الباحث والأديب نذير العظمة.. الإبداع وظيفة حضارية

21 تموز 2014

.

قامة من قامات سورية الشامخة الدكتور نذير العظمة الناقد والباحث والأديب وشاعر من شعراء الحداثة وجيل الرواد تمحور شعره حول الذات والوطن والمرأة وعبر من خلال أعماله عن معاناة الذات والتجربة الإنسانية واستفاد من التراث والثقافة العربية فزاوج بين الحداثة والأصالة مستعينا بالفلكلور والأسطورة والتجربة الصوفية.

وفي حديث لسانا قال الدكتور العظمة: «الحداثة تنبثق من رحم الأصالة وتعبر عن تجربة إنسانية ميدانية والميدان ثقافة ليس ترفا وهي تعبير عن مسؤولية حضارية ووجهة نظر تنبثق أيضا من تجربة فعلية وأعمالي الإبداعية متأثرة بالزمن الذي عشت فيه زمن الأحزاب العقائدية والحركات الشعبية فكتاباتي الشعرية والمسرحية والنقدية لم تكن محايدة بل سعيت دائما من خلالها للتعبير عن الإنسان المعاصر في سياق تجربة النهضة ومواكبة الموكب الحضاري الإنساني في الأوطان والثقافات الأخرى».

وأضاف الدكتور العظمة «أن لسورية إسهامات كبيرة جدا بالنسبة للأمم الأخرى فهي موطن أوغاريت الأبجدية والأرقام وهي التي أعطت الشراع والمحراث وبالفترة الإسلامية نقلنا العلوم والفلسفة الإغريقية.. والسوريون أضاؤوا العلم للآخرين لاسيما النهضة الأوروبية التي لم تكن لولا النهضة العربية وحضارتها وخاصة بين القرن التاسع والثاني عشر الميلادي».

وتابع «إن حضارتنا العربية وثقافتنا مستمرة من الجذور من سومر إلى أوغاريت إلى ميسلون وأنا ابن هذه الثقافة مناضل علماني واع للجذور الثقافية العربية والأصول وبرأي النهضة هي تواصل كوني تحت سقف الثوابت الحضارية كما أني مؤمن بما قال به انطون سعادة أن العقل هو الشرع الأعلى للإنسان».

وحول الصوفية في أعماله قال تغذيت بالثقافة الصوفية من والدتي وجدي والد أمي الذي كان يعزف القانون في بيتنا العربي بالصالحية وقصتي التي كتبتها المعراج والرمز الصوفي المترجمة إلى الانكليزية تعبر عن هذه التجربة الصوفية وتأثير المعراج على العالم والأدب التركي والفارسي.

وأشار إلى أنه درس الفكر الصوفي والفكر السياسي والتمدن الإسلامي من خلال الإبداع الأدبي في جامعة بورتلاند الأميركية الرسمية التي عمل فيها عشرون عاما.

وأضاف تعلمت الآرامية في الجامعة الأميركية مع أنيس فريحة وقرات كتبا مترجمة من تاريخنا بالآرامية كما تعلمت الفارسية كونهما لغتين شرقيتين وتعلمت الانكليزية والفرنسية خلال سنوات دراستي في دمشق وهذا ساعدني في مجال عملي في الأدب المقارن المنطلق من الثقافة الإسلامية وكان هاجسي أن أوفق بين الحداثة والمعاصرة فكانت أعمالي محاولة للتوفيق وهي تجربة وطنية تعبر عن تجربة جيل كامل.

وبما يتعلق باللغة الفرنسية التي أحببتها وكانت دراستي لها وخاصة الشعر الفرنسي الذي كان خلال المرحلة الثانوية الحافز لي لكتابة الشعر ومن ثم كان تكويني الثقافي والعلمي من خلال تجربتي السياسية والثقافية واعتمادي على نفسي حيث عملت لفترة حتى استطعت أن أتابع دراستي الجامعية بالأدب العربي على يد أساتذة منهم قسطنطين زريق وشاكر مصطفى وشكري فيصل وشفيق جبري وأمجد طرابلسي وجميعهم مرتبطون بالحداثة والمعاصرة وهذا ما أثر بي طبعا بالإضافة إلى التحديات التي واجهتها في بداية حياتي وخاصة أني حكمت مرتين بالإعدام بسبب مواقفي السياسية في تلك المرحلة من الزمن.

وبعد سجني لمرات متعددة هربت في منتصف الخمسينيات إلى لبنان بمساعدة بعض الأشخاص وهناك قدمت لي منحه دراسية في الجامعة الأميركية بلبنان ومنها كانت الانطلاقة إلى الجامعات الأميركية في الولايات المتحدة حتى أكملت الدكتوراه بفلسفة الأدب ومن ثم حصلت على ماجستير في الأدب الانكليزي وعملت رئيسا لدائرة قسم الشرق الأوسط في جامعة بورتلاند بأمريكا.

واعتبر الدكتور العظمة أن الإبداع وظيفة حضارية لافتا إلى أن شعره يحمل هذه النكهة المعاصرة وتابع قائلا مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي عدت من أميركا إلى لبنان وعملت بثقافة المقاومة ووقفت ضد احتلال إسرائيل لبنان وخرجت من بيروت بعد الحصار مع الجنود بالسفن وعلى أثرها الغيت الدائرة التي عملت بها في جامعة بورتلاند الأميركية وبذلك انتهى عملي هناك بهذا الشكل لأدرس بجامعات عربية أخرى.

وخلال عمله في المغرب إبان الاحتفال بالذكرى الألفية لابن زيدون وبرعاية وزارة الثقافة هناك أرسل إلى اسبانيا وأقام في المدن التي عاش فيها الشاعر الكبير وكتب مسرحية شريف الأندلسي التي عرضت في الرباط بذكرى الألفية وتضمنت ربطا للتاريخ بالأسطورة وبحياة ابن زيدون وحبه لولادة بالإضافة إلى حياته المرتبطة بعصر المقاومة فوجد فيه العظمة تجربة مشابهة لما عاشه في الحب والدفاع عن الوطن فاتخذ من ابن زيدون قناعا للتعبير عن تجربتهما المشتركة.

وتابع العظمة في عام 1974 أصدرت رواية الشيخ ومغارة الدم التي تعبر عن أساطير جبل قاسيون في دمشق ولاسيما قابيل وهابيل وأهل الكهف وهي نضال من أجل الحداثة بين الفكر التقليدي والحديث وأعد اجزاء منها لتقدم في اذاعة دمشق كما ترجمت إلى الانكليزية معتبرا أن رأي الشعر والمسرح مرتبطان ارتباطا كليا بالحاضر الذي ينشاان فيه سعيا للانطلاق إلى المستقبل وهذا شبيه بتجربتنا اليوم.

ويكشف العظمة عن مؤلفاته التي تربو على 55 كتابا منشورا منها 15 مجموعة شعرية و 20 كتابا نقديا بحثيا و10ترجمات و10 مسرحيات وروايتان منها شريف الأندلسي التي عرضت لفترة من الزمن على مسرح الحمراء ومن المسرحيات الشعرية التي أخرجت بالإذاعة السورية ابن الأرض وجراح من فلسطين.

كما عمل العظمة كمستشار لوزارة الثقافة بمهرجان أبو العلاء المعري لمدة خمس سنوات وكان مشاركا بالإعداد لتكريم بدوي الجبل وعمر أبو ريشة ونزار قباني وشفيق جبري ومحمد الماغوط.

ومؤخرا أصدر له اتحاد الكتاب العرب طائر الرعد وكتابا نقديا بحثيا بعنوان عودة عشتار من العالم الأسفل وحول هذه النقطة قال: «عشتار عندي مستمرة ومتطورة عبر الزمن وترجم هذا الكتاب إلى الانكليزية كما صدر له عن دار علاء الدين كتاب بحثي في المقاومة والشهداء أدب المقاومة بين الأسطورة والتاريخ وقريبا سيكون هناك حفل لتوقيع الكتاب».

وحول الفوز بالجائزة التقديرية لوزارة الثقافة التي حصل عليها مؤخرا قال العظمة إنها ذات قيمة معنوية كبيرة تفوق قيمتها المادية لأنها تقدير لعملي في الشأن الثقافي طوال عقود وتقدير يدفعني للمزيد من التفاعل مع مختلف القضايا الفكرية معربا عن امتنانه لاهتمام وزارة الثقافة بإنتاجه الأدبي والإبداعي.

يشار إلى أن نذير العظمة من مواليد دمشق عام 1930 وهو من المؤسسيين لمجلات عدة منها مجلة شعر والأدب الحديث بالانكليزية لاتحاد الكتاب العرب وجريدة البناء كما نشر في الدوريات والصحف العربية وشارك بمهرجانات أدبية عديدة في العالم منها في إيران وتركيا والهند والاتحاد السوفييتي سابقا وألقى من خلال مشاركته محاضرات عدة حول البعد الحضاري والثقافي لسورية المعاصرة والقديمة.

كما يعتبر العظمة من أوائل الشعراء الذين كان لهم دور في تطوير القصيدة العربية الحديثة وابتكر القصيدة المدورة الموزونة المنطلقة بدون قافية كما عمل أستاذا في عدد من الجامعات السورية والعربية والأمريكية من أبرز مؤلفاته رواية الشيخ ومغارة الدم و المعراج والرمز الصوفي وديوان جرحوا حتى القمر.

وحصل العظمة على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة في فلسفة الأدب 1969 وعلى ماجستير في الأدب الإنكليزي من جامعة بورتلاند 1965 وهو مجاز باللغة والأدب من الجامعة السورية1950 وقضى أربعين عاما من التدريس و التعليم الجامعي في أميركا والمغرب والسعودية وهو عضو مجلس كلية الآداب وأستاذ زائر لجامعة هارفارد و جورج تاون ورئيس لجنة الملاك و الترقية في جامعة بورتلاند الرسمية بأميركا وسكرتير خازن لجمعية الاستشراق الأميركية من غرب أميركا و كندا ومدير لقسم المعلومات في مؤسسة أبي ذر الغفاري بلبنان وهو عضو بجمعية الاستشراق الأميركية ويعتبر من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب في سورية.
كوثر دحدل


سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق