زيّنوا المرجة والمرجة لينا.. وتبقى سورية بلاد الشمس

21 حزيران 2014

.

قدم إلى دمشق عام 1222 هجري كنج يوسف باشا والياً بفرمان عثماني على دمشق والشام ومكث والياً فيها لمده ثلاثة أعوام، وهذا الوالي هو أول من تنبه لأهمية ساحة المرجة، وأراد منافسة قصر الوالي أسعد باشا العظم، فأنشأ فيها قصراً سنة 1807م. في جهة الجنوب في حين كان جامع يلبغا المملوكي يقع إلى جهة الشمال.

ومع الأسف كان شأن قصر كنج يوسف باشا في ساحة المرجة الهدم شأنه شأن باقي الأبنية في الساحة التي طالتها يد الإنسان بالهدم والتخريب، كبناء البلدية وجامع يلبغا وبناء دار البريد والبرق ودار العدلية.. وكانت هذه الأبنية بمجموعها نواة مركز المدينة، الذي اتصل بأحياء أخرى بواسطة شوارع وطرق، من أهمها جادة السنجقدار من الشرق يوازيها مدخل سوق التبن «الذي هدم منذ فتره وجيزة» وسوق علي باشا، وإلى الجنوب شارع رامي وإلى الغرب جادة الشرابي وضفتا بردى ومن الشمال زقاق البحصة البرانية المؤدي إلى حي سوق ساروجا (كانت تقطنه الطبقة الرفيعة من العثمانيين وأطلق عليها اسم «اسطنبول الصغيرة» ولم يبق من الأبنية العريقة في هذه الساحة سوى بناء العابد الذي بني على أنقاض قصر كنج..

كان نهر بردى يقسم ساحة المرجة إلى قسمين، ولكن الوالي العثماني محمد راشد باشا قام في عام 1866 بتغطية النهر، وهكذا أصبحت المنطقة ميداناً فسيحاً سهلت فيه حركة القوافل والنقل، فتمركزت فيه بعض الفعاليات المؤقتة.

أطلق على ساحة المرجة عدة أسماء منها، اسم الميدان الكبير، وساحة الشهداء تيمنا بالشهداء الذين أعدمهم جمال باشا السفاح على أعمده المشانق في السادس من أيار عام 1916.

أبنية ساحة المرجة
قام الوالي العثماني حسين ناظم باشا سنة 1895 م ببناء دار البلدية (الذي هدم كما مر معنا، ومن هذه الدار أعلن استقلال سوريه في 8 آذار عام 1920).

وكان الوالي العثماني ناظم باشا قد انشأ بناءً ضخماً خلف بناء دار البلدية «لم يزل قائماً حتى الآن» هو دار الحكومة والسرايا عام 1900م الذي أصبح مقرا للولاة عوضا عن قصر كنج يوسف باشا، ثم صار مقراً للحكومة العربية الأولى زمن الأمير فيصل (1918 – 1920) ثم استمر مقراً للحكومة في عهد الانتداب الفرنسي.. إلى أن خصص لوزارة الداخلية والتي لم تزل تشغله حتى الآن.

لقد كان طراز بناء دار الحكومة مطابقاً لطراز دار البلدية، وهو الطراز الكلاسيكي المحدث، المنتشر آنذاك في فرنسا والمطور والمبسط عن الروماني القديم، وهو دليل على أن الفنيين الأجانب قد نقلوا إلى دمشق الطراز المعماري الذي كان سائداً في بلادهم، والمختلف تماماً عن الطراز الذي عرفته دمشق في بناء قصر العظم، وقصر السعادة، وقصر كنج. لقد امتد بناء هذا الطراز إلى بناء دائرة الشرطة وطبابة المركز المحاذية لدار البلدية. وبينهما كان كشك عثماني الطراز لبيع الطوابع المالية والتبغ وغيرها..

وفي عام 1900م فكر السلطان عبد الحميد بتأثير من الألمان بإنشاء خط حديدي يمتد من المدينة المنورة إلى دمشق الشام ويصل إلى اسطنبول ومنها إلى أوروبا واستقبل الوالي ناظم باشا في دمشق أمر السلطان بلهفة، فقام بالإشراف على بناء الخط من الأموال التي خصصت لذلك ومقدارها 283 ألف ليرة ذهبية، واستطاع الوالي أن يقتصد بالإنفاق إذ كلف الجنود بأعمال البناء فقام بتنفيذ منشآت مهمة مستعينا بالمهندسين والفنيين الألمان والنمساويين الذين قدموا لدمشق لتنفيذ المشروع، وحين تم إنشاء الخط الحديدي عام 1907 وتمت في العام نفسه تدشين خط الاتصالات البرقية بين دمشق والمدينة المنورة، وبهذه المناسبة تم إقامة النصب التذكاري في وسط ساحة المرجة، والذي لم يزل قائماً حتى الآن، وهو مصنوع من البرونز وفي أعلاه مجسم لجامع يلدز أشهر جوامع اسطنبول، وقام بتصميمه فنان إيطالي.

كان ذلك تأكيداً لأهمية هذه الساحة ومركزيتها. وهذا النصب مؤلف من عمود ضخم تعلوه قاعدة عليها مجسم جامع يلدز الخاص بالسلطان، وتلتف حول العمود أسلاك رمزاً للاتصال البرقي بين المدينة المنورة ودمشق دعماً لعمليات النقل بقطارات خط الحجاز.

ويبقى من أهم وأعرق الأبنية القائمة حتى الآن في ساحة المرجة هو بناء العابد الذي أنشأه أحمد عزت باشا العابد ثاني أمناء سر السلطان عبد الحميد الثاني وأشرف على تنفيذ البناء وتصميمه المهندس الإسباني (فرناندو دي أراندا) عام 1908 وانتهى من إنشائه عام 1910م. وبذلك تكرست هذه الساحة مركزاً جديداً للمدينة. وفيها تزاحمت وسائط النقل من عربات خيل ودواب.. ومن ثم في أيامنا هذه الباصات والسيارات والمحال التجارية..

حوادث مرت
قد تكون ساحة المرجة سجلاً يومياً لتاريخ دمشق، فقد شهدت المرجة أحداثاً سياسية مهمة وكوارث طبيعية، وسجلت تطور دمشق، ففي عام 1916 شهدت قيام جمال باشا السفاح بإعدام رجالات سورية ولبنان في 6 أيار من عام 1916، وقد أطلق على المرجة في ما بعد اسم «ساحة الشهداء» تخليداً لذكرى هؤلاء الشهداء، كما كانت المرجة شاهداً على بطولات رجالات سوريه أثناء الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش، فقد كان المستعمر الفرنسي يجمع جثث الشهداء ويلقي بها في ساحة المرجة بغية نشر الرعب في نفوس المواطنين.

وفي العصر الحديث شهدت المرجة إعدام الجاسوس الإسرائيلي ايلي كوهين.

ومن الكوارث الطبيعية التي شهدتها الساحة طوفان نهر بردى المتكرر الذي كان يسمى (الزورة أو الفيضان)، إثر الأمطار الغزيرة التي كانت تعم دمشق.

وكون المرجة تشكل قلب دمشق، ظلت لعقود طويلة في القرن الماضي المكان الرئيسي لانطلاق وسائل النقل بدءاً بالدواب ( الجمال والأحصنه ) إلى حافلات النقل الجماعي.
فكانت المرجة مركزاً لانطلاق عربات الخيل (الحنتور)، والتي كانت تقف حول الحديقة الصغيرة التي تحيط بالعمود التذكاري. ثم أضحت مركزا للحافلات الكهربائية (الترامواي) والأوطومبيل ( السيارة)...

الإرهاب
تعرضت ساحة المرجة للإرهاب خلال السنوات الماضية فقد فجر إرهابيون سيارات مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات في منطقة المرجة ما أدى إلى استشهاد 14 مواطناً وجرح عشرات آخرين وإلحاق أضرار ببرج دمشق التجاري وجامع فضل الله البصيري وفندق عمر الخيام ودائرة الآثار التابعة لريف دمشق، كما تعرضت الساحة لعشرات قذائف الهاون ما أدى إلى استشهاد العشرات من المواطنين الأبرياء وجرح المئات.

ساحة المرجة لها المكانة المميزة في قلوب كل السوريين، وترتبط بتاريخ سوريه، ولها قصص وحكايات قد تبدأ ولا تنتهي.. ساحة المرجة رمز دمشق الخالدة وأحجارها تنبض بتاريخ شعب أبي أحب الحياة، وأحب دمشق، وتروي ساحة المرجة على مر الأيام والسنين أسطورة خالدة في حب الله والوطن.. وتبقى سورية بلاد الشمس في وجه أطماعهم وإجرامهم عالية الجبين شامخة تعانق الأفق الرحب محبة وحضارة وقوة...

وزينوا المرجة والمرجة لينا... شامنا فرجه.. وهي مزينة.. جدايل جدايل.. أصايل أصايل.. وبلادك جناين..


شمس الدين العجلاني

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق