ملتقى البزق الثالث على مسرح القباني بدمشق

17 شباط 2014

مقطوعات موسيقية على آلات من صلب تراثنا العريق

كان موعد الجمهور الدمشقي وعلى مدى ثلاثة أيام 9- 10- 11 شباط 2014 مع اللحن الجميل، والجملة الموسيقية التي تنتمي إلى تراثنا السوري العريق بآلات موسيقية تدق باب تاريخنا البعيد (الطمبورة، البزق، الباغلمة)، وذلك من خلال ملتقى البزق الثالث الذي أقيمت فعالياته هذا العام على مسرح أبو خليل القباني لتكون في حضرة هذا الرجل (القباني) الذي قدّم للموسيقا السورية والعربية، بل العالمية الكثير في زمن يخاف المرء الاقتراب من الفن والموسيقا.

الطنبورة، البزق، الباغلمة، لهذه الآلات حكايات وحكايات، على أنغامها خلدت أساطير وملاحم، وعلى أنغامها رقص العشاق، وبها حافظت العديد من الشعوب على لغتها، لهذه العائلة الموسيقية باع طويل في الموسيقا السورية وخاصة في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية. وجاء الملتقى كمحاولة لإحياء آلة تكاد أن تندثر كما يقدم متعة جديدة وعازفين جدد ليدرك الجمهور الموسيقي السوري بأننا نملك العديد من العازفين على الطنبورة بأشكالها، ليس هذا فحسب بل يبدعون في عزفهم عليها.

أسماء من مختلف المناطق
وهكذا جاء العازفون من مختلف المناطق السورية وخاصة من القامشلي وعفرين ليشاركوا هذه الفعالية التي أقيمت برعاية وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقا، حيث أحيا يوم الأول من الملتقى كل من سامر إيبو(البزق)، أحمد عبدو (الطنمبورة)، عبد الحميد علو (الباغلمة)، وانتهت الأمسية الأولى مع شكري سوباري (بزق)، جوان قره جولي (عود)، محمود العفيف (الإيقاع).

وفي اليوم التالي كان الموعد مع رأفت أبو حمدان (بزق)، فنر عبدالله (باغلمة)، آلان مراد (بزق)، خليل مراد (طنبورة)، لتنتهي الأمسية الثانية بحوارية أخرى بين البزق والباغلمة والعود بمشاركة أسامة نصار (بزق)، علي عسالي (باغلمة)، أنس مراد (عود)، محمود العفيف (إيقاع).

وختام الملتقى وفي يومه الثالث عزف كل من عدنان حسن (بزق)، شكري سوباري (بزق كهربائي)، صبري حوتو (طمبورة)، عبد الحميد عثمان (بزق)، وانتهت الفعالية مع أمسية مزجت فيها الموسيقا الشعبية مع الأكاديمية بتوزيع موسيقي جميل تم توزيعها من قبل الموسيقي نزيه أسعد الذي شارك كعازف آلة العود إلى جانب علي رمضان (بزق)، عبدالجواد حريثاني (تشيللو)، محمود العفيف (إيقاع).

هذا وقد كرّم الملتقى في هذه الدورة الموسيقي المعروف سعيد يوسف الذي شارك في الملتقى الأول والثاني وذلك لبراعته على العزف وخدمته طيلة أربعين عاماً الموسيقا السورية.

آلات موسيقية عريقة
وفي تعريف للآلات المشاركة ونبدأ من الطمبورة وهي آلة وترية قديمة، تمتاز بعنق طويل (الزند)، وصندوق بيضوي الشكل مغلق مع فتحة من الجانب الأيمن يشد عليه وترين مزدوجين أو ثلاثة حسب رغبة العازف، تتركز على الزند مجموعة من الدساتين التي تحدد العلامات الموسيقية - يختلف عددها من عازف إلى آخر، ويعتبر محمد عارف الجزراوي من أشهر عازفي هذه الآلة في بداية القرن العشرين، ويعود عمر هذه الآلة إلى آلاف السنين.

أما البزق، آلة وترية من عائلة الطنبورة وتختلف عنها باعتبار الصدر أصغر حجماً وله فتحة على الصدر، وتمتاز بصوت أكثر حدة ونعومة في آن، يتألف من وترين مزدوجين «صول ودو»، ويستخدم عند العديد من الشعوب وخاصة الشرقية منها، ويعتبر أمير البزق الراحل محمد عبد الكريم من أبرز عازفي هذه الآلة في بداية الستينيات، ومن بعده أمير البزق سعيد يوسف الذي أوصى عبد الكريم أن ينتقل آلته إليه من بعده. والباغلمة هي من عائلة الطنبورة والبزق وتختلف عنهما من حيث المقاييس، فالصدر أكبر والزند أقصر ودوزانه مختلف «صول، فا، دو»، أشهر عازفيها على الإطلاق الموسيقي عارف ساغ.

اكتشف سورية مع المشاركين
حضر اكتشف سورية فعاليات ملتقى آلة البزق الثالث والتقى بعض الحضور والمشاركين، والبداية كان مع الشاعر مزاحم الكبع الذي حضر أيام الملتقى الثلاثة، فقال: «سورية تمتاز بميزة لا توجد مثيلها بالعالم ألا وهو التنوع الجغرافي، لدينا الغابات والبحر والأنهار والصحراء هذا التنوع أدى إلى التنوع الحضاري والتاريخي والثقافي، والموسيقا هي جانب مهم من الثقافة».

تابع الكبع قائلاً: «آلة البزق قد يقول البعض هي آلة تراثية وتاريخية، أنا لا اتفق كثيراً مع هذه التسمية فهي مازالت موجودة، تدخل من الكثير من الألحان والأغاني السورية، وعندما تسمع كلمة البزق يذهب مخيلتك مباشرة إلى الجزيرة السورية ومنطقة القامشلي بالتحديد ولكن عندما تجد برنامج هذا الملتقى هناك أسماء من ريف دمشق والسويداء وحلب وهذا ليس إلا دليلاً على أن هذه الآلة لا تنحصر في زاوية أو ركن من الجغرافية السورية».

ومن جانبه يقول الموسيقي نزيه أسعد: «أهمية هذا الملتقى تكمن في إظهار الآلات الموسيقية الشرقية، وهذا جانب مهم جداً للحركة الثقافية في البلد، ويندرج ضمن مهامنا كموسيقيين حيث نسعى باستمرار عن طريق مؤسسات الثقافية سواء في المعهد العالي أو في نقابة الفنانين حتى في أي مؤسسة أخرى تعنى بمسألة الموسيقا إظهار الآلات الشرقية الهامة التي تشكل عماد موسيقانا التي نعتز بها ونعتبرها كجزء من هويتنا الوطنية».

أضاف قائلاً: «ملتقى البزق عني بآلة من الآلات الهامة، قد تكون مهضوم حقها بين الآلات الموسيقية الأخرى من الآلات الموسيقية التي تكوّن التخت الشرقي، هذا الملتقى كونه للمرة الثالثة كان شكلاً من الظهور لهذه الآلة لناس، نتمنى أن يكون هناك استمرارية لظهورها بالإضافة إلى الآلات الأخرى التي تنتمي لذات العائلة».

أنهى أسعد حديثه قائلاً: «رسالتنا كموسيقيين ومن خلال الموسيقا التي تنعش الروح وتهذب النفس أن نهذب النفوس وننظفها من الداخل ولا نعتمد فقط على التوجيهات، فهناك أشياء روحية كالشعر والفن والثقافة، يمكن لها أن تؤثر أيضاً، والرسالة عبر ما ذكرت هي رسالة من إنسان لأخيه الانسان، وأستطيع القول من خلال هذه الرسالة بأنه عار على العالم أن تجرح سورية كما نراها اليوم لأنها بلد الحضارة والثقافة العريقة، بلد الأبجدية الأولى وأول نوطة موسيقية وبلد الآلات الموسيقية».

نعزف من أجل سورية
أما الموسيقي رأفت ابو حمدان يقول: «وجود هذه الآلة في الأغنية واللحن تعطي حيوية أكثر، وما يهمنا أن تبقى هذه الآلة في موسيقانا من خلال الاهتمام بها أكثر».

وأنهى أبو حمدان حديثه قائلاً: «نعزف لتبقى سورية بخير، كي نهدئ نفوس الناس وهذه من صلب رسالتنا كموسيقيين، أن نعمل شي للبلد وفي النهاية الموسيقا هي غذاء الروح، أتمنى أن يرجع بلدنا إلى أمانها وإلى سابق عهدها بل وأجمل».

عازف البزق الشاب آلان مراد يقول: «تعلقت بآلة البزق من خلال عمي جوان مراد الذي يجيد العزف بمهارة على هذه الآلة، وتعلمت منه في البداية بعض المعزوفات الكردية ومن ثم دخلت معهد صلحي الوادي ودرست الصولفيج على يد الأستاذة رندة الفاخوري، وفي ذات الوقت كنت أتابع دروسي العملية على الآلة مع الأستاذ سامر إيبو الذي يعزف بأسلوب خاص مختلف عن السائد، وفي العام التالي درست بذات المعهد على يد الموسيقي المعروف محمد عثمان ومن كل هؤلاء أخذت ما يناسبني لأعطي مزجاً من اساليبهم جميعاً، وهذا ما أرت إيصاله من خلال الأداء في هذا الملتقى، واعتقد باني نجحت في ذلك وكسبت ثقة الحضور وظهر ذلك من خلال تفاعله معي».

فنر عبدالله يقول: «أديت بعض المقطوعات الموسيقية من التراث الكردي في الملتقى على آلة الباغلمة، وحاولت أن أعطي الأهمية لنظافة الجملة الموسيقية، وتالياً أن مثل هذه الملتقيات لها تأثير في الساحة الموسيقية ومحاولة في الحفاظ على آلات تكاد أن تندثر التي تنتمي إلى حضارتنا وتراثنا العريق».

انتهى الملتقى الثالث لآلة البزق وعائلتها وبقي الحلم الذي نرنو من خلاله كي تنتقل من المحلية إلى العالمية في دوراتها القادمة من خلال مشاركة الدول الأخرى التي تهتم بهذه الآلات إلى جانب العازفين السوريين، لنستمتع مع رقة هذه العائلة لآلة موسيقية من صلب تراثنا الشرقي القديم والقديم جداً. وكل ملتقى وسوريتنا بألف خير.


إدريس مراد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

لقطات من ملتقى البزق الثالث على مسرح القباني بدمشق

لقطات من ملتقى البزق الثالث على مسرح القباني بدمشق

لقطات من ملتقى البزق الثالث على مسرح القباني بدمشق

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق