أيها السائل عني: ديوان لمحسن حيدر حيدر

29 أيلول 2013

ما من نص إبداعي إلا وقد كتب بتأثير مناسبة ما سواء من خارج شخصية الشاعر أو من أعماقه، لا مشكلة في أن يكون النص الشعري مرتبطاً بمناسبة المهم أن يكون شعراً يوظف المناسبة لإبراز قدرات الشاعر وجماليات نصه.

تبدو المجموعة الشعرية «أيها السائل عني» للشاعر محسن حيدر حيدر نبتت في أرض المناسبة لتنتج زرعها الشعري، إذ يحاول الشاعر أن يوظف المناسبة لإبراز قدراته الشعرية وجماليات نصه.

المناسبات الوجدانية تولد الهمس والبوح للقارئ ويظهر هذا جلياً في القصائد الوجدانية المتعلقة بمشاعر فياضة نبتت في نفس الشاعر كقصيدته «سليمى»، أو الحديث عن أمكنة لها وقعها الخاص في نفسه يقول في قصيدته «سربيون»:
يا سربيون التي أحببتها في فؤادي أنت أحلى غانية
ما أحيلاك صباحاً ومساً يغضب الكل وأنت الراضية
كل ما فيك جميل واع طية الوادي وحضن الرابية

المناسبات العامة تستحضر معها أدواتها الشعرية، فنجد الخطابة واللجوء الى اللغة العالية النبرة والمعجم المألوف، لكن لا يغيب عن تلك القصائد صدق العاطفة ورهافة الاحساس، فالشعر عند حيدر وسيلة إبلاغ يريد أن يوصل من خلالها رسائل للمتلقى، تقترن تلك الرسائل بأبعاد جمالية تقليدية يتوخاها الشاعر، وحين يحس أن رسائله لم تصل أو أن ما يريد قوله لم يرتوِ، فإنه لا يمانع في كتابة نص آخر عن الموضوع ذاته كما فعل مع «سربيون» مسقط رأسه و«سليمى» و«الشهداء»، وما ساعد على مثل هذا التكرار كون القصائد قد كُتبت في فترات بعيدة يقول في قصيدته «عطر الشهيد»:
ما للشهيد مكفناً بإبائه | يلقى إلاله مضرجاً بدمائه
وتفوح رائحة البخور وليتني | أحظى بشيء من جزيل جزائه
الله بارك للشهيد وفاءه | وأعزه بالخلد في نعمائه

والشعر كذلك عند شاعرنا أداة تعبير تصلح لكل شيء، ابتداءً من التعليق على موقف ساخر سبق أن مر معه كقصيدته «املأ الابريق يا علوش»، وانتهاءً بالتعبير عن القضايا الوطنية والقومية التي تشكل هاجساً عند الشاعر «كالشهداء.. والجلاء»، مروراً بتهنئة صديق أو التعبير عن الامتنان له كقصيدته «من زارها حج بيت الله واعتمرا»؛ حيث يقول:
قف بالربا والثم الابواب والحجرا | من زارها حج بيت الله واعتمرا
وإن مررت بها تلق الضيا القا | وروح قاطنها من طيبه عطرا

ويبرز في الديوان مجموعة من الظواهر، منها قدرة الشاعر على التميز في كل من الشعر العمودي وشعر التفعيلة وإفادته من تفاصيل البيئة المحلية الريفية التي ولَّدت في النص القدرة على تحفيز الحميمية في نفس المتلقي، إضافة الى ثقافة الشاعر اللغوية والإيقاعية والفنية حيث منحته قدرة على تقديم أنماط عدة من الكتابة الشعرية، وثمة نفَسٌ ساخر ناعم لدى الشاعر حيدر منع بروزه اتسامه بالخجل، لكن ثمة نصوص أفلتت من هذا الخجل فكشفت قدرات إضافية لديه مثل قصيدة «تقول .. ماذا»:
ماذا.. لقد كتب الزمان على ابن خالتك الشقاء
ماذا.. لقد مات الربيع وحل في جسدي الشتاء
ماذا.. وتسأل لا تمل سؤالنا والقلب ذاب

المشاعر الجياشة المعبرة عن نفس مرهفة تحضر في أرجاء النصوص، فتدفع المتلقي للتعاطف مع ما يطرحه الشاعر، حتى لو اختلف فكرياً مع بعضه؛ وثمة رغبة دفينة لديه بالتصوف والابتعاد عن أهواء الحياة وجوانبها المختلفة، حيث ترتبط تلك الرغبة بعمق فكري ذي بعد فلسفي هادئ يحاول أن يبحث في أسئلة الكون المختلفة، على الرغم من كون الشاعر ميالاً للساكن الهادئ أكثر من الإشكالي والمثير للجدل.


شذى حمود

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق