«من أجل نعم من أجل لا» ... مسرحية في دار الأوبرا

26 أيار 2014

.

نسخة مطورة من عرض «من أجل نعم من أجل لا» قدمها المخرج مجد فضة على مسرح القاعة متعددة الاستعمالات بـدار الأوبرا السورية فبعد تقديم العرض ضمن الأيام الثقافية للمعهد العالي للفنون المسرحية في آذار الماضي عن نص للكاتبة الفرنسية «ناتالي ساروت» قدم الفنان مجد فضة أداء لافتا له إلى جانب كامل نجمة ولمى الحكيم وبجهد فني جماعي وتعاون مع الدراما تورج وسيم الشرقي ليكون الجمهور أمام نسخة جديدة للعرض الذي يتناول فكرة «الأنا .. الآخر» عبر علاقة صداقة بين كل من «عبود» و«سلام» شخصيتي المسرحية.

وكانت اللغة في العرض كما يوضحها وسيلة عاجزة من وسائل التواصل مع الآخر لتصير لغة مشوشة غير مفهومة شكلت حاجزا بين الشخصيات وبين حقيقة ما يريدون قوله فالجدل الصريح والمفتوح بين الصديقين القديمين والمعاتبات العديدة تنتقل من الهدوء لتتحول الكلمة في كثير من الأحيان إلى قطرة سم تتفشى بينهما بل تتحول إلى مجابهة مفتوحة بين الصديقين مفعمة بالتشكيك ومحاولة كل منهما مقاربة نفسية الآخر من خلال تشريح لغته فمثلا كلمة «والله.. برافو» التي قالها الصديق الزائر لمضيفه بلكنة تقترب من الفوقية في زمن ماض كانت قادرة على إشعال نيران لا تنطفىء.

وتسعى المسرحية إلى إنجاز نوع خاص من مسرح الكلام أو مسرح الحكي بعيداً عن أكروبات الحركة والحضور الجسدي للممثل فما يزيد حدة التوتر في المواقف هو أن الحوار بين الصديقين كان أقرب إلى المونولوج الداخلي لكل منهما فضلا عن كونه مبتوراً وغامضاً وكأنه دليل عجز وفشل في التواصل الإنساني أو كما وصف المسرحي البلغاري يونسكو اللغة على الخشبة بأنها كراسي في عرض الطريق حيث تبدو هذه اللغة مشلولة وعاجزة عن كشف لواعج الشخصية وغير قادرة إلا على تأجيج نار الصراع وخلق حالة من سوء الفهم لتصير البديهيات فخا قاتلا من حيث إعادة إخضاعها من قبل العقل للتفسير والتمحيص في دقة الأقوال وقوتها من عدمه.

كما ساهمت اللغة في عرض «من أجل نعم من أجل لا» في تكرار الموقف الواحد لمرات عدة ما أدى إلى تراكم مشاعر وأحاسيس غامضة عند الشخصيات أعطى مدلولات عن الخوف وعدم الطمأنينة والقلق الدائم لكل صديق تجاه الآخر فضلاً عن عدم ثقة الشخصيات ببعضها وغياب إمكانية إيجاد حل لتلك المشاكل المثارة ولا سيما في ظل قدرة تلك اللغة على خلق حيرة مستمرة وقلق متواصل وخوف متجدد ورغم محاولة تحكيم جارة الصديق المضيف الشخصية التي أدتها الفنانة لمى الحكيم إلا أنها اصطفت إلى جانب الجمهور واستطاعت أن تكون شاهداً آخر على عبثية تلك المجابهة وأعلنت بأنها غير قادرة أيضاً على الوصول إلى حل لتلك المعضلة.

الحدوتة البسيطة في ظاهرها والعميقة في بنيتها الاجتماعية والنفسية والثقافية والتي حققها كل من الممثلين /فضة/ و/نجمة/ و/الحكيم/ استطاعت رفع تلك اللغة التقليدية المحملة عبر الحوار بينهم من كونها وسيلة تواصل غير مجدية إلى محرك أساس للصراع وبالتالي تمكنوا من مفصلة سلوكياتهم وضبط انفعالاتهم بحيث توازي التوتر الداخلي لنص /ساروت/ ليكون نابضاً بالحياة وخاصة بعد استخدام العامية كخيار صحيح لملامسة الواقع بطريقة مناسبة وذلك من خلال مقاربة محلية للشخصيات وتكثيفها في الزمان الآني.

العرض أوضح أن ما شاهدناه من مشاحنات بين الصديق السعيد في حياته الاجتماعية والاقتصادية والآخر الفنان الحساس كان على السكة الصحيحة زماناً ومكاناً من خلال تحقق ذلك عبر رؤية دراماتورجية موفقة لوسيم الشرقي ما عزز طزاجة العرض وقدرته على إدهاش الجمهور رغم ما تفرضه اللغة من غموض وحيرة فالصديق المتضايق من فوقية الآخر وتعاليه وسعادته في بعض الأحيان كان يلف سجائر /التبغ العربي/ ويحضرها لوليمة من الأحاديث والذكريات أما الآخر فهدووءه واتزانه مبنيان على رغبة في الفهم وإعادة التواصل القديم لكن عدم الجدوى كانت المنتصرة الأولى والأخيرة.

كما أن اللغة الملغزة وحمالة الأوجه التي تغلغلت في الحوار أكدت عزلة الصديقين كل في البرج الذي أراده فالأول في برج اللامبالاة وعدم الاكتراث بجمع الثروة والاستقلال عن الرائج والسائد والثاني في برج الاستقرار المادي مع زوجة وأطفال قادرين على جلب السعادة لنكون أمام ثنائية الواقع والخيال وما بينهما من عبث لا ينتهي تابعه الجمهور باهتمام بالغ.


اكتشف سورية

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق