اللقى الأثرية المكتشفة في سورية وقارة أوروبا توثق عالمية الحرير السوري

10 تشرين الثاني 2014

.

تؤكد المعطيات الأثرية وتحليل بقايا الملابس الحريرية ودراسة خصائص ومزايا هذه الملابس وأسلوب نسجها وصول الحرير التدمري إلى معظم بلدان القارة الأوروبية ما يؤكد شهرة المنسوجات السورية عالميا منذ آلاف الأعوام.

ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر و قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف أن الحرير عبارة عن مجموعتين من شعيرات متصلة من الألياف التي تتكون من مادة الفبرويين البروتينية يتم إفرازها من اثنتين من الغدد اللعابية الموجودة في رأس اليرقة ثم يتم إجباره على الخروج في صورة سائلة من خلال فتحات تسمى المغازل وصمغ يسمى صمغ السيريسين أو صمغ الحرير والذي يلصق الخيطين معا بقوة.

وأوضح السيد أن الحرير يتصلب حينما يلامس الهواء وبعد التجفيف تتم تعبئة الحرير الخام حسب الجودة و خيط الغزل الواحد يتكون ما يقرب من 48 خيط حرير منفردا علما أن إنتاج كيلو غرام من الحرير يتطلب نحو 5500 دودة قز ويقاس حجم خيط الحرير بوحدة تدعى الدنيير ويعرف بأنه الوزن بالغرام لخيط طوله 9000 متر ويختلف باختلاف السلالات.

وأشار السيد إلى أن الحرير يصنف كأقوى الألياف الطبيعية لأن خيطه أقوى من شعيرة من الفولاذ للقطر ذاته وله مرونة عالية عند شده ويستعيد أبعاده الأصلية عند إزالة قوة الشد المؤثرة عليه.

ولفت السيد إلى أن الحرير الطبيعي الذي يستخرج من دودة القز التي تتغذى على أوراق التوت المزروع يتميز بلونه الأبيض الجميل الضارب إلى الصفرة في حين أن لون الحرير البري الطبيعي بني أو أصفر غامق يستخرج من دودة القز التي تتغذى على أوراق البلوط وأنه من الصعب تبييض الحرير البري بسبب لونه كما أنه أقل لمعانا من الحرير المزروع وغالبا يخلط مع ألياف أخرى ويمتاز الحرير بخفة وزنه وسهولة كويه ومقاومته للانكماش وامتصاصه للرطوبة وقدرته على احتمال درجات الحرارة العالية حتى يمكن تسخينه حتى درجة حرارة 140 درجة مئوية بدون أن يتحلل ويبدأ بالتحلل عند درجة حرارة 170 درجة مئوية.

ويقول المؤرخ السوري إن الصين هي الموطن الأصلي لدودة القز والتي يؤرخ أول ظهور موثق لها هناك بفترة اليانغشاو المبكرة ما بين 5000 – 3000 قبل الميلاد وتشير النصوص القديمة إلى أن بلاد الصين عرفت فن صناعة نسيج خيوط الحرير قبل نحو خمسة آلاف سنة ففي عهد الامبراطور الصيني هو أنجدي 2700 ق.م اكتشف دور دودة القز في إنتاج الحرير الطبيعي وبحلول عام 1000 قبل الميلاد بدأت صناعة الحرير بالانتشار والازدهار في الصين.

وبحلول النصف الأول من القرن الأول الميلادي، وصل إنتاج الحرير إلى مدينة كوتان القديمة و مع قدوم عام 140 ميلادي ازدهرت صناعة الحرير في الهند.

وأشار السيد إلى أن بقايا المنسوجات الحريرية المستوردة من الصين والتي تم العثور عليها في عدد من القبور السليمة في سورية والمؤرخة بنهاية القرن الثاني الميلادي تؤكد أهمية تجارة الحرير التي قامت بين سورية و الصين في عهد أسرة هان ودور سورية في نشر صناعة الحرير في منطقة الشرق الأدنى وأوروبا منذ القرن الثاني الميلادي.

وتصنف المنسوجات الحريرية الصينية المكتشفة في تدمر كأقدم المنسوجات الحريرية التي تم اكتشافها في الشرق الأدنى.

وتدل دراسة المنسوجات الحريرية الصينية المكتشفة في تدمر على أنها كانت تنسج على أنوال ذاتية الحركة في حين أن مثيلاتها في الشرق الأدنى صنعت يدويا بما في ذلك حواشي الثياب المطرزة بالرسوم.

وبين نائب مدير المخابر الأثرية السورية أن الوثائق التاريخية ودراسة بقايا المنسوجات الحريرية الصينية المكتشفة في سورية تؤكد أن أسرة هان الصينية حددت نماذج وأشكال النسيج الحريري بنفسها والذي عرف باسم دامسق الهان ويلاحظ في هذا النوع من المنسوجات الحريرية نماذج متناظرة ذات لون واحد تتألف من أشكال هندسية بسيطة جدا ورسوم حيوانات أو موضوعات أخرى كثيرة التنوع ونماذج أخرى نسجت بألوان متنوعة بأسلوب العتابي الذي يجعل السدى يطغى على سطح القماش ويتألف هذا النسيج على الأقل من دورين من السدى مختلفي الألوان و دور من اللحمة.

والسدى هو خيوط نسيج الثوب التي تمتد طولا وهو خلاف اللحمة التي تمتد عرضا.

وحسب نائب مدير المخابر يشكل اتجاه البرم أثناء الغزل إما برم يمين برم/ زد/ أو برم شمال برم/اس/.

ويعتبر البرم عنصرا أساسيا في عملية الغزل لأنه يعطي قوة الاحتكاك الكافية لتتماسك الألياف مع بعضها وتعطي خيطا قويا قادرا على تحمل الشد المطبق على خيوط السدى وتمتاز خيوط السدى بكونها أقوى وأنعم وأكثر تجانسا وذات برم أكثر من خيوط اللحمة وقد عثر في تدمر على النموذجين من الحرير الصيني لكن دامسق الهان كان أكثر شيوعا وانتشارا و كان دامسق الهان المصنوع بأسلوب المفارقة بين شيئين مثل الأبيض والأسود معروفا بشكل جيد في سورية.

وأشار قارئ النقوش الكتابية الى أن السوريين استوردوا أيضا الحرير الخام من الصين وقاموا بتحضيره بأسلوبهم الخاص لاستخدامه للسدى ففي تدمر مثلا انتج محليا نوعان متباينان الأول منسوج بأسلوب التويل الرباعي غير المترابط بشدة والنوع الثاني يتألف من موضوعات بسيطة على شكل معينات بأسلوب القلب أي أن السدى واللحمة يتناوبان في الظهور على سطح القماش وتدل كثرة بقايا الملابس الحريرية المكتشفة في مدافن تدمر وحلبية مقارنة بما عثر عليه في أوروبا على مدى توفر مادة الحرير في تدمر في عصر كان فيه الحرير نادراً جداً في أوروبا وقد عثر في أوروبا على نماذج تدمرية من المنسوجات الحريرية أهمها اكتشف في مدينة كولونيا في ولاية شمال الراين/ فيستفالن في غرب ألمانيا وكان منسوجا حريريا بأسلوب التويل على شكل معينات وله حواش أرجوانية من الصوف المغزول على شكل حرف /زد/ إلى جانب خيوط ذهبية تحيط بالخيوط الحريرية.

كما عثر على نماذج أخرى مشابهة في قبور هولبورن في انكلترا وكونتي في سويسرا وقبر القديس بولينوس في مدينة ترير في ألمانيا والتي تقع عند ملتقى ثلاث دول ألمانيا وفرنسا واللكسمبورغ علما أن معظم المنسوجات التدمرية كانت تنسج بخيوط حريرية مستقيمة وربما كان القسم الأكبر منها من أصل صيني إلا أن النموذج بلحمة أرجوانية أصيلة هو نسج سوري محلي.

وخلص الدكتور محمود السيد أن موقع تدمر المتميز في قلب بادية الشام في منتصف الطريق بين مدن حوض الفرات شرقاً ومدن الساحل السوري غرباً وفتح حوض الفرات للتجارة العالمية قد جعل طريق الحرير العالمي عبر تدمر هو الطريق الأقصر مسافة والأكثر سهولة والأفضل عبوراً ومرورا والأكثر أمناً وأهمية من طريق الحرير البحري الذي كان يمر عبر البحر الأحمر وساهم في نشر صناعة وتجارة الحرير عالميا إلى جانب براعة النساج السوري وذوقه الرفيع.


عماد الدغلي

سانا

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق