«دمشق» جنة الله على الأرض ومهد الحضارة

16 حزيران 2014

.

دمشق بوابة التاريخ وأقدم عاصمة مأهولة في العالم على أسوارها تحطمت جيوش الغزاة ومن أرضها انطلقت الأبجدية الأولى وهي العشق الأول لكل عربي يتنفس العروبة ويؤمن بها وها هي اليوم تكتب بصمودها وصمود شعبها ودماء شهدائها ملحمة العزة والفخار لتؤكد أنها كانت وستبقى الشمس التي تسطع على الكون بأجمعه.

لم يزرها شاعر أو أديب إلا وسحرته طبيعتها وتغنى بها وهنا جادت قرائح الشعراء وتغنوا بهذه المدينة الرائعة بقصائد تليق بعظمتها لنجد منذ القدم أسماء لشعراء كبار أجادوا في وصف دمشق فالشاعر المخضرم حسان بن ثابت تغنى بهذه المدينة وبأصحابه الذين عرفهم فيها قبل ظهور الإسلام فقال:

لله در عصابة نادمتهم يوماً .. بجلق في الزمان الأول

يمشون في الحلل المضاعف نسجها .. مشي الجمال إلى الجمال البزل

وفي العصور اللاحقة كانت دمشق حاضرة في قصائد كبار الشعراء ولم لا وهي مصدر إلهامهم والمدينة التي ركنوا إليها لوداعتها وجمالها فالشاعر العباسي البحتري استرسل في وصف محاسنها فقال:

حبذا العيش في دمشق إذا ليلها برد حيث يستقبل الزمان ويستحسن البلد

إعجاب البحتري بجمال دمشق جعله يتغنى فيها بقصيدة ثانية تعود من عيون الشعر العربي قائلا:

أما دمشق فقد أبدت محاسنها ... وقَد وفى لك مطريها بما وعدا

إذا أردت ملأت العين من بلد .. مستحسن وزمان يشبه البلدا

أم قرينه الشاعر أبو تمام فأسهب في وصف دمشق قائلا:

لولا حدائقها وأني لا أرى .. عرشاً هناك ظننتها بلقيسا‏

وأرى الزمان غدا عليك بوجهه .. جذلان بساماً وكان عبوسا‏

قد بوركت تلك البطون وقد سمت .. تلك الظهور وقدست تقديسا‏

وعندما زارها قادما من بلاط سيف الدولة الشاعر الصنوبري سحرته

دمشق وهنأ ساكنيها على مدينتهم وسار على قريحته شعر من أبدع ما

قيل في وصف المدن قائلا:

صفت دنيا دمشق لساكنيها .. فلست ترى بغير دمشق دنيا

تفيض جداول البلور فيها .. خلال حدائق ينبتن وشيا

ومن الأندلس جاءها الشاعر لسان الدين بن الخطيب فبهره حسنها ورآها قطعة من الجنة وقال في وصف دمشق:

بلد تحف به الرياض كأنه ..وجه جميل والرياض عذاره

وكأنما واديه معصم غادة .. ومن الجسور المحكمات سواره

أما الشاعر والمؤرخ المقري التلمساني فلم يستطع أن يكتفي بنظرة الباحث وهو يتحدث عن دمشق بل إن عشقه لها جعله يتجاوز كل الحدود وهو المؤلف الرصين فقال:

محاسن الشام أجلى من أن تسام بحد

لولا حمى الشرع قلنا ولم نقف عند حد

وفي العصر الحديث لم تترك دمشق شاعرا له وزنه إلا وأخذت بلبه وألهمته قصائد غاية في الرقة والعاطفة ومن أمير الشعراء أحمد شوقي نبدأ الذي كان يصطاف فيها سنويا ويحل ضيفا على مجالسها:

آمنت بالله واستثنيت جنته .. دمشق روح وجنات وريحان

قال الرفاق وقد هبت خمائلها .. الأرض دار لها الفيحاء بستان

ودمشق كما رآها شوقي هي من قدمت الحضارة لتزهو في العالم بأسره عربه وغربه كما قال في نفس القصيدة:

لولا دمشق لما كانت طليطلة .. ولا زهت ببني العباس بغدان

بني أمية للأنباء ما فتحوا .. وللأحاديث ما سادوا وما دانوا

كانوا ملوكا سرير الشرق تحتهم ..فهل سألت سرير الغرب ما كانوا

وكما رآها أمير الشعراء جنة الله على الأرض شاركه في الرأي بشارة الخوري "الأخطل الصغير" في دمشق مؤكدا أن قلبه تعلق فيها فقال:

بردى هل الخلد الذي وعـدوا به .. إلاك بين شوادن وشوادي

قالوا تحب الشآم قلت جوانحي .. مقصوصة فيها وقلت فؤادي

أما خليل مردم بك الشاعر السوري مؤلف النشيد الأغلى حماة الديار لم يكن ليستنكف عن وصف مدينته ومقدار حبه لها فكتب قصيدة غاية في الإبداع لما تضمنت من عبارات رقيقة دقيقة المعنى فقال:

كم من أزاهير الرياض لناظر .. من مقلة وسنا وخد ناضر

ماست أماليد الغصون بوشيها .. معطارة وازينت بجواهر

والفيحاء عند الشعراء قلب العروبة ورمزها وهذا المعنى لم يغب عن بال الشاعر اللبناني خليل مطران "شاعر القطرين" عندما قال فيها:

نفديك بالأرواح والأجساد .. إن كان قول فاديا لبلاد

يا حسن حاضرة العروبة إنها .. في كل معنى نجعة المرتاد

ومن المغترب حملت دمشق مشاعر الشوق من شعراء اكتووا بنار الغربة وعبروا في قصائدهم عن حب الأوطان وفي طليعتهم الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي الذي:

حي الشآم مهنداً وكتاباً .. والغوطة الخضراء والمحرابا

ليست قباباً ما رأيت وإنما .. عزم تمرد فاستطال قبابا

ويفرد الشاعر العراقي أحمد صافي النجفي قصائد طوال في الفيحاء التي اختار سكناها على سواها من المدن فقال:

أتيت جلق مجتازاً على عجل .. فأعجبتني حتى اخترتها وطنا

لايبرح الحسن يوماً عن مرابعها..كأنما الحسن من قدم بها افتتنا

أما شاعر الشباب الشاعر المصري أحمد رامي فأبدع في وصفها أيما إبداع وكيف لا ودمشق روضة غاية في الجمال ورامي خير من يكتب شعرا في الجمال وأهله:

يا روضة في ربوع الشام يانعة ..ترنم الطير فيها وهو نشوان

وللغير على ترجيعه نغم .. من الخرير له ضرب وأوزان

ولسيد البلاغة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري قصائد من أجمل ما كتب في الفيحاء وعظمتها ولا ننسى قصيدته الفخمة "جبهة المجد" التي قال في:

إذ مسكة الربوات الخضر توسعنا .. بما تفتق من أنسامها عبقا

إذ تسقط الهامة الإصباح يرقصنا .. وقاسيون.. علينا ينشر الشفقا

ولشعراء التفعيلة والشعر الحر وقفات طوال عند الفيحاء مقتدين طريق من سبقوهم إلى دمشق فها هو الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي كتب لها قصائد ساحرة منها:

من الأزرق ابتدأ البحر‏.. هذا النهار يعود من الأبيض السابق‏ْ

..الآن جئت من الأحمر اللاحق..‏ اغتسلي يا دمشق بلوني .. ليولد في الزمن العربي نهار.

ولا ننسى قصائد الشاعر اللبناني سعيد عقيل الذي كتب لدمشق قصائد مغناة ترنمت بها الفنانة الكبيرة فيروز ومن إحداها نقتطف هذه الأبي:

يا شام عاد الصيف متئدا وعاد بي الجناح

صرخ الحنين إليك بي أقلع ونادتني الرياح

وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح

يا شام يا بوابة التاريخ تحرسك الرماح

ونختتم عند الشاعر الذي ذاب في حب دمشق وذابت فيها وكان بحق ابنها البار ليكون نزار قباني بحق شاعر دمشق ولعل من أروع ما كتب في دمشق هذه الأبي..

يا شام يا شامة الدنيا ووردتها .. يا من بحسنك أوجعت

الأزاميلا وددت لو زرعوني فيك مئذنة .. أو علقوني على الأبواب

قنديلا يا بلدة السبعة الأنهار .. يا بلدي .. و يا قميصاً بزهر الخوخ مشغولا.


وسام الشغري وهناء صقور

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق