فريحات يتحدث عن تحولات نزار قباني

13 01

يكتب كيفما اتفق ويطارد في حصاد سابق له

لكل زمن رجاله وملكوته، ولكل شاعر روابيه ووهاده، وألقه وتألقه، وخفوقه وكمود ألوان شعره، وهذا ما عبر عنه شاعر الحب، شاعر دمشق الثائر، الشاعر السوري الراحل نزار قباني، في مطلع إحدى قصائده معرباً فيها عن تحولات مهمة في مسيرته الأدبية، وعن نضوب نبعته الشعرية -على حد تعبير نقاده- وهو من قال «انتهى العهد النزاري الذي أسستُه وانتهت كل حروبي وفتوحات غرامي». إذاً تحول العهد النزاري إلى حالة جديدة من الشعر والشعور، ومن الهواجس والرؤية، ومن المصير والنهاية.
وحول تحولات شاعرية نزار ألقى الناقد الدكتور عادل فريحات رئيس جمعية النقد الأدبي في اتحاد الكتاب العرب سابقاً محاضرة في المركز الثقافي بالمزة في 13 كانون الثاني 2008 تحت عنوان «شاعرية نزار قباني وتحولاته» بحضور جملة من الباحثين والمهتمين ومحبي شعره.
تمحورت المحاضرة حول جملة من المحاور كان أولها تحولات نزار الشعرية من شاعر حب وغزل إلى شاعر وطني قومي، ذلك ما يوضحه الدكتور فريحات «لم يكن نزار معنياً بشؤون الأمة بالدرجة الأولى، كان ثائراً متمرداً منتقداً للظواهر الاجتماعية، عزف على وتر لم يكن للشعراء في ذلك الزمن عهدٌ به، وكان جريئاً في التعبير عن مكنونات نفسية المرأة في مجتمعنا المحافظ، ولهذا السبب فإن كثيراً من الشباب والشابات المراهقات يحفظن شعره، وتحدث أيضاً باسم النساء المقهورات، فهو شاعر الحب، شاعر الثورة على التقاليد والأعراف، شاعر الجنون وهو من قال "أنا من أسرة تمتهن العشق، العشق الجنوني". من أراد فهم لغة أشعاره -يقول نزار- "فهناك مفاتيح أبرزها الطفولة"، ولم يكن يعني صغر العمر وإنما العفوية والبراءة في قول الشيء دون تحفظ أو خبث». من هذه الزوايا يجد الدكتور فريحات أن نزاراً برز في عالمنا بوضوح كصوت شعري متفرد، وميزة نزار هي أنه عرف كيف يتفرد.
أما الانعطاف الآخر في شعر نزار فهو تحوله من شاعر حب إلى شاعر وطني قومي بعد حرب 67، ولقد هوجمت قوميته من قبل بعض النقاد العرب، حتى أن كاتباً صحفياً لبنانياً وهو جهاد الفاضل ألف كتاباً أسماه «فتافيت شاعر» ناقش فيه نزاراً القومي وهاجمه هجوماً مريراً، وقال إن قدره كشاعر ألا يكون شاعراً قومياً لأنه كان يهاجم العرب بين فينة وأخرى.
«وأنا كناقد أعتقد أنه غير محق في ذلك، فنزار نظم قصائد عديدة في أطفال الحجارة ومقاومة الجنوب، وقصيدة في دمشق من ثمانين بيتاً، ولا يمكننا أن نهاجمه من زاوية وطنيته وقوميته، المسألة تكمن في كيفية فهم شعر نزار القومي، فحين يهاجم العرب هو لا يهاجم الشعوب والأمة إنما القادة والمتخاذلين المنهزمين منهم الذين لا يتحسسون آلام شعوبهم». من هذه الزاوية يجب أن نفهم شعر نزار القومي السياسي.
أما المحور الثاني فقد تناول نزاراً تحت مجهر النقد، وكيف رسمت أقلام النقاد ملامح صورته الأخيرة مشيرة إلى مواقع إخفاقاته وتألقه وإلى ألوان عطائه الباهتة، «فالحركة النقدية تناولت نزاراً منذ ظهوره، وكان له نقاده المعجبون به وآخرون ممن هاجموه ولم يعجبهم شعره كحال الناقد المصري علي الطنطاوي، ومنهم من هاجمه من زاوية الموضوع والرؤية من كونه شاعر المرأة والفراش أو شاعر النهود، وآخرون تطرقوا له من زاوية قوميته كما ذكرت سابقاً، وهذه المسائل خلافية وقابلة للنقاش».
«أما وجهة نظري النقدية -حيث أنني لست بصدد تناول نزار من النوافذ السابقة الذكر- فالشيء الذي أود إيصاله من خلال هذه المحاضرة وفي هذا الجانب تحديداً هو تقييم مسيرة نزار الشعرية، والتطورات الحاصلة عليها في العقد الأخير من حياته، وبقدر المستطاع من الإنصاف ضمن منطق النقد العلمي، فمن خلال مراجعتي للمراحل التي مر بها شعره -وأنا المهتم بحياته الشعرية منذ زمن طويل- وجدت أن مسيرته الأدبية قد انتابها تحولٌ مهم جداً وهو في سنيّه الأخيرة، ولا أقصد هنا السنوات الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، إنما العقد الأخير من عمره، وهو التحول الأخير، وما وجدته هو أن السوية الشعرية لديه هبطت، وصرحت بهذا الرأي الذي وصلت عليه لكون نزار شاعراً سورياً عربياً كبيراً، ويصعب أن تجد أديباً له علاقة بالثقافة الحقيقية ولا يهتم بشعر نزار، ولكن ينبغي لنقدي أن يقول قوله دون تحامل مجوج أو مجاملة بائسة».
«وللحق أقول إنني في أحد المؤتمرات في الأردن سألت أحد النقاد من مصر العربية "من ترشح ليكون الأديب العربي النوبلي الثاني بعد نجيب محفوظ"، فقال لي "نزار قباني"، مبرراً بأنه شاعر شعبي من زاوية انتشار شعره، فشعره يكاد يقال على كل لسان في الوطن العربي من مشرقه حتى مغربه، وصدحت كلمات قصائده بحناجر عمالقة الفن (نجاة وعبد الحليم وفيروز). وفي تلك الحقبة كان هناك ناقد كبير هو مارون عبود الذي قال لنزار "أنت شاعر بكل ما لهذه الكلمة من معنى"، وقد كان نزار يفخر بذلك عندما يقول "نحن عشنا في زمن مارون عبود"».
بعد كل ذلك بقي نزارٌ شاعراً كبيراً حتى زمن معين، ثم في عقده الأخير دخل مرحلة اعترف بها وهو من قال عن نفسه إنه قد انتهى زمانه وبهتت ألوانه ولم يعد متمرداً، وفقد الكثير من دبلوماسيته اللغوية المتألقة لصالح المباشرة في كل شيء، وبدأ يفتقد درجة انزياحه بوصفه شاعراً عن اللغة العادية ويتماهى مع كلام العامة، وقد لا يكون هذا مثلباً عليه ولكنه فقد صيغة التوتر والتألق وصفة الإشراق، والشعر الذي نتوخاه في معاييرنا.
رغم أن هناك سناً للتوقف حال كبار مبدعي العالم إلا أن نزاراً لم يتوقف عند حد وبقي يكتب كيفما اتفق ويطارد في حصاد سابق له أو يتغنى بأمجاد سابقة، نعم لقد هبط هبوطاً مريعاً في سنيّه الأخيرة.
أخيراً وليس آخراً يبقى نزار شاعرَ الحب والغزل عربياً قومياً وصوتاً جديداً غرد في زمانه (كما وصفه الناقد منير عجلاني)، تميز وتفرد وحلّق عندما أراد أن يحلق.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

بحبك سوريا:

الأخ بسام

يوجد ملف كامل عن الشاعر الكبير نزار قباني في قسم أعلام من سورية، شخصيات الموقع
أعتقد أنه يفيدك في بحثك
مع التحية

بسام :

السلام عليكم بحثي حول نقد الاجتماعي عند نزار قباني اريد مساعدتكم وشكر

العراق

العراق