طلال معلا ينهي حالة الصمت ويعرض في صالة تجليات بدمشق

19 أيار 2015

الرماد صرخة الحياة وليس رماديا..!

انتهى زمن الصمت في عوالم الفنان طلال معلاّ، لم تعد ذاته الشاهدة محدقة بغياب الزمن وانعدام الحركة، لم تعد عمياء أو عديمة الفائدة... نمى لها عيون ويدين وتحولت هذه الذات من شاهدة صامتة إلى فاعلة ضاجة... ضحية تارة ومظلومة غالباً وظالمة أحياناً.

انتظرت الذات الشاهدة على عنف العالم في فضاءات معلاّ طويلاً حتى قوي صوتها ليأتي مدوياً، يصرخ ويتألم ثم يصرخ من جديد.

خلفت شخصيات معلاّ الزخرفة والبهرجة، رمت بالألوان بعيدا في خبايا الذاكرة، وارتدت الأزرق والرمادي، حدّت وأعلنت حزنها على الدمار الأبدي، ارتقت حتى ذابت باللوحة، تحولت إلى متخيل سقط لكن ليس سهواً من وجوده المادي.. فالوجود عند معلاّ هو تجلي لغير المادي حيث الألم أكبر القهر أعم والذاكرة مرتع لكل الأحزان.


الفنان طلال معلا خلال مؤتمره الصحفي

تشكيلات جديدة يفتتحها معلاّ في هذا المعرض، فكما روحه التي لا تعرف السكينة كذلك أسلوبه المنفتح على التغيير، فمن مطلق التشخيص إلى ما يذكرنا بتجربته التجريدية بالتسعينيات.. عله يستذكر النار التي حرقت أخر الشواهد على هذه المرحلة.

أجساد تضيع بين ركام الأيام وجنى العمر، بعد أن كانت المركز والضوء.. ذاته الشاهدة باتت شخصيات شهيدة رمادية يضيئها الموت بفضة القمر.

يعي معلا تماما أن زمن الصمت قد انتهى، وأنه آن الأوان ليسمع صوته بكل الألوان والأشكال، مبدعا أسطورة جديدة لقيامة سورية، قالباً المقاييس التقليدية للحواس، تاركاً للعين هذه المرة أن تسمع الصوت. بعد هذه الكلمات للباحثة يارا معلا لن تكون لأي إضافة معناها الكبير إلا أن نذهب إلى رؤية العرض الذي سنبصر به ذواتنا مختصرة الحالة والحال كانعكاس لتشظيات الزمن الدموي الذي أحالنا رماد، ولكن سنخرج منه كما طائر الفينيق.

جريدة النهضة التقت الفنان طلال معلا وكان هذا الحوار عله يفتح نوافذ الرؤية والسمع ويتيح النفاذ إلى ما هو اكثر.

بعد احد عشر معرضا لك كان الصمت عنوانا وحيدا لها، الآن ينتهي الصمت؟!
■ انتهى الصمت بمعنى أن الواقع العام يفرض على الفنان أن يخرج من ردائه الرمادي ليقول كلمة موقف في هذا الزمن الصعب، الذي يتجلى بمهاجمة الروح الحضارية لكل وعينا وإصرار مختلف الجهات الدولية على إعادتنا إلىزمن أردأ من الجاهلية.

لقد بتنا بحاجة إلى أنبياء مرة أخرى ليعيدوا تقويم الأحلام الإنسانية وبث القيم الجمالية من جديد، واعتقد أن الفن يمكن أن يلعب دورا بديلا في مثل هذه الظروف لتثبيت الحياة وتثبيت علاقتنا بها وتمكين الروح الإنسانية التي تتوق باستمرار إلى الجمال إلى أن تعود لترتوي من هذه الينابيع.

الخروج من الصمت هو قيمة فكرية قبل كل شيء وأحاول من خلالها عتق نوازع داخلية هي نفسها التي يعيشها كل مواطن إلا أن أسلوب التعبير هو الذي يختلف بين إنسان وآخر.

الخروج من الصمت كيف انعكس فنيا على مستوى التقنية والشكل في لوحة الفنان طلال معلا؟
■ الدخول إلى الكلام هو دخول مجازي، فاللوحة تبقى منحازة للبصر، والإدراكالبصري هو المسيطر في مثل هذه التحولات على مستوى العمل الفني، ولا يمكن أن أقول إني اقصد التحول من مرحلة إلى أخرى، فانا ارسم بشكل عفوي بناء على معايشة محددة في ظرف محدد، لا يمكن أن تتجاهل فيه ما يجري من حولك على مستوى المضمون، اقصد ما يجري في الوطن من أحداث أو ما يجري في العالم من انقلابات في الفكر الإنساني، لذلك اعتقد أن هناك خوانق على مستوى اللوحة كما انه هناك اختناقات على مستوى التجربة الذاتية، واقصد بالأول نهايات الفروق وتمايزاتها حيث تتكثف المعاناة الإنسانية والتجارب الإبداعية ويضحي الزمن مناسبا للتغيير وهذا ما يؤكده تاريخ الفن، أما على المستوى الثاني فالحالة العامة للإبداع أن يكون محاطا بالأمن والآمان وان يكون السلام هو الإطار العام لتجارب المبدعين إلا انه في زمن الصراعات والحروب نلاحظ انقلابات جذرية لدى مختلف المبدعين سواء في الموقف من القضايا أو عبر التقنيات والمواد التي هي جزء من العمل الفني.

في أعمالي يمكن أن تلاحظ الطرفين أو هذا ما أحاول أن أفسره اثر انجازي لمجموعة من الأعمال اعرض اليوم جزءا منها لتكون محصلة بسيطة عن كل التخطيطات والأوراق والتمارين الذهنية التي أنجزتها بالتقاطع مع هذه الأزمة.

نشهد اليوم عرضا محكوما بالعديد من هذه التقاطعات، عبر مواضيع مختلفة، وكما طغت بثقلها في الحياة الواقعية، هاهي طاغية هنا، ماذا عن ابرز المحطات التعبيرية في عرضك الآن؟
■ لدى الفنان كل يوم العديد من التفاصيل والأحداث التي تترك تأثيرها على تفكيره، وخروج المواضيع على المستوى البصري من ذات الفنان إلى سطح اللوحة هي مسألة انعكاس نفسي منفعل وفاعل، أنا من الفنانين الذين يعملون باستمرار إلا أني مقل بالعرض، لكن انجازي اليومي هو انعكاس لكل ما أفكربه وأمر به وما يتفاعل داخلي واعبر عنه أكان عبر الكلمة أو الرسم أو أي أشكال تعبيرية أخرى، بمعنى أني اختزن دائما المعارف وتعبيراتها لأستطيعأن اخلق ما أريد على مستوى الانجاز لذلك يمكن أن تجد هناك مستويات من التعبير ترصد العديد من المواضيع على مستوى المضمون وأحيانا على مستوى الشكل، ولا ادعي إن ما أنجزه يحمل كل الجدة على مستوى الابتكار لأنني منسجم مع الواقع والمكان الذي أعيش فيه وقد يكون هناك وسائل أخرىحين أشارك في أمكنة أخرى وفق ما يقتضيه مستوى التقاط الآخر بتلك المواضيع التي تخصه بالذات.

بهذا المعنى هل ما قدمه طلال معلا في عرضه الأخير مواكبا زمنيا للمتغيرات الفنية في العالم أم مناسبا للحالة الفنية هنا؟
■ بالرغم من سهولة التواصل بين المجتمعات الإبداعية وخاصة في مجال الفنون البصرية من خلال ثورة الاتصالات والمعارف الرقمية إلا انه على المستوى المجتمعي لا يمكن أن نقارن بين مستويات معرفية في مجتمعات بمجتمعات أخرى، خاصة إذا كانت لا تمتلك أدوات إنتاج هذه المعارف، بهذه المعنى يمكن أن تلاحظ أن الفعاليات الكبرى في الغرب باتت مهتمة بفنون ما بعد الحداثة وتسعى لتغيير العالم وفق ذلك فيما نجد في مجتمعات اقل امتلاكا للأدواتالثقافية بشكل عام، حضورا تقليديا لإنتاج الفنون البصرية.

هذا على مستوى التقنيات إلا أن المواضيع هي واحدة وقد تكون حدتها في المجتمعات الأقل تطورا على المستوى التقني أكثر حده على المستوى السياسي والاجتماعي من تلك المجتمعات التي تمتلك التقنية.

على هذا المستوى من التغيير المطلوب، يعتبر الفنان إحدى ركائز هذا التغيير على المستوى التقني بما يتوافق وفنون ما بعد الحداثة.

إذا لماذا يتراجع المنجز الفني للفنان السوري هنا؟!
■ الإشكال الأساسي ليس في امتلاك التقنية وإنما في الموضوعات المفروضة عبر امتلاك هذه التقنية، الغرب يسعى لتغير الأنماط الإبداعية في الشرق الأوسط مثلا، إلا انه يفرض شروطا على ذلك عبر المنح والتسهيلات للفنانين وكتاب الفن في منطقتنا لكن مقابل أن يتم التعبير عن قضايانا وفق آرائه وهذا بمثابة اعتداء على الهوية والانتماء والحرية الفنية.

بهذا الإطار ووفق هذه المتغيرات أما كان على الفنان السوري أن يفعل شيئا للخروج من الأشكال التقليدية للفن او تطويرها بما يتناسب وهذه المبصورات الفنية عبر العالم؟
ببساطة لقد غادر وطنه ليرضي الآخرين في أمكنة أخرى..!

نحن نشهد خلال هذه الأزمة هجرة كبيرة للفنانين السوريين إلى الخارج، وهذا لا يعني تشكيكا بوطنية أي منهم، إنهم يبحثون عن مواقع آمنه لينتجوا أعمالهمومن خلال التقنيات التقليدية، أنا لست مع التعبير وفق الأشكال التقليدية فالفن يتغير بتغير الأزمنة وكذلك أدواته لكن لكي تكون على المستوى الحضاري الذي ينتقل الفن إليه لا بد للفنان أن يستوعب هذه المتغيرات على المستوى الذهني ويكون مشاركا في هذا الفعل التغييري.

عودة إلى أهم المواضيع التي طرحتها في عرضك الأخير نشاهد أعمالا تمثل النزوح، الهاون، الشاعر، الخيانة، التحول، زوجة الشهيد، وغيرها من المواضيع التي تناولتها، إلا أن الجميع يعرف هذا ما الجديد في إعادة التعبير عنها؟
■ الأعمال المعروضة لا تحاول التعبير ولا التسجيل ولا رسم الواقع كما هو، هي تعبير عن الحياة بمعناها الاشمل وإذا كانت الحياة في هذه الفترة لها سماتها الخاصة فان هذه الخصوصية تنعكس بشكل غير مباشر بطريقة التفكير البصري.

الجديد ما تعيشه ولم تعتد عليه أو تتوقعه بهذا المعنى فان أي محاولة لمبدع هي مشاركة في صنع هذا النمط من الحياة لا تلغي الوثيقة المطابقة للواقع لتدخل الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، أنت بحاجة إلى ما هو فوق الحدث أوما فوق الواقع ليعطي المعزى النهائي لجوهر الحدث، اللوحة هي ترجمه لهذا الجوهر وليس مجرد انعكاسا حسيا للحدث أو الواقع.

لنكون أكثر اقترابا من جوهر اللوحة لديك هل ننقل لوحة الشاعر أو زوجة الشهيد من دائرة الصورة إلى دائرة الكلمة؟
■ أنت من يسمي الأشياء أنا لم اسم لوحاتي، معنى هذا انك تلتقط فيها ما تريد وأنا لا انفيه أنا أقول إن المغزى من الشهادة هو غير الشهادة، زوجة الشهيد هي حالة مطلقة لمعنى يحمل قيمة اجتماعية اليوم ضمن الأحداث بحيث أنهاتتحول إلى موضوع طهراني نجله جميعا ونحترمه، الشاعر ليس الموجود في اللوحة، ما هو موجود هو الحالة الشعرية أو القصيدة لذلك أقول إن الجديد لا يأتي من الفضاء الخارجي وإنما من خلالنا ومن خلال كل فرد يحمل فاعليه معينة تقود إلى استمرار الحياة وصنع المغزى.

وجود لوحة لرأس مقطوع على طاولة بيضاء يحمل أكثر من فهم، كيف نستطيع كمتلقين الوصول إلى المعنى المقصود هنا؟
■ لم يخطر على بالنا أن نرسم رؤوسا مقطوعة من قبل، إلا أن الأحداث من حولنا تخلق المواضيع وقد يكون ذلك ما رسمته، بشكل عام يمكن أن نقول إنأي عمل فني على وجه الأرض ليس له أي قيمة دون معنى، الأعمال الفنية هي مواد كأي مواد أخرى حتى لو كانت تمتلك مهارات الإنسان وتفوقه في مجالات الإبداع الفني، ماذا تغني الغرنيكا بدون موضوعها وعليها يمكن أن يقاس، العمل النحتي على الحجر ما هو دون المعنى فيه.

معنى هذا أن العمل الفني هو عمل ذو قيمة؟
■ هذا أكيد.

والقيمة شيء يمكن تحديده؟
■ أكيد.

إذا كان الأمر بهذه الصورة من التأكيد وأنت احد أهم المنظرين في الفن في الوطن العربي، فيمكن تأكيد أن الفن قابل للقياس وله دور يتجلى في المعنى من ورائه، إذا لماذا يسوق أن الفن منفصل عن المعنى وان الفنان حر حتى عندما لا يقدم المعنى؟
■ لا يمكن نهائيا أن يكون هناك إبداع دون حرية، أما علاقة القياس بالحرية يأتي من تصنيفات النقاد وقياساتهم وليس من تجربة الفنان لان القياس يأتي لاحقا للمنتج الفني وليس شرطا لإنتاجه، وإلا لما كان تعريف الفن بأنه لا يمكن تعريفه.

العمل الفني شيء وفهمه شيء آخر مختلف كليا عن وجوده وتفسير العمل الفني يمكن أن يختلف من مكان إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر وعلى هذا فعملية الفهم مرتبطة بالعمل الفني من جهة ومنتج العمل الفني من جهة أخرىوبالمتلقي، ولكي نصل إلى حالة الفهم لا بد من استيعاب هذه الاقانيم الثلاثة بشكل متوازن واللوحة هي جزء من ثلاثة، فالمعنى موجود سلفا في معارف المتلقي لكن ليس لديه أي فكره عن تلقي هذه المعنى بشكل مختلف قبل أنيرى العمل الفني.

قد يكون سؤال بسيطا ولكنه إشكاليا وحادا، كيف تتكامل هذه العناصر ليكون العمل فنيا، ويحمل القيمة والمعنى؟
■ يكون العمل فنيا حين تتوفر فيه إمكانات الجدة والقدرة على الإقناع وملامسة أحاسيس الآخرين وان يحمل هذه الأفكار من خلال تقنيات محددة قادرة على حمل المعنى بشكل يوحي بالواقع وما خلفه وان يتمكن من أن يحدث الدهشة المأمولة لدى مواجهته.

بزمن انتهى فيه الصمت نشهد اختلافا حادا في مشهد اللوحة لديك، خرجت الأيدي، صرخت الأفواه، ذبحت اللوحة بالأحمر، احترقت بالرمادي، اصطفت الرؤوس..!؟
■ ماذا تتوقع غير ذلك..! كل الأجساد التي رسمتها سابقا بدون أيدي كانت تتوق إلى الفعل، كل الوجوه الصامتة كانت بحاجة إلى قول كلمة، كل العيون الفارغة التي لا ترى كانت مغيبة بفعل فاعل..! اليوم نحن بحاجة إلى فعل ولا بد أن تحضر كل الأشياء والأعضاء والأفكار لكي نحدث هذا الفعل ونكون جزء من الدفاع عن الإنسان السوري بمواجهة الغباء الإنساني وهمجيته اللامحدودة.

بهذا المعنى تشير إلى أن الفنان السوري مدعو ليقوم بدوره؟
الأوطان بحاجة إلى مكوناتها والفنان جزء من هذه المكونات، الفنان لا يرسم جماليات الوطن بل يعبر عن أحزانه أيضا، ويحض على الحفاظ عليه ويدفع من اجل تحريره، الفنان له دور مثل أي مواطن يعيش في كنفه، الفنان والمثقف لهم ادوار كغيرهم، هم ليسوا أكثر من غيرهم.

بهذا الفهم كيف ننظر إلى الفنان كقيمة ؟
■ قيمة الفنان تكمن في دوره، وإذا أردنا أن نحدد هذا الدور لا بد أن نعرف محددات الأدوار الأخرى في المجتمع، لا اعتقد أن للفنان دور أهم من دور المحامي والفلاح والمهندس أو العامل له مهم هو أن يجمل الحياة وان يثورها وان يجعلها أكثر عدالة وكلما أتقن هذا الدور كان أكثر قيمة من خلال هذه الفاعلية.

نتحدث كثيرا عن القيمة المادية للوحة وأنا أرى انه هناك قيمة روحية ومعنوية عالية يجري إغفالها من معادلة القيمة، كيف يمكننا أن نتحدث عن قيمة مادية وروحية للوحة أو أن نطلق هذا الفهم بالحد الادنى؟
العمل الفني جسد، وروحه القيمة الموجودة فيه، وقد تتكرر هذه القيمة في أجساد أخرى، ولدى فنانين آخرين، بهذا المعنى القيمة مطلقة واللوحة خاصة، إذا تحمل اللوحة أو العمل الفني جزء من هذه القيمة ولا تحمل كامل القيمة، وانتقال اللوحة أو العمل الفني عبر الزمان والمكان يمكن باستمرار أن نتلمس هذا النبض وفق المجموعات التي تتلقى هذه القيمة، ولأكون أكثر وضوحا قد لا يكون لمنتج لفنان ما أي قيمة في زمنه إلا انه يمكن أن يتلمس هذا النبض في ازمنه أخرى بعد حياة الفنان وبذلك تعود القيمة للعمل الفني وتطلق من جديد، فان كوخ على سبيل المثال.

في المشهد التشكيلي السوري العديد من التجارب تتحلى بقيم روحية وفنية عالية وهي مغفلة تماما وغير مكترث بها لصالح أسماء قليلة تستولي على كامل الحضور، أليس هذا نوع من التدمير الذاتي بالمعنى الإبداعي لتجارب تستحق أن تكون في بؤرة القيمة والضوء؟
■ بالنسبة لي حتى الآن لم يقيم الإبداع السوري على المستوى النقدي او التآريخ لذلك فان الحكم على هذه المواضيع يكون اعتباطيا وغير مدروس، ولا يمكن من هذا المنطلق أن تقول إن الإبداع السوري هو خارج الاهتمام والاكتراث، فأعمال فاتح المدرس ولؤي كيالي على سبيل المثال لا الحصر دخلت الى مزادات عالمية ولاقت رواجا واهتماما وبأرقام عالية وهذا يعني انه هناك من يكترث للفن السوري ويقدر قيمته، وبالمناسبة أنا لا احكم من خلال هذا الكلام على أهمية المنتج وصلاحيته لأنه مسوق عالميا فالتجربة السورية تحتوي على الكثير ممن يتفوقون على تجربة فاتح ولؤي.


الفنان طلال معلا خلال مؤتمره الصحفي

نستفيد طوال الوقت من القيمة الاقتصادية للعمل الفني لكن ماذا عن القيمة المعنوية؟
أي عمل فني نصفه اقتصادي- بمعنى انه خلق ليسوق وليكون سلعه- وهذا ليس جديدا الأمر مرتبط بتاريخ إنشاء المتاحف في العالم والأفراد اللذين يمتلكون مجموعات خاصة في هذا المجال والتغاضي عن كون العمل سلعة قد يؤدي إلى زواله، أنا اعلم أن هذا الكلام صادم قليلا إلا انه الحقيقة التي يتعامل من خلالها البشر خاصة بعد أن تحولت أدوات الفنانين إلى أدوات ضوئية غير مادية بمعنى أنها غير ملموسة، بحيث أضحى المنتج الفني السابق هو منتج فريد يجب اقتنائه والحفاظ عليه كقيمة مادية ومعنوية.

لم نتحدث بعد عن القيمة المعنوية التي تمايز روح ووعي فنان عن أخروينحصر الأمر بقدرة المسوق وقوة المال على صنع القيمة؟
■السوق الفنية تحكمها شروط وصنع الفنان النجم أيضا له مواصفات وبالتالي فان صنع القيمة في مثل هذه الأحوال هو جزء من اللعبة التي يمارسها المقتني او المسوق وصاحب المزاد وعلى هذا الأساس يمكن تزيف القيمة على حساب قيم أخرى، هذا الأمر لا يحدث فقط على المستوى الفني بل وعلى المستوى السياسي أيضا.

بتجاهل وتزيف القيمة الفنية ماذا يبقى لنا من الفن، وهل بوسعنا في هذا الصراع أن نرسي قيمنا الفنية الخاصة؟
■ فهم أدوات العصر وطرق إنتاج العمل الفني وفق الشروط المتغيرة يساعد الفنانين على وعي الحالة التي يعيشونها، ومن المؤكد أن هناك تغيرات تطال المحترفات على كافة المستويات وللآسف فان الكثير من المبدعين الحقيقينيقفون عند حدود تجربتهم، أي عند زمنهم الخاص وبشكل محدد ومحدود ولا يطورون تجاربهم وفق المتغيرات البصرية والفكرية التي تجري حولهم ولهذا يكون مؤداهم الجمود وعدم القدرة على إقناع المسوق أو المهتم بتسويق العمل الفني.

إن وعي المتغيرات هو السبيل الوحيد لإبراز القيمة وتسويقها بآن واحد.

العديد من الفنانين يملكون القيمة في أعمالهم ولكنهم لا يجيدون اللعبة وغير معنيين أخلاقيا بدخولها من وجهة نظرهم فهل محكوم عليهم بالإعدام الفني على سبيل المقاربة؟
■ نعم.

هل هذه إجابة نهائية رغم كم الرعب المتجسد في هذه النعم؟
■ ما من شيء نهائي في الفن، ولكن علينا أن نفهم آلية التسويق عبر العالم، نحن بحاجة إلى اختصاصات مختلفة إلى جانب اختصاصات التصوير والنحت والحفر بدءا من كليات الفنون ومنها اختصاصا في إدارة الأعمالالفنية وإنتاجها واختصاصات في التنظير والنقد وإقامة الفعاليات الكبرى وصنع النجم والطباعة والنشر وغير ذلك، كيف يمكن أن نعرف قيمة العمل دون كل ما سبق..!


عمار حسن

جريدة النهضة

Share/Bookmark

صور الخبر

الفنان طلال معلا خلال عقده مؤتمراً صحفيا

الفنان التشكيلي طلال معلا

الفنان طلال معلا خلال عقده مؤتمراً صحفيا

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق