الموسيقي السوري العالمي أندريه معلولي: من يحمل آلة موسيقية لا يحمل سلاحاً في حياته

04 أيلول 2014

.

موسيقي بارع نجح وتميز كعازف ومدرس على آلة الفيولا التي رافقته عبر مسيرته الفنية، ولم يكن نجاحه كعازف أقل شأناً مما حققه في إدارة العديد من المناصب الإدارية التي أيضاً أحبها ووجد نفسه بها إذ شغل منصب مدير المعاهد الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة ومدرسة الباليه ومعهد صلحي الوادي للموسيقا بدمشق، وحالياً عميد المعهد العالي للموسيقا هذه المؤسسة التعليمية التي خرجت عبر سنوات عدة كثيراً من الموسيقيين المحترفين، كما كان له نصيب في قيادة الأوركسترا.

ضيفي عميد المعهد العالي للموسيقا أندريه معلولي الذي استقبلنا في مكتبه وخصها باللقاء التالي للحديث عن المعهد العالي للموسيقا وآخر نشاطاته وتفاصيل أخرى يكشف عنها لأول مرة بصفته عميد المعهد، وإليكم التفاصيل:

منذ شهرين تقريباً عينت عميداً للمعهد العالي للموسيقا، وقبل ذلك كنت مدير المعاهد الموسيقية في سورية أي إنك على معرفة كاملة بكل الأمور، إلى أي مدى يساهم ذلك في إدارتك للمعهد؟
هذا الأمر مهم جداً، هناك مشكلة كانت دائماً تواجهنا هي عدم الترابط، وبرأيي كل خطة لا تبنى على ما قبلها وبعدها تحكم بالفشل، إذ من المفترض أن تكون الإدارات متصلة مع بعضها البعض، مديرية المعاهد الموسيقية ومعهد صلحي الوادي هما النواة الأساسية للموسيقا في سورية وإذا أردنا رفع المستوى الموسيقي في المعهد العالي فعلينا أن نبدأ بهما، وهذا ما دفع وزارة الثقافة لوضع إستراتيجية عمل قائمة على توحيد المناهج في كل المعاهد الموسيقية السورية، تمكن الطالب بعد الثانوية في حال امتلك الرغبة بدراسة الموسيقا بشكل احترافي في المعهد العالي للموسيقا من الدخول إليه بخطوات انتقالية وانسيابية.

المعهد العالي ليس معهد للهواة أو لتعلم الموسيقا بل هو معهد أكاديمي احترافي ويفترض على المنتسب إليه أن يكون على مستوى معين من المعرفة الموسيقية حتى يتمكن من خلال دراسته للسنوات الخمس أن يصبح موسيقياً محترفاً.

هل اصطدمت ببعض الإشكاليات التي تتعلق بآلية عمل المعهد أو غيرها من الأمور؟
قبل أن أكون عميداً للمعهد العالي أنا ابن هذه المؤسسة التعليمية درست فيها وعشت نجاحاتها، ولدي خلفية كاملة عن جميع الإشكاليات التي تواجه المعهد الذي له بصمة على صعيد الوطن العربي والعالم من خلال الأشخاص والكوادر الذين تخرجوا فيه.

وفي الحقيقة تأثر المعهد العالي كغيره من المؤسسات خلال السنوات الثلاث الماضية سلبياً ولا نستطيع تقييمه بشكل منصف ولذلك أرى شخصياً أن بقاء المعهد مستمراً في عمله بهذا المستوى على الرغم من كل التحديات انجاز يستحق التقدير.

لسنوات طويلة اعتمد المعهد العالي للموسيقا على الخبراء الروس ككادر تدريسي، اليوم في ظل الظروف التي تشهدها سورية غاب هؤلاء الخبراء، أين تندرج هذه الإشكالية ضمن الإشكاليات التي تواجه المعهد؟
منذ بداية تأسيس المعهد العالي تم الاعتماد على الخبراء الروس في التعليم بهدف إعداد كوادر وطنية، ولكن هذه الكوادر لم تعمل جميعها في مجال التعليم وضمن المعهد العالي، والعديد منهم قد سافروا خارج البلد نتيجة الظروف التي نعيشها وهو ما سبب نقصاً في الكوادر البشرية التدريسية وهي من أكبر الإشكاليات التي كان لها تأثير في المعهد، إذ كان الاعتماد على الخبراء الروس كبيراً.

هل تمكن المعهد من سدّ هذا الفراغ؟
لقد قمنا بالاستعانة بالكوادر الوطنية وتجميعها، وتركيز المعهد اليوم كله أصبح على الخبرات الوطنية، وبدأنا العمل على هذا الموضوع وتم إعداد كوادر تمكنت من استلام العديد من مواد المعهد وأكبر دليل على ذلك بقاء واستمرار المعهد.

وهناك بعض الأمور «التقنية واللوجستية..» إدراكها يحتاج للوقت تساعد على تطوير هذا الموضوع.

لماذا لم يول المعهد أي اهتمام باستثمار الموارد البشرية المحلية في إعداد كادر تدريسي وطني في وقت سابق؟ وهل فعلاً كنا بحاجة إلى أزمة ليدرج المعهد هذا الاهتمام ضمن إستراتيجياته؟
قد يكون اعتمادنا على الخبراء الروس بشكل كبير جعلنا نعتقد أن لا مشكلة لدينا فيما يتعلق بالكادر التدريسي من جهة، ومن جهة أخرى يعود هذا الموضوع إلى الإستراتيجيات السابقة، وهنا اللوم لا يقع على الأشخاص، فالقرارات دائماً وليدة المرحلة، والمعهد العالي للموسيقا في مرحلة معينة كان عليه أن يسير بالطريقة التي عليها اليوم.

ما الذي يتم العمل عليه حالياً؟ وهل من جديد طرأ على آلية عمل المعهد؟
حالياً يتم العمل على إتمام عمل الإدارة السابقة التي عملت وقدمت الكثير ضم الإمكانات التي اتيحت لها، أنا شخص يؤمن بالعمل الجماعي، وهناك كادر مؤلف من جميع رؤساء أقسام المعهد، وأي قرار يتخذ هو قرار جماعي من مجلس المعهد، وهذا يجعل المهمة موضوعة على عاتق الجميع.

وضعنا إستراتيجية وخطة عمل بموافقة وإشراف وزارة الثقافة، جزء منها قائم على توسيع الأقسام ولاسيما قسم الموسيقا العربية، كما تم العمل على تفعيل موضوع الدراسة عن بعد لسد الثغرات ببعض الأقسام التي نفتقر فيها للكوادر التدريسية المحلية على سبيل المثال قسم الغناء الأوبرالي فقد العديد من المغنين الأوبراليين فاستعضنا عن وجود الأساتذة الذين كانوا يدرسون الغناء الأوبرالي بأساتذة يدرسون من الخارج عن طريق السكايب بمساعدة خريجي المعهد «كأساتذة مساعدين».

ولأن جميع خريجي المعهد العالي للموسيقا على مستوى احترافي عالٍ إلا أنهم يفتقدون للنواحي التربوية والتعليمية أدرجنا بمناهجنا مادة «علم النفس التربوي وطرائق التدريس»، إضافة إلى مادة «مهارات التواصل» المهمة جداً في بناء شخصية الموسيقي ككيفية تعامل الموسيقي مع المجتمع والجمهور، وكيفية تقديم نفسه بأفضل صورة ويبقى المستوى العلمي خطاً أحمر لم ولن نتنازل أو نتهاون به تحت أي ظرف من الظروف.

هدفي اليوم إعداد كادر تدريسي وطني لا يقل خبرة وحرفية عما تميز به الموسيقي السوري، وهناك خطوة أخرى لها علاقة بالأزمة تتعلق بتفعيل العمل والدور الثقافي والموسيقي على أكبر مستوى، فمن خلال الثقافة الأكاديمية المدروسة يمكن التأثير في الشعوب الأخرى وتغيير نظرتهم لنا، فما يهمنا توجيه الثقافة واستثمارها، وحالياً المعهد يعمل بكل طاقته على هذا الموضوع.

هل بدأ مجلس المعهد بتنفيذ خطة عمله الجديدة على أرض الواقع؟
نعم، والبداية كانت بتعديل اللائحة الداخلية التي وضعت عام 1993 أي منذ تأسيس المعهد، إذ ارتأينا إعادة هيكلية المؤسسة الإدارية بما يتناسب مع المرحلة القادمة وتطورها، إضافة لموضوع توسيع الأقسام وخاصة قسم الموسيقا العربية الذي وضع له بنود وأصبح دوره أساسياً في المعهد، فنحن لا نريد أن تكون الموسيقا العربية على الهامش.

ألا ترى أن توسيع قسم الموسيقا العربية خطوة تأخر المعهد العالي بها وهذه نقطة تؤخذ عليه؟
منذ زمن وأنا أسمع اتهامات عن الأستاذ صلحي الوادي بأن المعهد لا يهتم بالموسيقا العربية وهذا الاتهام نرفضه، ربما المشكلة في مفهومنا للموسيقا العربية، آلة العود آلة ساحرة جداً لم نكن نعرف تقنياتها الكبيرة وأبعادها، واليوم لدينا عازفي عود على مستوى عالٍ أدركوا أنها ليست آلة مرافقة للغناء فقط، فعندما يقدم عازف عود قطعة كلاسيكية أو غربية على هذه الآلة الشرقية فهذا تطور كبير ولافت ومن خلال ذلك يتم مخاطبة الغرب بلغته وإنما بآلة عربية وهذا يخلق لغة مشتركة، كل ذلك يدل على أن الاهتمام بالموسيقا العربية داخل المعهد لا يقل عن الاهتمام بأي نوع آخر وخير مثال وجود الفرقة الوطنية للموسيقا العربية التي تأسست على أسس منهجية وعلمية والتي تهدف إلى الحفاظ على التراث العربي وجمعه وتوثيقه وتقديمه للعالم، فإذا نظرنا لهذا الموضوع بتجرد لرأينا أن الاهتمام موجود.

وأقول: المعهد العالي للموسيقا في دمشق هو المعهد الموسيقي الوحيد في العالم كله خريجه يتقن علوم الموسيقا الكلاسيكية والعربية في آن واحد وهذا شيء نفتخر به، إذ يتم تدريس النمطين الأمر الذي ساهم بتطوير موسيقانا العربية من خلال إسقاط علوم الموسيقا الكلاسيكية «الهارموني، والصولفيج..» على الموسيقا العربية.

من أبرز المشكلات التي تواجه خريج المعهد العالي للموسيقا قلة فرص العمل رغم أنه على مستوى احترافي عالٍ، هل المعهد لديه أي نية احتواء طلابه من خلال تأمين فرص عمل لخريجيه؟
الشخص المتميز فرصته أمامه وكبيرة، وسورية تتسع للجميع، ونحن نقدم المساعدة لأي شخص لديه مشروع ثقافي موسيقي يستحق الدعم، كما أن الفرقة السيمفونية الوطنية السورية تستقطب بعض خريجين المعهد، ونجحنا بافتتاح معاهد في كل من اللاذقية وحمص وحماة كما لدينا معهد في حلب والسويداء، وأيضاً تم افتتاح فرعين لمعهد صلحي الوادي في دمشق ضمن اتفاقية تعاون بين وزارة الثقافة ووزارة التربية.

والهدف من ذلك توسيع العمل الموسيقي ليشمل كل بقاع سورية وبذلك نكون قد تمكنا أولاً من تأمين فرص عمل أكثر للخرجين، وثانياً رفع الذائقة الفنية والثقافية عند أفراد المجتمع.

برأيك هل نفتقد الذائقة الفنية والثقافية لدى الجمهور؟
نفتقدها إلى حد ما، فالعامل الثقافي مهم جداً بكل أزمات الشعوب، وأقول من يحمل آلة موسيقية لا يحمل سلاحاً في حياته، والشخص الذي يفرغ كل طاقاته بآلة موسيقية معينة ويعطيها من روحه تعود عليه بشخصية وفكر وروح أجمل، وهذا كله يصنع إنسان متوازن.

الطفل في بطن أمه يسمع الموسيقا من الشهر السادس، والإنسان يسير بخطوات منتظمة وثابتة وهذا إيقاع موسيقي، وكذلك القلب يدق بإيقاع موسيقي، ولا بأي شكل من الأشكال يمكن إنكار أن الموسيقا داخلة بالتكوين الروحي للإنسان، فمن اللحظة الأولى التي يخرج فيها الجنين من رحم الأم يبكي وهذه أول أغنية يقدمها الإنسان بالحياة.

فالموسيقا لها دور كبير في تغيير العديد من الأشياء في حياتنا ولكن إذا تم العمل عليها واستثمارها وتوظيفها بالطريقة الصحيحة، وتجاوز الأزمة الثقافية من العوامل المهمة جداً التي تساعد على التطور.

بعيداً من عمادة المعهد العالي للموسيقا، ماذا عن أندريه الموسيقي؟
أحب العمل الإداري واستمتع به، لاشك أنه يتطلب تفرغاً كبيراً ولكن ذلك لم يؤثر في الجانب الموسيقي من حياتي الموسيقية، بالنهاية الموسيقا هي عملي الأساسي، وأنا اليوم عازف بالفرقة السيمفونية الوطنية السورية، ومدرس للموسيقا داخل المعهد وخارجه، وأيضاً أوركسترا أورفيوس الخاصة بي مستمرة، ومؤخراً كان لدي عدة حفلات مع إلياس الرحباني في دبي ولبنان لكوني مسؤولاً عن عمل الفرقة الموسيقية.

لديك بعض التجارب في التلحين والتأليف الموسيقي، هل من أعمال جديدة؟
هناك أكثر من عمل يتم التحضير له، ولكن حالياً متفرغ لكتابة وتوزيع عمل موسيقي مأخوذ من موسيقا مسلسل ولكن بشكل أوسع، وإن شاء اللـه سيقدم مع الأوركسترا العربية في الموسم القادم.

خلال الأزمة إلى أي مدى تمكنت الثقافة بشكل عام والموسيقا بشكل خاص بنقل الصورة الحضارية الحقيقية لسورية؟
منذ بداية الأزمة والمعهد العالي للموسيقا يستقبل الطلاب ولم يغلق أبوابه رغم كل الصعوبات التي واجهته وكذلك الأمر بالنسبة لمعهد صلحي الوادي، كما أن الفرقة السيمفونية الوطنية السورية لم تتوقف عن تقديم الحفلات الموسيقية داخل سورية وخارجها فكان ذلك أكبر دليل على تمسكنا بالحياة.

وفي كل حفل كنا نقدمه كان الجمهور يؤكد أن هذا الفن لا يمكن إلا أن ينبع من بلد منفتح ومتقدم، ومن هنا تكمن أهمية الثقافة، فهي تشكل جسور تواصل بين الشعوب ومن خلالها نستطيع فتح آفاق كبيرة مع الآخر.

بالانتقال للحديث عن الأوركسترا السيمفونية الوطنية السورية، ماذا تخبرنا عنه؟ وكيف تمكنت هذه الأوركسترا من المحافظة على مستواها الاحترافي؟
الموسيقي السوري موسيقي متميز علمياً وأخلاقياً وعربياً وعالمياً نفتخر به ونفتخر أيضاً بأن الأوركسترا السيمفونية الوطنية جميع كوادرها كوادر وطنية وهذا الأمر يعد انجازاً، كما أن الأوركسترا بشكل شهري ترفد الأوركسترا السيمفونية الجزائرية بالموسيقيين، والمعهد بكل إمكاناته يسعى للمحافظة على الأوركسترا وتطويرها.

كلمة أخيرة تقولها من خلال جريدة «الوطن».
أتمنى أن تصل الموسيقا لكل بيت نظراً لأهميتها، وأن يسلط الضوء على المعهد ونشاطاته إعلامياً وذلك لتفعيل الدور الموسيقي.


لودي صارجي

الوطن السورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق

    بليغ :

    تارخ رائع حافل بالابداعات والتفوقات وانت مكسب لسوريا المقاومة كل النجاحات والتوفيق تحياتي

    سورية