الفنان التشكيلي منير شعراني

27 02

الخط يزيد الحق وضوحاً

«تحمل الكلمات إيقاعها الخاص وكل عبارة تحرك في نفسي معنى، وتختزن لتخرج فيما بعد في شكلها النهائي في اللوحة، وفي الحروف العربية طاقة تعبيرية فيوحي أحد أنواع الخطوط بالرصانة، ويحمل الآخر مرونة وزخرفية، وقد يكون أحد الأنواع أكثر انسجاماً من الخط الآخر مع معنى عبارة معينة».
«الخط العربي لم يبلغ كل أشكاله وما زال هناك الكثير مما لم يتشكل بعد، فعلى سبيل المثال قمت بتخطيط "البسملة" إحدى عشرة مرة مختلفة فيما بينها ومختلفة عن كل الأشكال السابقة والماضية، إذ هناك ادعاء يقول إن البسملة خططت بآلاف الأشكال والتكوينات ولن يكون هناك شكل جديد ومختلف لها، وبذلك أود أن أقول إن التكوينات الجديدة موجودة دوماً ولم تنته عند حد معين أو عند هذا الشكل أو ذاك».
  «وللسبب ذاته أعيد تخطيط النصوص الدينية التي خططت آلاف المرات سابقاً لكن بشكل جديد. وأنا أرى أن لكل عمل فني شكلاً ومحتوى، والعمل التجريدي يحمل دلالة، وإن فقد دلالته فقد رسالته، ولدى محيي الدين بن عربي مقولة أقتنع بها كل الاقتناع تقول "كل فن لا يفيد علماً لا يعوّل عليه"».
اعتماداً على قول الإمام علي «الخط يزيد الحق وضوحاً» يقول شعراني: «يستطيع الخط العربي أن يحل المعادلة التي بحث عنها كثير من الفنانين، فهو تجريدي من حيث الشكل ولكنه يوصل محتوى من خلال العبارة، والمتلقي يرى ماهو بصري أولاً فإن شده وفعل شيئاً في عينيه وقلبه سعى إلى محتواه ليبدأ دور العبارة التي تتفاعل جدلياً مع الشكل ليتحقق انسجام أعلى».
كيف يتلقى المشاهد لوحة الشعراني الحروفية؟ يجيب: «السؤال ناتج عن معرفة المتلقي أنه يتعامل مع فنان يعمل انطلاقاً من الخط العربي، هناك كثير من المتلقين الذين يتعاملون مع الخط العربي كفن، يبدؤون باللوحة الخطية من الجانب البصري، وهذا ينطبق أيضاً على معظم الغرباء عن اللغة فهم يتعاملون مع البصريات قبل كل شيء وتشدهم العلاقات التشكيلية التي يقوم عليها العمل أولاً ثم يأتي دور المعنى ليزيد أو ينقص من إعجابهم بالعمل».
هل مضمون العبارة يحدد نوع الخط أو شكل الحرف؟ هنا يتحدث الشعراني عن جدلية الشكل والمضمون -الترابط بين الشكل والمحتوى أمر ضروري- «في الخط العربي إمكانات تعبيرية عالية تنطوي عليها أنواعه وما على الفنان إلا أن يحسن اختيار النوع الذي يمكن أن يحقق جماليات تنسجم مع روح العبارة، فلا يمكن مثلاً أن يتفاعل المتلقي بالمعنى النهائي مع عمل يحس معه بتناقض بين روح العبارة التي يكتشفها لاحقاً وبين نوع الخط الذي شكلت به».
منير شعراني «وكمثال على هذه الجدلية أن عبارة عن الحب لا يمكن أن تكون بخط شديد الصلابة لأن ذلك يتنافى مع الحب، وبالتالي فإن العمل الفني لا يكون فناً متناغماً ولا يحتوي على جدلية الشكل والمحتوى إذا لم يحسن الفنان اختيار النوع الملائم للعبارة فهو يفقد شكله الطاقة التعبيرية الكامنة».
إلى ألوان كثيرة ما الهدف منه؟ يقول «أنا أتعامل مع كل عبارة بما يتلاءم معها من أنواع الخط ومن العلاقات اللونية وإن بدت قليلة، لكن استخدامها بأسلوب معين في هذا العمل أو ذاك يتم خلال ما يستدعيه العمل بصرياً دون اللجوء إلى إبهار أو ثرثرات لونية ودون الحاجة إلى زخارف ومكملات من خارج الخط، فأنا أرى أن الخط العربي فن تشكيلي قائم بذاته لا يحتاج إلى عكاز يستند إليه لا من الزخرفة ولا من التصوير ولا من التقنيات التي تتنافى مع جوهره وطبيعته».
ما السر الكامن في الخط العربي ليكون فنا خالصا؟ يجيب الفنان الحروفي «أعتقد أنه أمر مرتبط على ما أرى بالشخصية العربية التي كان لها فضل التأسيس لهيكلية الخط العربي الذي أسهمت فيه لاحقاً الشعوب التي استظلت بمظلة الحضارة العربية الإسلامية، فالذهنية العربية ذهنية تجريدية للخيال مساحة واسعة فيها، هذا ما نراه في الشعر العربي القديم وما نراه في الزخرفة العربية وما نراه في الموسيقا وفي جوانب أخرى من الجوانب التي قامت عليها الثقافة العربية الإسلامية، أضف إلى ذلك ما أضيف إلى الخط العربي من مسحات تنسجم مع الموروث الثقافي من الحضارات السابقة التي تماهى أهلها مع الحضارة العربية الإسلامية».
نوصف بأننا أمة حس لا أمة تجريد؟ يجيب بالقول «لا تناقض بين الحس والخيال بل ثمة جدل عميق بينهما فالشاعر يرى حبيبته مثلاً في كل شيء يراه وعلى ذلك فقس، وفي الشعر العربي اختلط النسيب بالمديح بالهجاء بالفخر بالطبيعة وأعطانا صورة حية عبر صور رمزية وحسية وخيالية تتفاعل في كل واحد».
الانسيابية والامتداد في حروفك؟ يوضح شعراني «على الرغم من أني لا أحب الشرح فيما يخص أعمالي لكني أعتقد أنني أحاكي الطبيعة في هذا، فعندما ننظر مشهداً في مكان ما مفتوح نُحسّ دوماً أن الأرض وما عليها تأخذ الثلث الأدنى من المشهد الذي تتسامق فيه الأشجار بأنواعها، وعندما ننظر مشهداً بحرياً نجد أن البحر له القسم الأقل وللسماء بقية المشهد، أعتقد أنني أستلهم الطبيعة بشكل مجرد».
"صالة أيام" أحدثت نمطاً جديداً من التعامل مع الفن التشكيلي وزلزلت المشهد؟ يقول «في رأيي إن وجود "صالة أيام" في دمشق لم يزلزل المشهد التشكيلي ولكنه زلزل الثبات والانغلاق وضيق الأفق الذي كان يحكم المشهد التشكيلي لأن فناني المشهد التشكيلي لم يتغيروا، هم هم، لكن وجود "أيام" جعلهم سواء أكانوا من المتعاقدين معها أم مع غيرها ينطلقون إلى آفاق أوسع وصولاً إلى تقويم أقرب إلى الحقيقة في المشهد الفني العربي والعالمي، فكثير من فنانينا المعروفين جيداً في بلادنا لم يكونوا قد اتخذوا مكانهم اللائق في الساحة العربية والعالمية والسبب في ذلك هو الانغلاق الذي هيمن على حياتنا الثقافية عامة والفنية بشكل خاص، وجعل معظم فنانينا في غيبة عن المشهد التشكيلي العربي والعالمي وسمح لكثير من ضعاف الفنانين أن يكونوا البارزين في المشهد بدلاً من الممثلين الحقيقيين الذين ثبت أنهم يستطيعون أن يأخذوا مكانة خاصة بهم في المشهد التشكيلي العام وأن ينتزعوا لبلدهم مكانتها الحقيقية».


تشرين

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق