علم الآثار.. النصوص البابلية سبقت عهد التدوين

19 تشرين الأول 2013

.

تختلف تعاريف الآثار، من بلد إلى آخر، ومن عالم إلى باحث إلى مؤرخ ومن زمن إلى آخر، وتتفق بشكل عام على أن الأثر هو أي شيء خلفته الحضارات السابقة، أو تركته الأجيال القديمة، سواء كان ذلك عقاراً أو منقولاً يتصل بالفنون أو العلوم أو الآداب أو الأخلاق أو العقائد أو الحياة اليومية أو الأحداث العامة، وغيرها مما يعود تاريخه إلى 100 سنة مضت، وله قيمة فنية أو تاريخية، ويجوز للسلطة الأثرية أن تعد لأسباب فنية أو تاريخية، أي عقار أو منقول أثراً إذا كانت للدولة مصلحة في حفظه وصيانته بصرف النظر عن تاريخه، وتعد من الآثار ذات الشأن، الوثائق والمخطوطات، وبقايا السلالات البشرية والحيوانية والنباتية النادرة، اللافت للأمر أن هذه التعاريف لم تستقر على رأي موحد، بالرغم من اتفاقها على الخط العام الذي وضعه المفكر الفرنسي «ميشيل فوكو» في تكوين المعارف الأوروبية، وبلورته طريقته المنهجية في التنقيب عن الآثار و«حفريات المعرفة».

آخر من أسهم بتعريف في علم الآثار، كان الباحث الفرنسي «آلان شناب» في كتابه «غزو الماضي عند أصول علم الآثار» ليقدم من خلاله طريقة منهجية أطلق عليها اسم «التنقيب في التنقيب» وليشكك فيما تعنيه المعارف الأكاديمية، بـ«علم الآثار» كما يشكك في تواريخ ميلاده، وتأسسه كعلم مستقل، وهو في ذلك أقرب ما يكون بالمحقق البوليسي الذي لا يكتفي بسماع الشهادات أو يجلبها، أو بمقارنتها ببعضها بعضاً، بل نراه يمضي أبعد، في أمكنة غير متوقعة، ويقوم بالتحقق من دراسة آثار الماضي، فيجد التواريخ المكرسة غير صحيحة أو غير كافية بالأحرى، فخلافاً لما نظن، لم يتأسس هذا العلم مع «أفلاطون» وقد جعل السفسطائيين يتحدثون عن «الآثار القديمة» ليس في روما «عصر النهضة» التي عوّلت على «الكلاسيكية» أي على آثار السالفين الإغريقيين تحديداً، ولا في القرن التاسع عشر، عصر المعارف في أوروبا الذي عمل على تعقيد غير علم.. بل في قرون سابقة وفي غير حضارة، وفي أوقات متقاربة، ففي بابل الرافدية في القرن السادس قبل الميلاد، نقع على محاولات جادة تقوم على «مساءلة» أطلال الماضي، سواء أكانت القبور أو الخرائب أو المدونات أو العملات وغيرها.. ففي أحد النصوص البابلية الرافدية نتبين وجود ممارسة تاريخية سابقة على عهد التدوين نفسه، وتتحدث عن عالم آخر وسابق، ويعتبره «آلان شناب» (أول نص في عالم الآثار).

أما النص الإغريقي فيعود إلى «بوسنياس» في القرن الأول قبل الميلاد، بعد أن عمل في خرائب «ميسين» القديمة، نجده يتحقق من وجود بقايا وجدران وسباع محفورة، كما نراه يسعى إلى تفسير خاص بوقائعها أو بعلاماتها حيث إن الخرائب المكتشفة لا تعدو كونها دليلاً غنياً بالمعطيات عما غاب واندثر.. وهذا يؤكد أن الإنسان انشغل منذ زمن بعيد بالآثار، وتحكمت به «هواجس الماضي» وطرح أسئلة «خطيرة» في زمانها، قادت إلى نسق تطوري، ويبدو لنا علم الآثار حسب الصورة التي رسمها «شناب» لا يمثل في كثير من الأحيان خطاً متتابعاً من الكشوفات المتلاحقة، بل يبدو مثل بحر متلاطم وعنيف من الأمواج التي تخلف على الشاطئ أصدافاً، ثم لا تلبث أن تستعيدها، وما نسميه علم الآثار بالكشوفات في زمن ما، قد يكون ظهر للعاملين من دون أن ينتبهوا إليه أو أن يتبينوا معانيه.

وهكذا نجد علم الآثار يقوم بعد عهود من المراقبة والوصف والتخمين بوضع قواعد ناظمة لعمله، وإذا كانت عمليات الجمع والكشف قد خضعت، بداية، لاعتبارات ذوقية واستنسابية، فإنها ما لبثت أن أصبحت تتسم بمقادير من الاتساق، انطلاقاً من القرن الثامن عشر، الذي شهد حركة واسعة، تقضي بذهاب الدارسين أنفسهم إلى المواقع الأثرية، وجمع ما تيسر لهم منها، وانصرفوا من قراءة النصوص والمدونات، إلى قراءة الأرض نفسها، في طبقاتها المتعددة، فيما تخفيه وتُبلغ عنه، ذلك أن الأرض لم تعد «كنزاً مطموراً» بل سطح أو سطوح من العلامات والآثار التي تتبادل الأخبار والعلاقات فيما بينها، ولم يقتصر الأمر على عمليات اكتشاف وتجميع ودراسات، بل شمل أيضاً عمليات الوصف والرسم لمعالم محفوظة من الماضي، ما أدى إلى إقامة سجلات واسعة من الرسوم والصوف، وعلاقتها بالتاريخ الشمولي.

لقد كان لبلاد الشام ووادي الرافدين ومصر حظوة كبيرة في أعمال الكشف والتنقيب الأثري عند مجموعة من أشهر علماء الآثار الذين أسسوا لعلم الآثار الحديث، وقدموا صورة مشرقة لحضارات عظيمة كانت موجودة في هذا المشرق العربي القديم.


اكتشف سورية

الوطن السورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق