أحلام غانم: «في حضرة الرصاص.. في حضرة الشعر»

15 كانون الثاني 2014

.

أحلام غانم شاعرة سورية عُرفت بالشعر، أحيت أمسيات، نشرت مجموعات شعرية، تتدفق إحساساً وشاعرية، وإن كان ثمة من خلاف حول الشعر والشاعرية والمهمة، لكنها أثبتت توقيعها على مجموعات شعرية، وشاركت في ملتقيات كرست نفسها من خلالها شاعرة ذات حضور منبري مميز، وقد أسعدتني مشاركتها إحدى أمسياتها، كما أسعدني تقبلها للرأي وإن خالفها في أدبها وأسلوبها، وكنت أظن أن هذا اللقاء سيكون أخيراً لأنني أحببت النص الذي تكتبه، وتعاملت معه تعاملاً حقيقياً دون اكتفاء بالمظهر..

ولكن الشاعرة أحلام غانم خالفت السائد، وها هي تتواصل مع صدور روايتها لا للكتابة عنها أو إرسالها، بل للمشاركة في التوقيع لمصلحة جمعية سورية أهلية، لكن الظروف العملية والموعد في أثناء العمل، إضافة إلى أسباب صحية جعلتني غير قادر على الوفاء بما وعدت به، ولكن ذلك لم يمنع من قراءة النص الروائي الذي أصدرته..

التوجه والشريحة
أقف عند كلمة أولى كتبتها أحلام غانم، تلخص رؤيتها، وشريحتها المستهدفة، ومنطلقها لحكايتها «في حضرة الرصاص» والحضرة تعبير صوفي يقوله العاشق والمريد في حضرة الصوفي الأستاذ، فهل صار الرصاص لدينا في مقام سام إلى هذه الدرجة؟ أجادت الكاتبة في هذا الاختيار لأن الحياة تستحق أن تعشق، وتستحق منا أن نهتم بها، وأن نحرص على أن تكون سهلة متتابعة، فماذا لو قابلنا الرصاص، ووجدنا أنفسنا في حضرته نمارس الطقوس كما يريدها؟

تعال.. تعال
لا يهم من أنت، ولا إلى أي طريق تنتمي
تعال لا يهم من تكون
عابر سبيل.. ناسك.. أو عاشق للحياة
تعال فلا مكان لليأس هنا
تعال حتى إن كنت أخللت بالتزامك وعهدك
ألف مرة
فقط تعال لنتكلم عن الله
تعال.. تعال

هذه الكلمات لمولانا جلال الدين الرومي تشكل البداية التي اختارت أحلام لروايتها، والتي تمثل رسالتها بعد اختيار أول لابن الفارض، واختيار لاحق وثالث لمحي الدين بن عربي «تملكني من حيث إني مقيد به، وتملكته من حيث إنه ليس للأسماء ظهور إلا في الممكن».

للرصاص وفي حضرته تسجل الكاتبة عشقها للحياة والإنسان، وحقيقة الأسماء والانتماءات، وإن كنت أخالف في المقدمات العديدة لما تحمل من تسويغات لا داعي لها، إلا أنني رأيت ذلك وسيلة شعرية يدخل من خلالها الشعراء عادة إلى عوالم أخرى يصعب الدخول إليها دون رسول، فكيف إن كان العالم مليئاً بالحدث والرصاص والقتل؟

شفافية الشاعرة لم تشأ أن تكون صادمة، بل حاولت الدخول في كنه الحب والعشق، وتحدثت في الوجود «كل صباح أتحسس نبض قلبي قبل أن أتحسس موضعه، موضعه ليس هو المهم، بل نبضه هو الأهم.. الروح ما زالت راحلة والقلب ما زال معلقاً في الفراغ..» وتشرب رؤى أحلام من ابن عربي إلى النفّري، لتدخل في تلافيف علاقات قوية تربط بين الرجل والمرأة، تحاول فيها أن تقدم تشريحاً مجتمعياً أضحى مريضاً، ومستعداً لاستقبال أي وافد جديد مهما كان نوعه: «فجأة دوى صوت الرصاص في الساحة الخلفية للبيت، فانحنى العابرون في حركة عفوية كأنما يريدون الاحتماء من شيء.. أبداً لم يكن الرصاص الذي لعلع في صبيحة ذلك اليوم رصاصاً عادياً.. كان رصاصاً بارداً لا أثر لرائحة البارود فيه.. ولكن هل يقدر الرصاص حقاً على كتم أصوات الحياة؟»
وتستعير بمباشرة ومقارنة بين الحب والوطن «قد تكون الخيانة جزءاً من دورة الحب يا جلنار، كما أن الموت هو جزء من الحياة الكريمة، إن الزواج الناجح يحتاج إلى شيء من الخيانة لإنقاذه..».
وتضيف:

«لو كانت الخيانة رصاصة لأطلقتها على نفسي ولم أخن حبيبي ولن أخون وطني..».

«في حضرة الرصاص» رواية مرهقة لقارئها بما اكتنزت من رؤى وقراءات وشاعرية وحلم، وكنت أتمنى لو كانت خارج إطار الرواية لتحقق الغاية من هذا التأمل الموجه نحو الحب والوطن والإنسان، وأزعم أن الرواية لا تحتمل هذا الحشد الفكري والفلسفي والوجودي، لكن روح الشاعر الثائرة جعلت الكاتبة تصبّ خلاصة فكرها ورؤاها على ورق رواية غير عابئة بالرصاص وحضرته!


إسماعيل مروة

الوطن

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق