«صح النوم» الوفاء للشخصية يصنع المجد
20 آب 2016
.
لن يتمكّن حسني البورظان «نهاد قلعي 1928-1993» من الوصول إلى المجلّة ليكمل مقاله الأيقوني الذي يبدأ بأحجية: «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، علينا أن نعرف ماذا في البرازيل» خوفاً من أن يمسكه «أبو عنتر» «ناجي جبر1940-2009».
لذا سيكون عليه رمي نفسه من الشبّاك ليتلقّاه بائع الخيار أبو كاسم «محمد العقّاد 1932-2001»! في اليوم التالي، سيجبر غوّار «ياسينو» (ياسين بقّوّش 1938-2013) على مساعدته في إدخال «أبو صابر» وهو حمار أحد نزلاء فندق «صح النوم» إلى غرفة حسني، ويربط ذيله بحبل ويمدّه إلى خارج الغرفة، قبل أن يخبر حسني أنّ أخاه عاد من السفر فيهرع إلى غرفته ليلتقي أخاه بعد فراق طويل. وما إن يصل حتى يبدأ غوّار بشد الحبل ويقع حسني في شرّ مقالب ابن الطوشة، مغمياً عليه بعد «رفسات» الحمار الصائبة! فكيف يسكت صاحب المقالب والحيل، عن ضياع حبّه أمامه وهو يرى حبيبته فطّوم «نجّاح حفيظ» تقرر الارتباط بالبورظان!
تلك ليست أحداثاً عادية يمكن أن تمرّ بشكل عابر، بل هي مقوّمات أشهر مسلسل كوميدي عربي وهو «صح النوم» تأليف نهاد قلعي وإخراج خلدون المالح. الثروة الطائلة التي يملكها التلفزيون السوري، لا يملك أحد مثلها، لذا تعيد المحطات السورية عرض هذا المسلسل كل فترة.
نحن هنا امام دراما مشبعة بالتفاصيل والمفردات الشامية الحقيقية، ومترفة بالبساطة إلى درجة الإمتاع الكوميدي السهل والخفيف على التلقي، إلى درجة أنّ مشاهدتها للمرّة المئة لا تعني إطلاقاً فقدان الشهية لحضورها مجدداً، أو تقليل الاستمتاع بها كأنها تعرض للمرّة الأولى.
صياغة المقالب على الورق ستكون من اختصاص نهاد عرّاب السيناريو السوري، بينما تنفيذها أمام الكاميرا سيُترك لدريد أيقونة الكوميديا. بدون إبهار بصري أو أي معطيات تكنولوجية جديدة، أو مؤهلات تقنية، ستأسرنا شلّة الفن الراقي كلّما ظهرت على الشاشة في أحد أعمالها الخالدة. هبل «ياسينو» سيجعلنا نتعاطف معه دوماً قبل أن نفجع واقعياً باستشهاده في «حي القدم» الدمشقي قبل ثلاث سنوات لأنّ قاتليه هم ألد أعداء الفرح. يوم قتلوه، مثّلوا بالوجه السمح كأنّهم يريدون الانتقام لكل بسمة وضحكة انتزعها من ملايين المشاهدين الذين حفظوا أعماله عن ظهر قلب، وواظبوا على متابعتها حتى بعد عقود طويلة على إنجازها.
كأنّ قاتليه لديهم مشكلة قديمة مع ذاكرة السوريين! وبعد تراجع حضور دريد لحام ثم محاولة عودته في مسلسل «عودة غوار» (1999)، نُقل أنّ ياسين لم يقبل بدور البطولة بسبب رفضه، ولو تمثيلاً، أن يخون صديقيه القديمين غوار وأبو عنتر في العمل. يومها، قال لصاحبه: «هل تريد للناس أن يبصقوا عليّ في الشارع؟» ذلك الوفاء للكركرتات هو ما صنع لها مجدها الخالد.
«أبو كلبشة» عبد اللطيف فتحي 1916-1986، يواظب على استكانته لحاسة الشم التي لا تخطئ ويضيع المجرم. الشخصية ستلاحقه أينما حل وهو مؤسس الفرق المسرحية وأحد عرابي «أبو الفنون» في الشام. سيصعد على المسرح لاحقاً مجسداً شخصية الملك لير في مسرحية شكسبير الشهيرة، فيوافيه عدد من الحضور بصوت واحد «أهلين أبو كلبشة». وحده «أبو عنتر» يختار خطة واضحة لا مواربة فيها، بطلها الخنجر الذي لا يوفّر أحداً كونه شديد الغضب. وبثلاث مفردات، ينهي الرواية «عرضية، مالا فكاهة، مالا مازية».
باختصار، تنتصر مجدداً الكوميديا ببراعة النقيضين الأبيض والأسود، وبعفوية وبساطة الإمكانيات والتقنيات، وعمق الموهبة وبراعة حياكة الكركترات، حتى الآن ينهزم أي منافس عربي أمام ما صنعته «مجموعة الفرح الشامي»!
وسام كنعان
al-akhbar