الدكتور ريناس تمو لاكتشف سورية: سورية موطن أول أبجدية، ومنها انتشرت الأبجدية الكردية الحديثة أيضاً

26 تموز 2014

.

افتتحت مؤخراً في جامعة دمشق، قسم معهد اللغات، دورات لتعليم اللغة الكردية بحروفها اللاتينية حسب القواعد التي وضعها الأمير جلادت بدرخان في دمشق عام 1931، وقد تخرّج من هذا القسم الدفعة الثانية منذ فترة وجيزة، بإشراف المدرّسين ريناس تمو وعصمت رمضان، لنتعرّف أكثر على هذه اللغة وتاريخها وتطورها، التقى اكتشف سورية الدكتور ريناس تمو المدرّس في المعهد المذكور، وكان الحوار الآتي:

إلى أي سلالة تنتمي اللغة الكردية؟
- اللغة الكردية من اللغات الآرية «هندو- أوربية» ومن السلالات اللغوية المنتشرة في الشرق الأوسط، وينتمي إلى هذه السلاسة أيضاً الأرمنية والفارسية والبلوجية والأردو.


الدكتور ريناس خلال الحوار مع اكتشف سورية

ما هو مصطلح اللغات الهندو – الأوربية؟
- صيغ هذا المصطلح في عام 1813 من قبل طبيب ولغوي بريطاني «توماس يونغ»، والسبب هو امتداد هذه اللغات المشتركة في الأصل من غرب أوربا إلى شرق الهند، وانتشرت تالياً في الأمريكتين واستراليا وأجزاء واسعة من أفريقيا، وبذلك أصبحت هذه العائلة اللغوية الأكبر والأوسع انتشاراً، والناطقون بها يتجاوزون نصف سكان الكرة الأرضية. لم يفلح العلماء والباحثون في التوصل إلى جذر اللغة الهندو-أوروبية القديمة التي يفترض جدلاً نشوئها ضمن الامتداد القاري الأوراسي، كون هذه اللغة قد سبق ظهورها عصر التدوين. القسم الآسيوي من هذه العائلة اللغوية يعرف باللغات الهندو ايرانية، وتقسم بدورها إلى قسمين، اللغات الهندية واللغات الإيرانية. الكردية تنتمي إلى فرع اللغات الإيرانية ضمن مجموعة اللغات الإيرانية المتفرعة من اللغات الهندو-أوربية، والتي تتبوأ موقع الصدارة بين اللغات الدولية حالياً، مثل الانكليزية والفرنسية والاسبانية والألمانية، «شعوب جبال زاكروس»، وهم «لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري "حوري"، نايري»، هي الأصل القديم جداً للشعب الكردي. والطبقة الثانية هي طبقة الشعوب الهندو-أوربية، التي جاءت في القرن العاشر قبل الميلاد، وهم الميديون والكاردوخيون، وامتزجت مع شعوبها الأصيلة ليشكلا معاً الأمة الكردية.


الدكتور ريناس تمو

هل هناك ذكر لهؤلاء في مصادر وأبحاث عالمية عالمية؟
- ورد أول ذكر لاسم «الكوردوخ» في كتاب الاناباسيس «الصعود» للحكيم والمؤرخ اليوناني زينفون 354- 431 ق.م، واللاحقة «وخ» باليونانية القديمة هي لاحقة الجمع وقد وصفهم بالمحاربين الأشداء. توافدت هجرات الآريين من اوراسيا إلى المنطقة ابتدءاً من الألف الثاني قبل الميلاد، وأطلقت على مكان استيطانها اسم آريان والتي تعني بلاد الآريين، وسمي فيما بعد بما يعرف الآن بـ «إيران»، ومنطقة شرق الأوسط وبالذات سلسلة جبال زاكروس الممتدة من جنوب القفقاس والبحر الأسود حتى مشارف الخليج العربي. كانت المهد الذي شهد مراحل نمو وتطور اللغة الكردية. وذلك نتيجة طبيعية للتمازج والاندماج بين القبائل القديمة التي سبقت عصر التدوين والقبائل الآرية الوافدة الذين أكسبوا القدماء لغتهم «الهندو الاوربية» وبهذا فاللغة الكردية ليست آرية خالصة بل هي نتيجة التمازج بين لغة قبائل زاغروس القديمة ولغة الآريين.

هناك العديد من اللهجات في هذه اللغة، هل لك أن تحدث عنها وعن تطورها؟
- يقول علماء اللغة إن طبيعة الأرض تتدخل في كثير من الأحيان فتغلب أحد هذين العاملين على الآخر: ففي المناطق التي تكون الطبيعة فيها غير خصبة وفقيرة يضطر سكانها إلى التنقل من أجل تحسين وضعهم الاقتصادي، وهذا يؤدي إلى حدوث احتكاك واختلاط بين سكان المناطق المختلفة وبالتالي إلى ثبات اللغة وعدم اكثار اللهجات المحلية، أما إذا كانت الطبيعة خصبة بقي الناس في سكناهم لعدم الحاجة إلى التنقل مما يجعل هذه الوحدات البشرية المنعزلة تسلك مسالك لغوية متعددة فيؤدي إلى نشوء لهجات عدة تتباعد من بعضها البعض، كلما تقدم الزمن، للسبب الأول يلاحظ أن سكان الأسكيمو لم يخضع للتطور والتغير، وللسبب الثاني يلاحظ أن اللغة الفرنسية انقسمت إلى لهجات مختلفة لدرجة أنك تحس بالفوارق اللغوية كلما انتقلت من قرية إلى أخرى. وبسبب طبيعة التضاريس الجبلية الوعرة التي تمنع سكانها الكورد من التواصل، وللأسباب المذكورة آنفاً، فإن اللغة الكردية قد تطورت إلى لهجات محلية مختلفة، وفيما بعد تكونت أربع لهجات أساسية وهي الكرمانجية الشمالية، الكرمانجية الوسطى، الكورانية، الكرمانجية الجنوبية، وتفرعت من هذه اللهجات عدة لهجات أخرى.


مع مجموعة من الطلبة في معهد اللغات بجامعة دمشق

وقد كتب البدليسي في كتابه «شرف نامة» عن اللهجات الكردية أيضاً، ماهي هذه اللهجات، ومن هو البدليسي؟
- قد عرّف بالبدليسي الذي عاش بين عامي 1543- 1603م، لأن أسرته حكمت ولاية «بدليس» لأكثر من سبعة قرون متواصلة من غير انقطاع، وألف مرجعاً تاريخياً سماه «شرف نامة» ويصنف البدليسي اللهجات الكردية في عصره إلى «الكرمانجية، الكلهورية، اللورية، الكورانية» والملاحظ هنا غياب ذكر اللهجة السورانية «الرسمية في أقليم كردستان العراق» وكانت جزءاً من الكرمانجية، كذلك نلاحظ غياب ذكر لهجة الزازا «الدمبلية» وتم اعتبارها جزءً من الكلهورية.

وحالياً في زمننا هذا ما هي تقسيمات هذه اللغة؟
- يتم تقسيم اللغة الكردية إلى اللهجات، وتحت اللهجات التالية بسبب استمرارها بالانشطار.

الكرمانجية الشمالية: وهذه اللهجة ينطق بها معظم الكورد في تركيا وسورية والعراق وأكراد خراسان والحدود الشمالية الغربية لإيران وتنقسم إلى المحلية التالية «البايزدية، الهكارية، البوتانية، الشمدينانية، البهدينانية، الغربية، الكَركَرية»، يلاحظ أن الإقليم الذي يتحدث سكانه بهذه اللهجة هو إقليم متصل، باستثناء الكورد في خرسان، وذلك بسبب ترحيلهم إلى خراسان في زمن الملوك الإيرانيين، وعدد الناطقين بهذه اللهجة أكثر من عدد الناطقين بأية لهجة أخرى حيث يتعدى 70%.


شهادة شكر وتقدير للدكتور ريناس تمو

الكرمانجية الوسطى: وجرت العادة على تسميتها خطأ بالسورانية نسبة إلى إقليم «سوران»، الناطق بأحد اللهجات المحلية للكرمانجية الوسطى، يعود سبب ذلك غزارة النتاج الأدبي الكردي بهذه اللهجة، وتنقسم الكرمانجية الوسطى إلى اللهجات «الموكرية، السورانية، الاردلانية، السليمانية، الكَرميانية»، يقطن الناطقون بهذه اللهجة إقليما متصلا بين إيران والعراق.

الكرمانجية الجنوبية: وتسمى خطأ باللرية نسبة إلى أقليم «لرستان» الناطق بأحد اللهجات المحلية لهذه اللهجة، تنقسم الكرمانجية الجنوبية إلى اللهجات المحلية التالية «اللرية الاصيلة، البختيارية، المامسانية، الكوهكلوية، اللكية، الكلهرية»، يقطن الناطقون بهذه اللهجة في إقليم متصل مقسم بين العراق وإيران.

اللهجة الكَورانية: تختلف هذه اللهجة عن باقي اللهجات بكون الناطقين بها مبعثرين ولا يقطنون في إقليم متصل، فقسم يقطن المناطق الواقعة قرب حدود انتشار الكرمانجية الجنوبية والوسطى، قرب منابع نهر سيروان «ديالى»، وقسم يقطن قرب حدود انتشار الكرمانجية الشمالية والجنوبية، ويقطن قسم آخر بين الرافدين الرئيسين لنهر الفرات في تركيا، ويقطن منهم في قونيا جنوب أنقرة، وهم يشكلون أغلبية الكورد في منطقة قونيا، تنقسم هذه اللهجة إلى اللهجات المحلية التالية «الكورانية الأصيلة، الهورامانية، الباجلانية، الزازائية».


د.ريناس يتسلم شهادة شكر من رئاسة الجامعة بدمشق

ما هو مستقبل اللغة الكردية وخطورة التعدد اللهجوي؟
- إذا بقي الحال هكذا، فأن اللهجات الكردية الأربعة سوف تتحول إما إلى أربع لغات، أو إلى لغتين كرديتين، الكرمانجية والسورانية في أحسن الأحوال. أما اللهجات الأخرى سوف تنقرض شيئاً فشيئاً بحيث تغلب الكرمانجية على الزازاكية، وتغلب السورانية على الهورامية واللهجات الأخرى.

وماذا عن تطور الأبجدية الكردية؟
- إذا عدنا لعصور ما قبل الإسلام، نجد أن الكردي قد استخدم الكتابة المسمارية والتي استمرت حتى عهد الأمويين، وما يرشدنا إلى هذا هو كتاب «شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام» لابن وحشية النبطي، وهو كتاب قام فيه ابن الوحشية بتناول 89 لغة قديمة وكتاباتها ومقارنتها بالعربية ومن ضمنها الكردية والهيروغليفية، وفي العصرين العباسي والعثماني استخدم الكورد الأبجدية العربية مع إجراء بعض التعديلات عليها، وكتب به الأدب في تلك المرحلة ومن الأدباء الذين كتبوا في تلك الحقبة «بابا طاهر الهمداني»، الذي عاصر الفيلسوف الكبير ابن سينا، وأيضاً ملا يي الجزيري 1570- 1640، وهو شاعر متصوف وعالم دين وفلك والذي دمج اللغة الكردية والعربية والفارسية في القصيدة الواحدة. وفقه طيران الذي ولد عام 1564. وأحمد الخاني، الذي عاش بين عامي 1650- 1707، وهو صاحب ملحمة «ممو زين» المشهورة والتي قام بترجمتها إلى العربية الشهيد الشيخ العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، ليكون أول كتاب يترجم من الكردية إلى العربية في سورية. واللغة الكردية الرسمية مأخوذة من لهجة منطقة البشيرية.


مع مجموعة من الطلبة في المعهد ومن اليمين الاستاذ عصمت رمضان

ولكن اللغة الكردية الحديثة تكتب باللاتينية؟
- المعروف بأن الحروف العربية في غالبيتها حروف ساكنة، لا تكفي النظام الصوتي الكردي، لهذا قام الأمير جلادت بدرخان في دمشق 1931 بوضع الألفباء الكردية الحديثة «اللاتينية» وتتكون من 31 حرفاً، وهي الأحرف التي نتخذها في التدريس في معهد اللغات بجامعة دمشق الآن، وهنا نستطيع القول بأنه من سورية انتشرت أول أبجدية في التاريخ إلى العالم، ومن سورية انتشرت الأبجدية الكردية الحديثة إلى العالم أيضاً.

من هو الأمير جلادت بدرخان؟
- ولد جلادت بدرخان في استنبول عام 1893 من سلالة الأمير بدرخان أمير جزيرة بوتان، وكان والده أمين رجلاً ثرياً، ووطنياً محباً للشعر، أتخذ من الشاعر الكردي عبد القادر كيوي أستاذاً له ولأولاده، يعلمهم الكردية وأصولها، وكان يجمع من حولهم أستاذة في الفن والتراث الكردي الشفهي والتاريخ من كبار الموسيقيين والمغنيين والعلماء، إضافة إلى حرصه الشديد على تعليم أولاده اللغات، فأستقدم لهم أساتذة في اللغات. دخل جلادت جامعة لايبزغ في ألمانيا عام 1922، حيث درس الحقوق ليتخرج عام 1925، ثم انتقل بين العراق وإيران، ليستقر بعدها في دمشق عام 1931، وهنا توصل إلى صيغة نهائية للأبجدية الكردية. وأصدر مجلته «هاوار» بعد موافقة وزير الداخلية السورية آنذاك. عندما استقر الأمير جلادت في دمشق كان يعاني من ضيق مالي، وكان معدم الدخل، بعد أن وقفت الدولة العثمانية عن دفع التعويض عن ممتلكات عائلة بدرخان الواسعة، واستبدل التعويض في زمن أتاتورك ببدل نقدي هزيل من ملكية الإمارة البدرخانية، حينها عرضت عليه دولة فرنسا المنتدبة نفقة خاصة، فرفضها ليبقى حراً إلى جانب أحرار سورية.


الامير جلادت بدرخان

كما عرض عليه شاه إيران «بهلوي» منصب وزير مفوض في إحدى الدول الأوربية، إلا أنه رفضها أيضاً، في سنة 1935 تزوج من الأميرة روشن بدرخان، وقبل بوظيفة في الدولة السورية، فدرس أولاً الفرنسية في مدرسة الصنائع بدمشق، وفضل الحياة العائلية الشريفة على العيش برفاهية، وكان يقيم بحي الشهداء – طريق الصالحية. ولم تنحصر خدماته لبني جلدته فحسب، بل خدم الأمة العربية بعمله، ولم يدخر جهداً في توطيد العلاقات الأخوية بين العرب والكورد، فعرض على الثوار العرب في فلسطين خلال حرب 1936 مساعدتهم بالرجال والسلاح. وفي سنة 1948 اقترح على الحكومة السورية أن يؤلف فرقة من الكورد، تعاون العرب على صد الهجمات الخارجية، وفي عام 1951 قبل الأمير طلب صديقه «حسين بك إيبش» لمشاركته استغلال أراضيه الواسعة في قرية «هيجانة- ريف دمشق» لزراعتها قطناً. اقتضى المشروع حفر بئر، ونصبت الآلات لسحب المياه، وفي 15 تموز 1951 بينما كان يشرف على العمال وهو واقف على حافة البئر، وإذا بجدار البئر ينهار تحته ليلق حتفه، وذاع النبأ الأليم في مختلف أوساط البلاد وقوبل بحزن شديد، واحتفل بتشييع جثمانه في موكب مهيب تتقدمه عشرات من أكاليل الزهور، ومشى فيه بعض الوزراء ورجال الدولة وكبار ضباط الجيش السوري، حيث أودع جثمانه إلى جانب جثمان جده بدرخان الكبير في مقبرة خالد النقشبندي بحي الأكراد بدمشق، وقد ترك خلفه العديد من المؤلفات منها «حقيقة سقوط أدرنة 1913، قواعد الألفباء الكردية 1032، صلوات اليزيديين، رسالة إلى حضرة الغازي مصطفى كمال، حول المسألة الكردية، قواعد اللغة الكردية، القاموس الكردي الفرنسي، القاموس الكردي الكردي، أعرف نفسك، هفند "مسرحية"، جوني وجيمينا "الترجمة من الإنكليزية"».


إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

شهادة شكر وتقدير للدكتور ريناس تمو

الدكتور ريماس خلال الحوار مع اكتشف سورية

الامير جلادت بدرخان

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق