26/شباط/2008
عندما يتناغم الحاضر مع الماضي في مشهد تشكيلي عنوانه اللون والفكر والحجر تكون الذات هي الأفصح للتعبير عن مكنونات هذه المعادلة بجدليتها ومفارقاتها التي تلتقط المستقبل من خلال لحظة الراهن والماضي.
هكذا حاول نحو 120 طالباً وطالبة في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق مع أساتذتهم أن يعبّروا عن الانتماء، فجاؤوا إلى تدمر التاريخ وأعادوا إلى الذاكرة الأشكال الإبداعية في معرض فني أقاموه في صالة فندق تدمر وضم أكثر من مئتي عمل فني تم إنجازها في حدود المكان والواقع وفي مدة وجيزة لم تتجاوز أسبوعاً واحداً.
وكانت لوحاتهم تنطق بلغة الكائن الحي، وصوروا لنا تواريخنا السالفة وكأنها تحاكمنا أو تحاكينا اليوم، فكان لهذا المعرض خصوصية تجعل القارىء السريع لمعروضات هذه التظاهرة الإبداعية يقف أمام مجموعة من التساؤلات: ما مدى انتماء هؤلاء الفنانين إلى عبقرية الإبداع التدمري قبل عشرات القرون؟ وكيف استفاد الفنانون المشاركون في هذه التظاهرة بيئياً وروحياً وتقنياً من إبداعات سالفيهم؟ وهل يمكن لنا مهما تجاوزت بنا لحظات النقد الفني أن نعزل المبدع عن بيئته؟
من تعبيرات الإبداع في هذا المعرض -كما يشير الدكتور عبد الناصر ونوس، رئيس قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة- صورة بانورامية جدارية لمدينة تدمر الأثرية يبلغ طولها نحو ستة عشر متراً ويبلغ ارتفاعها متراً واحداً نالت درجة «ب 36» وهي درجة تعتبر الأولى من نوعها في حجمها وشموليتها في سورية، وصورة أخرى مشابهة في شموليتها لمسرح تدمر الأثري، إضافة إلى تصميم أول موقع الكتروني عالمي لتدمر يمكن الدخول إليه من أي نقطة في العالم بلغة مبرمجة سهلة وجميلة.
إذا دخلنا إلى تفاصيل أخرى من لوحات قدمها المعرض للجمهور نشاهد أعمالاً فنية مختلفة محفورة بمساحات واسعة، وأخرى قماشية تناولت الحضارة التدمرية، ومنحوتات مشغولة ومستلهمة من وحي المكان، وتصاميم ولوحات إرشادية ومعروضات دعائية سينمائية وتلفزيونية خاصة بالإعلان السياحي لهذه المدينة التاريخية إضافة إلى تصميم لوغو شعار المدينة.
التحضير لهذا المعرض -الذي خلصت إليه هذه التظاهرة التي أقامتها محافظة حمص بالتعاون مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية- كان ضمن ورشات عمل للعمارة الداخلية والنحت والتصوير والإعلان، ويؤكد الدكتور عبد الكريم فرج عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق في هذا السياق على أن هذه التظاهرة الهامة جسدت دور الطلبة في دعم البنية الحضارية لمدينة تدمر من خلال التواصل مع الإرث الإنساني والحضاري في هذه المدينة فكراً وعملاً، ولفت النظر إلى أن كلية الفنون الجميلة تعمل في مجالات واسعة من الاختصاصات، ونرى أن دورنا الحقيقي هو بالعمل الميداني في مثل هذه الملتقيات التي تابعنا من خلالها ألق الحضارة التدمرية.
إلى جانب الأعمال الفنية المنفذة أشار الدكتور أرشيد صياصنة -رئيس مكتب الملتقيات والعمل في الاتحاد الوطني لطلبة سورية- إلى وجود دراسات فنية قام بها الطلبة سيتم تقديمها لمحافظة حمص والمديرية العامة للآثار والمتاحف، وبعضها سيحتاج وقتاً أطول في متابعتها في كلية الفنون الجميلة من خلال رسالة الماجستير والدكتوراه التي يعدها الطلبة الذين شاركوا في هذه التظاهرة.
|