غازي الخالدي رسم بإحساسه وقلبه.. فارس أصيل في الفن التشكيلي ونقده

15 كانون الأول 2013

.

فنان تشكيلي سوري تخطت شهرته الحدود، فوصل إلى العالمية، وله مكانه البارز على الساحة الفنية التشكيلية، واليوم هو غائب وفي الوقت نفسه حاضر بإبداعاته التي رسمها بقلبه وبإحساسه الأمر الذي ميّزه عن غيره من الفنانين، ففي فنه ترسيخ للقضايا الوطنية والقومية، ولمدينة دمشق، ورحلته الفنية لم تكن توثيقاً لما يراه فيقول: «مهمتي ليست التوثيق، فأنا أغير وأبدل وأضيف الى ما تراه عيني، والفن التسجيلي هو الفن التوثيقي، وأنا لم ألتزم الواقعية التسجيلية أبداً».

ولد الفنان غازي الخالدي في مدينة دمشق عام 1935، ولوالدته «فاطمة زنبركجي» أهمية كبيرة في حياته الفنية إذ كانت أول من شجعه واهتمت بفنه منذ طفولته، فقد أقامت له أول معرض لأعماله في 1950 في منزلهم، دلت البوادر الفنية الأولى التي ظهرت لدى غازي على موهبته الحقيقية، الأمر الذي دفع خاله الفنان فريد زنبركجي «مهندس ديكور» الى تشجيع غازي فحرص دائماً على تكليفه لوحات ورسوماً، ولكن أول من دربه على استعمال الألوان الزيتية الفنان محمد العاقل.


من أعمال الفنان الراحل غازي الخالدي

حصل الفنان غازي على تعليمه في «ثانوية التجهيز الأولى للبنين»، وقام بتدريسه الفنان رشاد قصيباتي، والشاعر والكاتب والمخرج المسرحي عبد الوهاب أبو السعود صاحب الشخصية القوية والكلمة الصريحة، الذي اهتم كثيراً بخالدي وقدم له المساعدة، وفي عام 1957 نال شهادة الثانوية العامة باختصاص فرع آداب ولغات «كان نظاماً مستحدثاً لأول مرة».
وفي عام 1958 سافر إلى مصر بتشجيع من والدته أيضاً للاشترك في مسابقة الدخول إلى كلية الفنون الجميلة -جامعة القاهرة، ليتعلم فيها المبادئ الأكاديمية.

نجح غازي بالمسابقة كما كان الأول على جميع المنتسبين إلى الكلية، ومنحه وزير التعليم العالي المصري في ذلك الوقت «كمال الدّين حسين» جائزة التفوق لمدة خمس سنوات، الأمر الذي اسعد والده ودفعه إلى رعايته وتأمين مصروفه الشهري مهما كانت الظروف المادية صعبة عليه. فتخصص غازي في قسم التصوير الزيتي، وتتلمذ على يد الفنان حسين بيكار والفنان عبد العزيز درويش، وبعد التخرج وتحديداً في الفترة الواقعة بين 1962-1972، تأثر بعدد من الفنانين، إذ أخذ من كل فنان جانباً من جوانب إبداعه «كالكامبلي، وصلاح طاهر، وعويس»، وفي عام 1996 حاز شهادة دكتوراه في علوم الفن من الأكاديمية الملكية في لندن.

فهو أول فنان عربي تم اختياره من الاتحاد الأوروبي في عضوية مجلس الفنانين لدول المجموعة الأوروبية كما كان «عضواً في قيادة منظمة طلائع البعث منذ عام 1980 حتى وفاته، ونقيب الفنون الجميلة في القطر العربي السوري، وأمين سر الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب، وعضو اللجنة العالمية للتحكيم في المؤتمر الدولي لمعرض الانترغرافيك برلين 1976، وأمين سر نقابة الفنون الجميلة في سورية...».


من أعمال غازي الخالدي

لم يكن الخالدي رساماً فقط بل اهتم بكتابة الأدب والنقد الفني، فوضع في المجالين ما يقارب 13 كتاباً، في الأدب والسيرة الذاتية كتب «مع أدباء العروبة في بلودان»، ومجموعة من القصص القصيرة، الأولى في عام 1992 وأطلق عليها اسم «ناس من دمشق»، والثانية في عام 1999 وهي «حكايات من السيرة الذاتية في تاريخ الفن في سورية»، والثالثة «عشرة عمر» في سنة 2004.

أما كتبه الفنية فقد كانت توثيق وتأريخ للحركة الفنية التشكيلية السورية المعاصرة ولروّادها، ومن مؤلفاته: «كتاب أربعون عاماً من الفن التشكيلي في سورية» والصادر في 1971، وكتاب عن الفنان سعيد تحسين، وآخر عن برهان كركوتلي، وكتاب أيضاً عن ناظم الجعفري، كما كتب الكثير من المقالات في النقد التشكيلي في مطبوعات عربية وعالمية.

كانت مسيرة الفنان غازي الخالدي حافلة بعطاءاته المتواصل، وتقديراً لذلك نال العديد من الميداليات والأوسمة التكريمية والجوائز، فهو ينتمي إلى جيل ما بعد الرواد في الحركة الفنية التشكيلية السورية المعاصرة، كما أقام معارض كثيرة منها الفردية والمشتركة في سورية والوطن العربي والعالم، ودعي لمؤتمرات عالمية لعقد ندوات ولإلقاء محاضرات في الفنون التشكيلية، وأيضاً لإقامة معرض عالمي في باريس لجميع أعماله، كما اختارته اليونكسو «المنظمة الدولية للثقافة والفنون» رائداً للفن الواقعي التشكيلي العربي.


من أعمال غازي الخالدي

رسم غازي لنفسه وللناس الذي أحبوا فنه، ورأوا فيه صورة حية تعكس مشاعرهم، وقضاياهم، وأحاسيسهم، وأفكارهم.كما يقال بأن عناصره الرئيسة كانت «الوطن، والمرأة، والحصان والشجرة»، التي عبر بها ومن خلالها عن آرائه ومواقفه، تجاه العديد من الموضوعات السياسية، والاجتماعية، والجمالية، إذ يقول الفنان غازي: «حتى أدافع عن الوطن يجب أن أحبه، وحتى أبرهن عن هذا الحب لا بد لي أن أرسم أجمل ما في هذا الوطن». فهو يرى في المرأة حالة من العطاء، ورمز الخصب والجمال، وفي الحصان الشموخ والقوة والكبرياء، وفي الشجرة الخلود.

جزء كبير من أعمال غازي هي للقضايا الوطنية والقومية مثل «لوحة بطل عملية قبية، وانتصار المقاومة في لبنان التربة، وملحمة تشرين، والفدائي، والشهداء، وقدسنا، وتحية إلى دمشق الصامدة، والقدس المصلوبة، وفلسطين خارج فلسطين، وتحية من زنوبيا إلى دمشق، وسورية الحضارة والبطولة»، والجزء الآخر خصصه لدمشق القديمة.

توفي الفنان غازي الخالدي في عام 2006، ليبقى حياً في ذاكرتنا فهو فارس أصيل في الفن التشكيلي ونقده.


لودي صارجي

الوطن السورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق