معلولا.. في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق

25 شباط 2014

حكايات تجسد ذاكرة الصخر والإنسان

معلولا، هذه المدينة العريقة بتاريخها والتي تستمد خصوصيتها وشهرتها من موقعها ومظهرها، حيث الكنائس والأديرة التاريخية الموجودة فيها، واللهجة الآرامية التي يتحدثها أهلها إنها لغة السيد المسيح، إن اللهجة الآرامية المتداولة في معلولا حالياً تعود إلى أصول لغوية تطورت إليها اللغة الآرامية منذ القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي. ومن المعروف أن اللغة الآرامية مرت بعدة مراحل كانت أقدمها الآرامية القديمة التي استمرت من القرن الحادي عشر قبل الميلاد حتى منتصف الألف الأول الميلادي.

معلولا وتاريخها، هذا المكان الذي يتعرض لهجمات ممنهجة اليوم من قبل أعداء الحضارة والإنسانية، كان حاضراً في دار الأسد للثقافة والفنون – «أوبرا دمشق» من خلال فعالية متنوعة ضخمة وعلى مدى ثلاثة أيام 16- 17- 18، عبر فيها أهالي هذه المنطقة التمسك بأرضهم وتاريخهم وصخورهم وبيوتهم.

حكايات بالصور

بداية الفعالية كانت مع معرض للتصوير الضوئي تحت عنوان «معلولا ذاكرة الصخر والإنسان» للفنان فرج شماس، وتضمن المعرض لوحات تجسد الأماكن الأثرية في منطقة معلولا وأزقتها وأهلها.

وفي لقاء مع اكتشف سورية قال الفنان فرج شماس: «هذا المعرض خصصته لمنطقة معلولا الجريحة بعد الأحداث التي تعصف ببلدنا ولم تسلم معلولا منها، هذه المنطقة التي تصل مساحتها إلى 185 ألف كم، والآن كبرت في نظرنا بعد الأحداث التي تعرضت إليها».

وأضاف شماس: «معلولا هذه الذاكرة الإنسانية المديدة، الموجودة قبل ما يقارب ستين ألف سنة، ولا زال يتحدث أهلها لغة المسيح، إنها رمز كبير للعالم، فهي من قدمت أول شهيدة مسيحية، وخرج مجمعها القديم أساقفة وكهنة، وأردنا نذكّر العالم من خلال هذه الصور التي تجسد جانب مهم من تاريخنا».

فرج شماس، مصور ضوئي فني «فوتوغرافي» مارس هواية التصوير الضوئي منذ عام 1980، حاصل على شهادة التصوير الضوئي من معهد وليد عزت التابع لوزارة الثقافة عام 1985، شارك في جميع معارض التصوير الضوئي في سورية منذ عام 1991، وهو عضو الإتحاد الدولي لفن التصوير «فياب»، وعضو نادي فن التصوير الضوئي في سورية، وحصل على الجائزة الأولى في مسابقة التصوير الضوئي ضمن فعاليات مهرجان دمشق الحادي عشر للثقافة والتراث 2004، له عدة معارض مشتركة وفردية في سورية وفي عدد من دول العالم.

معلولا أمس واليوم وعرض على الشاشة الفضية في مسرح الدراما فيلم قصير للإعلامي القدير حسان موازيني، قدم من خلاله رؤيته بتفاصيل دقيقة عن هذه المنطقة الأثرية وما تحوم حولها اليوم من شر ابتلى بها سورية عبر أكبر حرب في تاريخ البشرية.

يقول لنا موازيني عن فكرة فيلمه: «معلولا رمز للبشرية وتقتصر الكثير من المسافات، ينتمي ناسها إلى الأصل، كنا نشاهد في معلولا حيث يأتيها الناس من جميع أنحاء العالم ليشهدوا هذا الصرح الإنساني الكبير، هو رمز صوفي وثقافي واجتماعي، صحيح هناك أمكنة تديرها الكنيسة ولكنها تستضيف جميع العالم ومن كل الأديان وتقدم لهم المسكن والمأكل، عندما تذهب إلى معلولا تنسى أنك إنسان من دين معين، لا يبق لديك إلا الروحانية التي تغزو جميع خلايا جسمك، منذ صغري كانت معلولا رمز لي وبقيت كذلك إلى اليوم، وكم تألمت عندما أحسست بأن بعض الهمجيين يريدون تشويه هذه الصورة الجميلة، هذا الشيء الذي اعتبره أكثر من حقيقي، يعني هناك صبغة في هذه البلدة فوق تفكيرنا».

وأضاف: «عندما سمعت بهذه التظاهرة وأن الأستاذ فرج الشماس سيقوم بمعرض تحت اسم "ذاكرة الصخر والانسان"، فقلت هذه هي الفرصة، وعرضت عليه كي أقدم على هامش المعرض فيلم وثائقي قصير يظهر هذه المدينة ويظهر بعض القيم بكل تفاصيلها الصغيرة، مثلاً نرى في الفلم الكائنات التي تعيش فيها باطمئنان حتى الطيور، نرى أزهار الملونة وأزهار البيضاء رمز السلام».

وأنهى موازيني حديثه قائلاً: «بعد أن عرضنا معلولا كما هي، كما يجب أن تكون، نعرض صور بعض ما أصابها من الدمار، واكتب على الصورة "هكذا تريدها الغزاة"، الفلم قصير مدته حوالي خمس دقائق ولكن أعتقد يختصر الكثير من المعاني».

أغاني آرامية

كما أحيت فرقة أساتذة معهد صلحي الوادي للموسيقا بقيادة عدنان فتح الله، الفرقة التي أنشأت لهذه الغاية، قدمت من خلالها مجموعة من الأغاني تنتمي إلى التراث السوري منها موسيقا أغاني باللغة آرامية، تراثيات من مقام الحجاز، وصلة «الزلف» السورية، وصلة من الأغاني التراثية لـلموسيقار الراحل «رفيق شكري»، إضافة إلى وصلة من الأغاني الفلكلورية السورية المغناة باللهجة العامية لكل منطقة. وقام بتوزيع الموسيقي للأعمال كل من الموسيقيين «عدنان فتح الله، جوان قره جولي، نزيه أسعد، كمال سكيكر، محمد فتيان».

وفي تصريح له قال لنا الموسيقي عدنان فتح الله عن هذا الحفل: «قدمنا اليوم في هذه الأمسية مقطوعات موسيقية آرامية في بداية الأمسية ونهايتها، كما قدمنا العديد من المقطوعات التراثية ومنها الزلف وهي نوع من أنواع الزجل حيث قدمناها بالأنماط السورية التي تشمل كافة المحافظات السورية، وقدمنا أغاني باللهجة الشعبية لكل منطقة إضافةً لبانوراما من كل الثقافات الموجودة في سورية».

وأنهى حديثه قائلاً: «الهدف من هذه الأمسية هو عرض هذه الأعمال التراثية بهذه الطريقة الأوركسترالية، فالتراث السوري تراث منوع وسورية فيها تنوع حضاري وثقافي وحاولنا من خلال هذه الأمسية عرض كل هذا التراث بشكل مختصر في ساعة من الوقت».

معلولا قدسية الأرض واللسان

وفي اليوم التالي قدم الأستاذ الياس نصرالله محاضرة تحت عنوان «معلولا حكاية الإنسان وقدسية الأرض واللسان»، في القاعة متعددة الاستعمالات، نقتطف منها: «أثبتت الدراسات التي قامت في الجروف الصخرية الممتدة على طرفي وادي مجر يبرود، وعلى سفوح الجبال الممتدة من جب عدين إلى معلولا فيبرود، أن الإنسان، بما خلفه من آثار عديدة ليس أقلها تلك الكهوف والملاجئ والأدوات التي استخدمها، وبقايا عظام الحيوانات التي كان يصطادها، قد سكن هذه المنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ، ولما كانت هذه المنطقة غنية بالماء والحيوان والنبات، كما دلّت التقنيات الأثرية فيها، فقد سكنتها مجموعة بشرية عديدة على فترات متتالية، خلال العصور الحجرية المختلفة بدءاً من إنسان نياندرتال، الذي عاش خلال الفترة من 200 – 400 ألف سنة قبل الميلاد، وحتى الإنسان العاقل الأكثر تطوراً الذي عاش خلال الفترة مابين 7- 10 آلاف سنة قبل الميلاد».

وبهذا الأسلوب السردي لتاريخ معلولا وما حولها تابع نصرالله محاضرته، لينهي بذكر بعض أسماء مروا على تاريخ هذه المنطقة، مثل «فلابيانوس، افتيخيس، بالاذيوس، الياس عبدالله الخوري، جورج حبيب شلهوب، فؤاد دياب الشايب» وآخرون.

ألياس نصرالله كاتب وباحث ومؤلف لسلسلة من الكتب التراثية المعلولية، والتي يؤرخ فيها لبلدته «معلولا» ولتراثها العريق، صدر من هذه السلسلة خمسة أجزاء بين عامي 2002 و 2007، وهي «معلولا حكاية الانسان وقدسية الأرض واللسان، أوابد المعلوليين ومآثرهم، مشاهير معلولا ورجالاتها، معلولا- أعلام وذكريات، الآراميون ولغتهم الآرامية في معلولا»، وله كتاب آخر يستعرض فيه سيرة وفكر الدكتور جميل صليبا.

اللغة الآرامية العريقة

وانتهت الفعالية بمحاضرة أخرى تحت عنوان «المدخل إلى اللغة الآرامية بلهجة معلولا المحلية» في القاعة متعددة الاستعمالات في دار الأسد للثقافة والفنون- أوبرا دمشق ألقاها الأستاذ جورج رزق الله، تحت عنوان «معلولا..ذاكرة الصخر والإنسان»، تحدث فيها عن جوانب ومفردات متعددة لهذه اللغة العريقة التي يتعامل بها أهل معلولا السورية إلى يومنا هذا. حيث قال: «ولما كانت اللغة الآرامية هي اللغة التي جادث هذا الشرق بعد أن تغلبت على جميع اللغات التي سبقتها أو عاصرها مثل الآكادية والفارسية والفينيقية..، بسبب سهولة أبجديتها وعدم تعقيد نحوها وصرفها وقدرتها على استيعاب جميع مستجدات العصر آنذاك، فقد تبنتها أو أخذت عنها كثير من الشعوب، وبسبب انتشارها الواسع فقد تعرضت لتطورات كثيرة وتفرعات عديدة، فالإمبراطورية الفارسية ومنذ أيام داريوس الأول 520- 485 ق.م، تبنت اللغة الآرامية كلغة رسمية، واعتمدت أبجديتها في المراسلات والعلاقات السياسية والتجارية بسبب مستوى الرفيع الذي بلغته من النضج والقوة وبلاغة التعبير».

وتحدث رزق الله في السياق مطولاً متطرقاً إلى جوانب مختلفة من تطور هذه اللغة العريقة وتداولها عند العديد من الحضارات.

يشار أن جورج رزق الله هو أستاذ اللغة الانكليزية في جامعة دمشق، وهو من عمل على تأليف الكتاب الخاص بمعهد تعليم اللغة الآرامية في معلولا.






إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

لقطات من فعالية معلولا في دار الأسد للثقافة والفنون

لقطات من فعالية معلولا في دار الأسد للثقافة والفنون

لقطات من فعالية معلولا في دار الأسد للثقافة والفنون

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق