هل أصبح الغلاف البراق مجرد مصيدة لمضمون سيئ؟

02 أيلول 2014

.

بريق القراءة لا يزول، حتى في ظل انحسار تلك الموجة مؤخراً مقابل الازدياد الواضح لرواد العالم الإلكتروني، الذين أصبحت لهم صفحاتهم الخاصة ومدوناتهم التي يستسهلون الكتابة على جدرانها المفتوحة والتي لا تتطلب عادة تكاليف مادية وتكسب صدىً طيباً بين صفوف المعجبين الإلكترونيين أيضاً، ومع الصراع الخفي بين الكتاب الجدد نجد أنفسنا أمام موجة جديدة أيضاً أضحت موضة العصر ألا وهي الغلاف، كما هو معروف إن أول ما يلفت نظر القارئ العادي هو الغلاف، على خلاف القارئ المختص والخبير الذي يعنى بالمضمون دائماً وما يحويه، ويهتم بما يندرج ضمن نطاق اختصاصه حتى لو انعدم الغلاف أصلاً، المهم في الموضوع أن تصميم الغلاف بدأ يكتسب أهمية كبرى قد تطغى في كثير من الأحيان على المحتوى ذاته، فالتصميم ينبغي أن يكون جذاباً، متقناً، مثيراً، ذا دلالات، والذي يتوازى طرداً مع نوعية ممتازة من الورق، مكسية بألوان تشد العين والقلب معاً، في الغرب أضحى لتصميم الغلاف قيمة كبرى ومختصين ودراسات نوعية تركز على المتلقي ونفسيته إضافة لعلم الألوان وتأثيراته في العين، بحيث ينجذب القارئ إلى الكتاب بمجرد رؤيته حتى لو لم يكن من المهتمين، هذا الأمر الذي انعكس بالسلب أحياناً على المضمون غير الجيد للكتاب، الأمر ذاته لدى كتبنا التي أضحى غلافها لوحة بحد ذاته وهو أمر جيد في حال توافق الغلاف بجودته مع المحتوى.

الواجهة البراقة
قصة الغلاف تتعدى موضوع الكتاب إلى أشرطة الأفلام السينمائية التي أضحت أغلفتها فخاً يقع فيه الباحث في رفوف المحال التجارية عن فيلم يحقق له رغبته في الإمتاع، ليتضح لاحقاً أن الإمتاع لا يتعدى غلاف الفيلم الذي تمت فبركته بطريقة مثيرة لاستدراج الأهواء الإنسانية بهدف دفعه لشراء الفيلم، هو أمر أصبحنا نراه بكثرة هذه الأيام في العديد من الأفلام السيئة المضمون التي لا تشبه أغلفتها بشيء، وهذا الأمر أيضاً بات له صناعة في عالم السينما وشركات الدعاية والترويج التي تعمل على إظهار الفيلم بمقاس عالمي، ليكتشف المشاهد لاحقاً أنه كان مجرد ضحية دعاية جيدة لفيلم تافه.

الرجل الغصن

كثيرة هي الأمثلة ولا تحصى، أذكر منها فيلم الرعب الأميركي «الرجل الغصن The Wicker Man» عام 2006 الذي كتبه وأخرجه نيل لابوت ومن بطولة الممثل الشهير نيكولاس كيج، حيث يجذبنا غلاف الفيلم الذي يظهر فتاة صغيرة تقف مرتدية ثوبها الأبيض ذات وجه مرعب بعينين تخلوان من البؤبؤ وخلف الفتاة وجه رجل منهك الملامح يبدو وكأنه خلية للنحل تنسجها مجموعة من ذاك النحل، يروي الفيلم قصة محقق في الشرطة يسافر للتحري عن قضية اختفاء فتاة في جزيرة نائية، ليكتشف لاحقاً أن هناك لغزاً كبيراً يكمن وراء اختفاء تلك الفتاة التي تنتمي إلى مجتمع محلي منعزل له ثقافته الخاصة ومعتقداته الوثنية السرية المبنية على العلاقة البشرية مع الأرض الأم، إلا أن النص الركيك لكاتب الفيلم وضعف إخراجه الذي انعكس على أداء الممثلين قد أدى لافتقار الفيلم إلى عناصر التشويق والإثارة والرعب، الذي سبب خيبة أمل لدى الجمهور وغلب عليهم الشعور بالملل فكان تقييمهم لجودة الفيلم لا يتجاوز عتبة الأقل من المتوسط في أحسن الأحوال فجرى إدراجه ضمن قائمة أسوأ الأفلام.

وفيلم الحادثة

الأمر ذاته يتكرر في فيلم «الحادثة The Happening» عام 2008 للمخرج إم نايت شيمالان من تمثيل مارك والبيرغ وزوي ديشانيل، والمصنف على أنه فيلم إثارة حيث يظهر في الغلاف الترويجي للفيلم شارع طويل يشق سهلاً في منطقة ريفية على حين يعج بالسيارات المترامية على جوانب الطريق وهي إما معطلة أو مقلوبة رأساً على عقب وكأن كارثةً قد حلّت في المكان وأدت إلى توقف الحياة في جو غائم ومعتم، إلا أننا منذ بدء مشاهدتنا للفيلم وحتى وصولنا للدقائق الأخيرة منه لا نجد من الغموض والتشويق الذي يقدمهما غلاف الفيلم شيئاً! الفكرة الأساسية للفيلم تدور حول حدث عظيم ومريب وغير مسبوق يحدث في المدينة، عندما تنتج الطبيعة ظاهرةً لا يمكن

تفسيرها تسبب خللاً في تفكير الناس وانتشار سلوك غريب لديهم يعم جميع أنحاء المدينة وخارجها، فيحاول أبطال الفيلم وهم مدرس العلوم في المدرسة الثانوية وزوجته وفتاة صغيرة أن يفعلوا ما في وسعهم من أجل البقاء على قيد الحياة. وبرغم الفكرة الجيدة للفيلم إلا أنه يحتوي على أخطاء وثغرات إخراجية غير منطقية لا يمكن تسويغها، فالمخرج لم يوضح ماهية هذه الظاهرة إن كانت مرتبطة بنظريات تطور النباتات أم إنها انتشار لمادة كيميائية في الجو ولم يشرح أسباب نشوئها وكأنها أتت من العدم، كما أن تأثيرات هذه الظاهرة تصيب بعض الأشخاص على حين تمر مرور الكرام على أشخاص آخرين ولا تطُلهم لسبب هزيل وغير مقنع مرتبط بنوع الطاقة الإيجابية أم السلبية التي يملكه ويصدرها أي من هؤلاء الأشخاص، أضف إلى ذلك أن الأداء التمثيلي لأبطال الفيلم كان غريباً وخالاً من الإبداع والتفاعل على الرغم من نجوميتهم وتاريخهم الحافل بالأدوار التي تألقوا بها.

الحكم للرؤية
وعلى العكس من ذلك، نجد أفلاماً قد حققت انتشاراً واسعاً ونالت رضا وإعجاب الجمهور وبلغت أعلى مراتب التقييم من ذواقي السينما على الرغم من رداءة الغلاف الذي يقدم أي منها، وخير مثال على ذلك كان فيلم «أميلي Amélie» الذي أبدعه المخرج الفرنسي جان بيير يونيت وقامت فيه الممثلة الفرنسية الشهيرة أودري تاوتو بأداء دور الفتاة أميلي، غلاف الفيلم يخلو من عناصر الجذب بألوانه غير المتناسقة وافتقاره للقابلية على مجرد الإيحاء بأي شيء يدل على مضمون الفيلم أو يعكس فحواه فهو عبارة عن صورة بسيطة لفتاة توجه نظرها مباشرة إلى الأمام بتعابير وجه قد يمكن وصفها بأنها فظة وغير محببة، إلا أن الفيلم يروي قصة نبيلة لفتاة عانت في مرحلة طفولتها من أبيها القاسي القمعي والعسير الطباع ما دفعها للانطواء على ذاتها وعدم التواصل مع الناس من حولها الذي دفعها لأن تلجأ إلى عالمها الخيالي الخاص وأحلام الحب والجمال، إلى أن أصبحت امرأة شابة وانتقلت للعمل في باريس وكرست جل حياتها لمساعدة الناس المحيطين بها بهدف جعلهم سعداء، ما أفقدها أي اهتمام بنفسها إلى أن اكتشفت يوماً حاجتها لاستعادة حياتها الخاصة وضرورة تدارك الأمر والتفكير مجدداً بجمال الحب الذي حلمت دوماً به، يقدم الفيلم قيماً عالية من خلال مجريات أحداثه وكثيراً من العبر التي تستحق التأمل، على حين إن الغلاف الترويجي للفيلم كان غاية في البساطة والفتور.

ومن أغلفة الكتب والأفلام السينمائية إلى أقنعة الوجوه البشرية التي انتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة والتي أصبح رأسمالها ابتسامة مرسومة بدقة وملابس أنيقة وتسريحة شعر منمقة تتناسب مع حديث وفلسفات صاحبها، الأغلفة التي اختارها البشر هذه الأيام عديدة وتتناسب مع وضعهم الاجتماعي الراهن وما يسعون إليه مستقبلاً، فأصبحنا نرى أشباه أشخاص وأشباه وجوه وأشباه آراء، وأضحى التمييز بين الملصقات البشرية ونوعيتها أمراً صعباً في ظل التشابه والتطابق شبه التام في الأغلفة المنتقاة، أضحينا أمام نماذج لا تشبهنا، وكم منا ينظر إلى قناعه الصباحي ولا يدرك أنه هو بنفسه الذي اختاره، تعالوا نخلع الأقنعة والقشور ونقف عراة أمام المرآة وأنا كلي يقين بأنكم ستتفاجؤون بجمالكم وكمية النقاء التي تحملها أرواحكم، والتي لا توجب على أحد التخلي عنها مقابل كل كنوز الأرض، فما نفع الإنسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه.


ديالا غنطوس

الوطن السورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بوستر الفيلم الفرنسي ايميلي

بوستر الفيلم الفرنسي ايميلي

بوستر الفيلم الأمريكي The Happening

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق