فيلم «صديقي الأخير»: لماذا ظلمته الصحافة السورية؟!

09 تشرين الأول 2013

أن يُظلَم الفيلم السوري «صديقي الأخير» عربياً ويُحرم من المشاركة في المهرجانات العربية، فتلك مسألة نفهم أبعادها السياسية في زمن الأزمة والمؤامرة، أما أن يُظلَم هذا الفيلم محلياً وتظلمه الصحافة التي راحت تتناوله من زوايا ضيقة، فذلك انتقاصٌ للجهود المبذولة في صناعة هذا الفيلم، وتقديمه إلى الجمهور في هذه الفترة، وهم في أشد الحاجة إلى الخوض في نقاش حول مبادئه وأخلاقياته، وقد لفت انتباهي أن مجمل ما قيل فيه لم يتعدَّ الخطوط العريضة للفيلم دون الغوص في التفاصيل الدقيقة، وصولاً إلى العبرة، والحكمة، والأخلاقيات التي أراد الفيلم أن يُقدمها.

«صديقي الأخير» فيلم يُقارب الكوميديا السوداء وينتزع منك الابتسامة رغماً عنك وعن الألم الذي يعتصر أجواءك، وقد بُني على مستويين: المستوى الأول يُناقش قضية جدلية تدور حول القتل بمفهومه جريمة، وحول القتل بمفهومه الموت الرحيم، وهذا حوار جدلي كثيراً ما يخوضه الإنسان في يومياته، ولا اتفاق حول مفهومه، خاصة في زمن تقدُّم العلم والاكتشافات اليومية لعلاج أمراضٍ كانت عصيّة على الشفاء.

في «صديقي الأخير» يقوم الطبيب خالد بحقن زوجته «إميلي» بإبرة تريحها من آلام الحياة، بعد أن ناشدته طويلاً أن يفعل ذلك، وبعد أن لازمت سرير المشفى ما يزيد على عام ونصف، وقد تردد كثيراً رافضاً الاستجابة لرغبتها؛ ولكن بعد أن طال رجاؤها له، وطال رجاؤه في شفائها، فعل ذلك. وما هي إلا بضعة أيام ليقع الطبيب في آلام عذاب الضمير؛ إذ أخبره أحد أصدقائه في الخارج أنه تم اكتشاف علاج لحالة زوجته. وهكذا تستمر معاناة الطبيب وآلامه النفسية قرابة أسبوعين ليجد نفسه أنه كي يُريح روحه من آلامها لابدَّ أن يتخذ القرار ذاته الذي اتخذته زوجته كي تضع حداً لمعاناة جسدها، والكائن البشري هو جسد وروح وبذلك توضع النهاية لذاك الجسد، وتلك الروح ؛ فهو لن يبقى سنة ونصف أخرى ليُعيد تنفيذ القرار ذاته، فنفذه بعد أسبوعين في ليلة رأس السنة 1/1/2011 تلك الليلة التي افتقدت فيه الروح جسدها كثيراً وأبت إلا اللحاق به.

في المستوى الثاني: نجد المحقق يوسف ذلك العميد الذي شارف على أبواب التقاعد، وينتمي إلى الجيل الماضي في سلوكياته، وثقافاته الأمنية، والاجتماعية، التي يغلب عليها صدقُ الريف وقساوة الطبيعة، وهو مثال للانضباط والشرف والأخلاق، وآلمه كثيراً أن ينعته «صديقه الأخير» في قضيته الأخيرة الطبيب خالد بصفة الفاسد، في شريطه المصوّر الذي تركه. وإلى جانب هذه الشخصية تظهر شخصية النقيب أمجد، رجل الأمن الذي تلقّى دورات تدريبية في أوروبا تعرّف من خلالها على أساليب التحقيق الحديثة، وحقوق الإنسان، وهو مثال للانتهازية والاستغلال والفساد الوظيفي فيرتشي ويزوِّر الحقائق لإشباع رغباته، ولا يهمه أن يُشتَم بالفاسد.

يُكلّف هذان المحققان في متابعة قضية انتحار الطبيب، وفي مجريات الأحداث تتكشف للجمهور حقائق خفيّة حول شخصية المحققَيْن، وحول حقيقة انتحار الطبيب؛ ففي حين ذهب المحقق «يوسف» إلى استجماع الخيوط، ومعالجة الأضرار التي نشأت عن مقتل الطبيب، مثل مصير الطفلة المتبنّاة «ماريا»، وآلام أهل حارة السكة التي فقدت طبيبها، نجد المحقق «أمجد» راح يُفتش عن ثغرات يستغلها، وصفقات يعقدها، ضارباً بعرض الحائط الحقيقة التي كُلّف بالبحث عنها.

من خلال هذين المستويين في فيلم «صديقي الأخير» تنهض المقولة المُلِحّة، ويصعد السؤال المُثير: لماذا يتم العمل على تصوير هذا الفيلم وعرضه في هذه الأزمة؟. الفيلم بحد ذاته يُجيب على تلك التساؤلات لكل من أراد أن ينظر بعينه وقلبه إلى مجريات الفيلم؛ فالسوريون أمةٌ واحدة على اختلاف أديانهم، يعيشون على أرض واحدة، تُجسدها «فيلمياً» حارة السكة، وتجمعهم أحداث مشتركة ترسم لهم مستقبلهم، وتنتشر بينهم مشاعر المودّة والمحبة.

في هذه الآونة؛ حيث يخرج الجمهور من الصالة وكلُّهم استغرابٌ واستنكار، إذا كان هذا ما فعله طبيب بنفسه حين اكتشف أنه بلا عمد وبطيب نيّة قتل إنساناً بريئاً، فكيف هؤلاء المتآمرون يُزهقون الأرواح بكلِّ قصد وسوء نيةّ.

سيناريو وإخراج: جود سعيد
تأليف: جود سعيد- الفارس الذهبي
تمثيل: عبد اللطيف عبد الحميد- عبد المنعم عمايري- مكسيم خليل- عائشة بن أحمد- لورا أبو أسعد- هبة نور- سوسن أرشيد- جرجس جبارة- أندريه سكاف- فادي صبيح- مديحة كنيفاتي- مأمون الخطيب- مازن عباس- جمال قبش.

إنتاج: المؤسسة العامة للسينما وفردوس للإنتاج والتوزيع الفني

العرض: عُرض الفيلم في صالات الكندي في حزيران 2013، وأُعيد عرض الفيلم بالتعاون بين لمسة دفا والأمانة السورية للتنمية في دار الأسد للثقافة والفنون بالتزامن مع افتتاح المدارس، حيث يعود ريع العرض بالكامل لحملة «من حقي أتعلم».


د. طارق العريفي

صحيفة النهضة

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق