رانيا كرباج: تعال حبيبي نقترف السلام.. بحث عن الحب في زمن الدمار والدم

26 أيلول 2014

.

وللروح الملونة بالألم والشجن والألوان مساحة لا تقل أهمية، بل ربما تزيد عن تلك النزعة العقلية التي تحاول أن تقدم للقارئ جرعة من فكر، فالشعر ليهزنا عند سماعه، والشعر ليس محاضرة، وإنما ملامسة لحدود النشوة والوجع في الوقت نفسه، الشعر نفثة مصدور يشعر الغصة، ويأبى أن يستسلم لها ليختنق بها، الشعر حب يأبى أن يهاجر دون أن يكون دماً نافراً يلون حروف الشاعر، ويشهد بتحولات أرهقت الشعر، وأرقت الشاعر، ذاك ما كان في «يدي ملطخة بالحب» للشاعرة رانيا كرباج، المجموعة الثالثة للشاعرة التشكيلية بعد «وصايا العطر» و«أرض وورد» وكما في «أرض وورد» تتابع الشاعرة رصد الروح المرهفة في الأزمة دون أن تحمل شعارات ودون أن تحمل شعرها بوصلة تحرف مساره ومهمته.

الحرب والروح
الحرب
من كل حدب وصوب
تحوطنا
فتعال حبيبي نقترف
السلام
الحرب تحاول
أن تخنقنا
فانفخ في نفسي
هواء الحلم
واملأ رئتي
بعطورك الزكية
على هذه الأرض
سنبني
حلمنا
أتوسط قلبك كمنارة عارية وسط البحر

أشياء الحرب ومفرداتها تحيط بالشاعرة ولم تشأ برهافة الحس والكلمة أن تتحدث في الحرب والأدلجة والفكر وما يمكن أن تجلبه الحرب، فاكتفت بالجانب الإنساني، ولا أقول الذاتي، وهو أخطر ما تفعله الحرب، وخاصة الحرب التي تشهدها سورية والمنطقة، قدمت الشاعرة البعد الأعمق للحرب، وهو دمار الانسان، دمار الروح المرهفة، لذلك تعي هي ما يدور حولها من حروب، وتقدر أن إرادة هذه الحرب أن تنزع من الإنسان بذرة الأمل، ولا تجد الخلاص من الحرب إلا بالحب إلا بالآخر، لذا تناجيه بشكل مباشر وتطلب منه أن يواجه الحرب معها، لكن بالسلاح الأمضى وهو الحب.

ننزع ورقة التوت
عن ضعفنا
نمشي إلى جنة الحب
مع بعضنا
الحب هو الحل، هو الجنة، والخوف هو الحرب، والى الجنة لا يسير الانسان وحده، ولابد من وجود الآخر، لكن بعد أن يتخلص من خوفه وضعفه، فهل الضعف والخوف هوسبب ما نحن فيه من دمار وحرب؟

القوة في الضعف:
بعيداً عن الألفاظ الجزلة، والصور والتعابير التي تعودناها عند الحديث عن الوطن، تقف الشاعرة للحديث عن الوطن «وطني» صورة للوطن كما يخرج من شغاف امرأة شاعرة، وطن قوي بمسالمته وضعفه ورسالته، لا تباهي بالقوة والتاريخ، الوطن عند الشاعرة خصب وعطاء، سنبلة تطرح الدنيا وتملأ الدنيا سنابل على رأي محمود درويش في وصفه الأبقى:

وطني أنثى سمراء
ذاب في فتنتها رجال الأرض
وطني أنثى حرة
تجندت لكسرها
جيوش الأرض
وطني أسطورة منسية
تحكي منذ بلوغ الأرض
نشوة الكلام
قصائد تشبه الإنسان
وطني سيد الفصول
وقبلة الطبيعة
سيعبر حتماً إلى فصل
الصفاء
ويتابع مسيرته العتيقة
صوب بحر
الضياء

شفيف هو الوطن كما روح امرأة، وكما رقة شعر تتوجه، الشاعرة سلطاناً على ذاتها من خلال التعابير المنجبة الدالة على العطاء وتعاقب الفصول، لا يقيها ما يحدث، فالقصائد تشبه الإنسان ولا تعلمه، والفصول بيد الوطن أرجوحة وهو سيد الفصول، والفصل الذي ينتظره الصفاء، والمحيط الذي يدور فيه الضياء.

كم نحن بحاجة لإحساس يذوب في ضعف الوطن، ويصوره بصورته العذبة غير الشرسة، فالوطن مساحة من حب، وإن وجد عليها شيء من قسوة فهي منا عندما لا نملك الروح الشاعرة، لكن الوطن أبداً يسعى لإتمام رحلته الأبدية العتيقة في تجاوز الفصول والانتقال من فصل إلى آخر، وما علينا إلا أن نتذكر هذا الوطن، ونعيده إلى اهتماماتنا بدل أن يتحول إلى أسطورة مهجورة!

الالتصاق بالخضرة والأرض ريشة وقلم سلاحان متلازمان للشاعرة، ترسم اللون، وتكتب اللون حرفاً، لذلك نجدها حتى في اللحظات العشقية تقرّب المحبوب من الخضرة واللون والعطاء:

زيتون هو
ويشبه زيتون بلادي
لذا أنا أهواه
زيزفون هو
ويفوح كزيزفون بلادي
لا
لن أنساه

وبالحس المرهف كلمة وشاعرة تلتصق الشاعرة بالأرض، متأثرة بالأزمة ومغادرتها القسرية لبيتها ومرسمها في مدينة حلب، فيأتي الحنين إلى الشخص ملوناً بالمكان وما فيه، إلى الطبيعة وما تحتويه من شجن مختلف تمام الاختلاف عما هي عليه، لتلوم ما يجري وتحاول أن ترفع المقصلة عن رأس الإنسان لعلّ المكان الذي عبرت عنه بالمتروك يعود وليعشب لوناً وزيتوناً، وتضم شجيراته ما تبقى من عصافير لم تعد تجد أعشاشاً لها:
بيتي المتروك
قرب أعشاش العصافير
يعب كؤوس الأثير
ويصطاد ما بقي
من موسيقا:
أما آن لك الاستسلام؟
الأرض أمّ عتيقة
تعد ما بقي حول عنقها
من أحلام
قبل أن تسلم نفسها
لمقصلة
الإنسان

ما بين حلم عاشته الشاعرة التشكيلية، وحاضر تتمنى أن ينتهي دون أن تهوي المقصلة على رأس الإنسان تقدم تجربتها الحانّة إلى الحب، التي لا تستطيع أن تتخلى عنه، لتجد نفسها تبحث عن الحب بيد ملطخة به، اختلطت فيه المقاييس، ولم يعد الحب سلاماً بقدر ما صار دماً:

يدي ملطخة بالحب
وعلى شفاهي تتكسر
ناطحات الحضارة
يدي موثوقة
بيد الخطيئة
مصلوبة على حجر
ومن عيوني ترفرف
رغبات
تشي بسر
البشر

الحب وحده هو الذي يمثل حبل الخلاص من الموت والدمار، وبعد ارتحال وخوف تعود الشاعرة لتبحث في المنقذ الوحيد مما نحن فيه وهو الحب، تلطخ يديها بالحب لا بالدم، لتخرج في خاتمة مجموعتها التي تنبض بالحب:

ليفيض إنائي بالحب
ويبذر الأرض
على طول
الدرب

عسى أن يكون الدرب طويلاً لنجد عليه المزيد من البذار التي تطرح حباً، وبالحب وحده يحيا الإنسان ويخرج من دهاليز العتمة.


إسماعيل مروة

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق