاوي، أما محمّد الموجي فلحّن لها أغنية «صعبان عليك» من كلمات الشّاعر المصري فوزي المغربي.

أما أغنياتها ذات التلحين السوري فكانت كثيرة، ومن أشهر أغنيات مها الجابري أغنية «شو بيصعب عليّ» وهي من كلمات الشاعر نظمي عبد العزيز وألحان إبراهيم جودت وقد حققت هذه الأغنية نجاحاً كبيراً. ومن ألحان إبراهيم جودت التي غنتها الجابري كانت قصيدة «أساء فزادته الإساءة حظوة» من شعر أبي فراس الحمداني.

وقد قدّم لها الملحّن نجيب السّرّاج مجموعة من الأغنيات من أشهرها «فينا ننسى الدّنيا فينا» من كلمات فوزي المغربي، أما الفنّان شاكر بريخان فغنت من كلماته وألحانه أغنيتين هما «كلّنا منحبّ العيد» و«رصّوا الصّفوف» للشّاعر فوزي المغربي وقصيدة «آذار الثّورة» للشّاعر صابر فلحوط. وكان للموسيقار الكبير أمين الخيّاط حضور في أغنياتها، فلحن لها أغنيتين من كلمات شاكر بريخان: تتمثّل الأولى في محاورة غنائيّة بعنوان «كلّما تخطر على بالي» وغنّتها مع الملحّن السّوري سمير حلمي والأغنية الثّانية «بلد العزّ يا بلدي».

كما لحّن محمّد محسن للمطربة مها الجابري العديد من الأغنيات منها قصيدة «أبداً تحنّ إليكم الأرواح» للشّاعر العبّاسي شهاب الدّين السّهروردي وأغنية «بالله يا دار» من الشّعر القديم، وغنّت مها من ألحان سليم سروة 32 لحناً، منها قصيدة وصلت فيها إلى ذروة الإبداع وهي قصيدة «شكونا إلى أحبابنا» وكانت من كلمات عبد اللـه الأحوص، وقصيدة «أنت يا حبيبي» وهي من كلمات عدنان قيفاز، وأغنية «يا عاشقي يا ساكب العبرات» من كلمات ياسر المالح. وغنّت مها الجابري لأمير البزق محمّد عبد الكريم أغنية من كلمات محمد علي حمادة وهي أغنية «يللي قلبي ما نساك». أما الملحّن عزيز غنّام فقد قدّم لها أغنيتين وطنيّتين من نظم الشّاعر مصطفى البدوي وهما «قنيطرة العرب» و«غادرة».

أما الملحّن نجيب السّرّاج فقد قدم لمها الجابري مجموعة من الأغنيات الجميلة كان من أشهرها «فينا ننسى الدّنيا فينا»، ومن أغانيها السّوريّة الطّربية المميّزة أغنيتان من كلمات وألحان الموسيقار السّوري زهير عيساوي، الأولى أغنية «كتير علينا لو حبّينا» والثانية أغنية «الحبايب» التي أعاد المطرب السوري جورج وسوف غناءها بتوزيع جديد وساهمت في انطلاقه بشكل كبير، وأيضاً من أغنياتها المميزة أغنية «رجعت ليالي الهنا» من كلمات رفعت العاقل وتلحين الملحّن السّوري سعيد قطب وقصيدة زهديّة «زدني بفرط الحب» للشّاعر الصّوفي عمر ابن الفارض.

لحن ياسر المالح لمها الجابري أغنيتين هما «أمي» و«عندما كنت صغيرة». وللجابري أغنية رائعة هي «أفديه إن حفظ الهوى» وقد كان لهذه الأغنية ظهور سابق في عشرينيات القرن العشرين، فقد لحنها وغناها بصوته أبو العلا محمد، بعد ذلك غنتها المطربة الكبيرة أم كلثوم، قبل أن تغنيها مها الجابري بصوت وأداء وروعة لا تقل عن روعة أم كلثوم وأبو العلا محمد.

كانت مسيرة المطربة الراحلة مها الجابري مسيرة متميزة، زاخرة بالعطاء والفن الأصيل. وقد رحلت في السّابع عشر من آب 1982 تاركة لنا مجموعة كبيرة من أغنياتها الطربية التي مازالت إذاعتا دمشق وحلب تحتفظان وتفخران بها.


مادلين جليس

alwatan

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق