مجلة «المضحك المبكي».. وحديث الشارع السوري عام 1929

11 تشرين الثاني 2013

في عام 1929 م أصدر عبقري الصحافة السورية حبيب كحاله مجلته « المضحك المبكي « وحمل غلاف العدد الأول رسماً كاريكاتورياً لرئيس الجمهورية آنذاك الشيخ تاج الدين الحسني، و«المضحك المبكي» مجلة هزلية انتقاديه ذائعة الصيت، حدد صاحبها سياستها بأنها « سياسية، فكاهية، كاريكاتيرية» كانت المجلة حديث الشارع السوري، وتتناولها أيدي القراء من حكام وبسطاء.

وكان للمرحوم كحاله السبق في ترسيخ فن الكاريكاتير السوري، حين افرد العديد من صفحات مجلته لهذا الفن، كان الهم الأول له انتقاد سلطات الانتداب الفرنسي والمتعاونين معه بطريقة طريفة لاذعة، واستطاع بذلك تأسيس «إن صحت التسميه» الكوميديا السياسية على الساحة السورية. كانت «المضحك المبكي» تتناول بالسخرية الشخصيات السياسية والأحداث التي تمر بها البلاد، وهذا ما جعلها عرض لإغلاق فترات كانت تطول أو تقصر بسبب مقالات كان المفوض السامي أو مندوبه إذ ذاك يعتبرها مهينة من شأنها أن تؤدي إلى اضطراب الأمن وتهييج الشعب.

الكاريكاتير
و إزاء سياسة المجلة هذه كان من الطبيعي أن يكون هدفها أحد المتعاونين مع سلطات الانتداب حقي بك العظم، «ورد في مذكرات أحمد قدري عام 1956 م عن حقي العظم، كان – مع الأسف – يعمل على استقلال سورية ووضعها تحت حماية فرنسا»، الذي يقول كحاله أنه من أشد خصومه السياسيين، ومن أكثرهم نقمة على سياسته، بحكم ارتباطه مع «الكتلة الوطنية»، فلا يصدر عدد من «المضحك المبكي» إبان حكم العظم إلا ويحمل غلافه الأول رسما كاريكاتوريا للعظم على هيئة أحد الحيوانات أو غيره مع تعليق يتضمن نكتة أو نقداً لاذعاً..

كش كش بك
أوقفت فرقة «كش كش بك» لصاحبها أمين عطا عن العمل بعد عرضها الأخير على مسرح سينما روكسي لمسرحيتها عن الحيوانات، وتشتت فنانيها. ولكن لم ينس أهل دمشق هذه الفرقة المسرحية وبطلها «كش كش بك» فكانت حديث الشارع إلى سنوات طويلة، وحين تغيب فرقة «كش كش بك» عن الذاكرة الشعبية تعيدها الصحافة إلى واجهه الأحداث، فقد أعادت مجلة «المضحك المبكي» اختصار مسرحيه كش كش بك، «التي ورد ذكرها في عدد سابق من صحيفة الوطن، برسم كاريكاتيري نشرته في أحد أعدادها ويقول بشير فنصه نقلاً عن كحاله: كنت من اشد خصوم حقي العظم السياسيين، ومن أكثرهم نقمة على سياسته، وقد نشرت في أحد أعداد المجلة كاريكاتوراً يشبه تمثيلية كشكش، وصدف أن اجتمعت إليه صدفة ذات ليلة في حفل دبلوماسي، فابتدرني بالتحية والسلام وسألني متبسماً:‏ لماذا لم تنشر في عددك الأخير من مجلتك أي رسم كاريكاتوري عني كعادتك؟‏ هل أنت زعلان مني أو ناقم عليّ؟!‏ قال حبيب – رحمه الله- والله ما رأيت رجل دولة وسياسة يضاهيه بدهائه. إذ كان معظم الوزراء والسياسيين الذين أنشر رسومهم الكاريكاتورية أو انتقدهم في مجلتي يعاتبونني عتاباً مراً، ومنهم من كان لا يلقي عليّ التحية إذا صدف أن التقيته في مكان ما»
.
ويصف عادل أبو شنب في مقالة له بصحيفة تشرين هذا الرسم الكاريكاتيري فيقول: « ظهر في مجله "المضحك المبكي" السورية عام 1936، لقد اطلعت عليه، عندما عملت فيها بعد ربع قرن، على ما أذكر فكان يدور حول المسيو كويتو المندوب السامي الفرنسي الذي لم يُدعَ إلى حفل إفطار صاحب "المضحك المبكي" وادعى أن المرحوم حقي العظم هو الذي لم يدعه، فلما بلغ ذلك صاحب المطبوعة المرحوم الأستاذ حبيب كحاله أوعز لرسام الكاريكاتير في المضحك المبكي أن يرسم قطعة لحم كبيرة يتنازع عليها كلبان، واحد ضخم شرس، والآخر هزيل مسكين، فيسألهما شخص واقف في الرسم: ما بكما؟ فيقول الكلب الأشرس: أنا حقي اللحم، ويقول الكلب الضعيف: أنا حقي العظم. وكان هذا الرسم الكاريكاتوري سبباً في تعطيل المندوب السامي كويتو للمجله مدة من الزمن».

حزب الإصلاح
تروي صحيفة المضحك المبكي في عددها رقم 59 لعام 1930 قصة طريفة لحمارة حسين آغا.. تحت عنوان: «حمارة حسين آغا وحزب الإصلاح» وحسين آغا هذا حسب رواية الصحيفة هو من وجهاء الأكراد وعضو في حزب الإصلاح «الذي أسسه حقي بك العظم»، وكان لدى حسين آغا حمارة رشيقة وحلوة يركبها في غدواته وروحاته ويقوم عليها بجميع زياراته وكان الاصلاحيون في كل اجتماع يعقدونه سواء في منزل حقي بك العظم أو في منزل بديع بك العظم يدعون إليه حسين آغا قبل كل الناس وذلك بالنظر لصدقه وأمانته وإخلاصه للحزب، وحسين آغا كان يأتي في الوقت المعين راكباً حمارته فيربطها على الباب ويدخل إلى الاجتماع، ثم يخرج عندما ينتهي، فيركب حقي بك سيارته، ويمتطي حسين آغا حمارته، ويعود كل إلى منزله، وتكررت بالطبع اجتماعات حزب الإصلاح وتكرر قدوم حسين آغا على حمارته الرشيقة وكان نتيجة ذلك أن حمارة حسين آغا صارت دليلاً على اجتماعات الحزب.

و صار الجيران والمارة وأصحاب المحال التجارية حتى رجال الشرطة والتحري أنفسهم، عندما يرون حمارة حسين آغا مربوطة خارج المنزل بالباب يعرفون أن حزب الإصلاح يعقد اجتماعاته في داخل المنزل. وذات مره قام حسين آغا بزيارة قريب له اسمه عمر آغا شمدين في منزله وبعد أن استقبله عمر آغا بالترحاب، ضربت عينه على الباب، فوجد حمارة حسين آغا مربوطة بالحلقة فأسرع يرجو حسين آغا بالقول: «دخلك يا حسين آغا فك حمارتك من على الباب أحسن ما يفتكر الناس أن الحزب معقود عندي بالبيت»؟


شمس الدين العجلاني

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق