آلهة الدموع: رواية باكورة الحجلي.. حسّ إنساني طاغٍ

24 أيلول 2013

«آلهة الدموع» رواية هي الأولى لكاتبها أيوب الحجلي، وعدّها الكاتب الكتاب الأول أو الجزء الأول، وهناك متابعة للدموع وآلهتها، وكأن الكاتب لم يكتفِ بمقدار الحزن والدمع الذي ساقه في الجزء الأول فوعد بالمتابعة، وفي الرواية يكتب الشاعر فرحان الخطيب: «ولعلّ الكاتب أيوب الحجلي من الجيل الشاب الذي قرأت في عينيه إصراراً لامعاً على إنجاز محطته الأولى في عالم الرواية "آلهة الدموع" الحاملة بين سطورها السمات الواخزة لشخوصها على مسرح حياتهم الاجتماعية، فابتلت بتلات ورودها ببحر دموع الآلهة، وبدت شعاب الرحلة مليئة بالتعرجات المنكهة».

ولكن هل يكفي الإصرار؟ وماذا حملت الرواية في صفحاتها وكلماتها؟

البيئة والمرحلة

تعيدنا الرواية إلى حسّ إنساني طاغ، وتردنا إلى مرحلة نضالية للأكحل الذي يصل إلى مراده في مقارعة الأعداء والخصوم، ليتزوج ممن يحب وبصورة رومانسية عالية على النبع، وبعد أن تنجب له ثلاث بنات وولدين تفارق الحياة لتتركه مع هذه الأسرة، ومع حاجته الرجولية، واختار الكاتب ما يختاره المجتمع عادة في مثل هذه الحالة، أخت الزوجة تحل محلها بعد رحيلها من أجل الأولاد، وكأنه بذلك يريد أن يضيف إلى الخالة زوجة الأب صفة الخالة الحقيقية، وخاصة عندما تجمع الخالة الحقيقية كل صفات زوجة الأب، وتضيف عليها من حقدها، وتستغل للإساءة إلى أولاد أختها جسدها الذي ترهق به الأكحل لتجبره على اتخاذ قرار ما يتعلق ببناته على وجه التحديد، وقد اختارت لهن الخالة الخدمة عند الناس، ومن البداية يقدم الكاتب بيئة الحجارة السود القروية لمعرفته الدقيقة بكل التفاصيل، وحتى يحقق رؤيته في الرواية يعمل على رحلة الأكحل من قريته ليضعه على حدود المدينة، وربما على حدود العاصمة.

وقد اعتمد الكاتب في الجزء الأول من الرواية على الوصف، وهو مع أنه آسر للبيئة التي يتناولها، وللمرحلة التي يتناولها، وللبسطاء الذين يصور حياة كل منهم، إلا أن الوصف أخرج الحدث عن مساره، وجاءت جماليات الربيع مخالفة لما يجري لشخوص الرواية على أرض الواقع، فلم تكن الطبيعة شريكة في الحدث، وكان الأولى، على ما أظن، أن يكون الجانب الذي يتناوله من الطبيعة متساوقاً مع الحدث المؤلم الذي اختاره لتكون الآلهة مشاركة في الدمع حين غابت عيون الرحمة الدامعة!

إذاً لا أحد ينكر وجود مثل هؤلاء القساة، ولكن الحياة لا تسير بهذه السلاسة إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار الحقبة الزمنية التي أراد الكاتب معالجتها، فلم يشأ أن يخدش حياء بيئته حتى لا يرفض العمل كما حدث مع غيره من الروائيين البيئيين.

والأكحل، الأب الذي رسم له المؤلف صورة ناصعة «الأكحل كان طويل القامة أسمر الوجه ذا مناكب عريضة تلتمع تحت صفحات الشمس، فتظهر بعزة عارمة. تعارك الأكحل مع ذلك الوحش الضاري قبيل غياب الغسق بلحظات قليلة على مشارف القرية. إن هذه الحادثة ستبقى على الألسن إلى ما لا نهاية فبعد كمية من السنين القادمة سيصبح مضرباً للمثل بين الناس».

هذا الأكحل وبهذه المواصفات كيف يمكن أن يتحول إلى رجل مطواع يأتمر بأوامر الخالة ليصل إلى شهوته؟: «في الفراش الدافئ زحفت زوجة الأكحل تحت جنح الظلام إلى زوجها، تحاول الوصول إليه.. ارتعد الأكحل ثانية وحاول التملص من زوجته، وهي بدورها اقتربت منه وهمست في أذنه أنها اشتاقت له، وأنها تريده، لكنه لم يبال، فضمته بذراعيها، وجعلته يشعر بدفئها. قالت لزوجها عندما انتهت منه بكل رقة أنها وجدت عملاً جديداً لمنى. حاول الأكحل الاعتراض، ولكنها مقته بعيني أفعى».

حب وفجيعة

كان ماجد القدر الذي ينتظر منى، هو ابن عمها، وكأنها لم تلتق به من قبل إلا عندما التقاها مصادفة في الطريق، فأحبها وخاف عليها وتزوجها، وكان بالإمكان أن تتغير الحياة إلى الإيجاب، لكن المؤلف شاء لماجد أن يقع بين يدي راقصة تنتصر على حبه لمنى، فيضاف دمع جديد لحياة منى، وأخو ماجد يتصرف معها كما لا يتصرف ابن عم مع ابنة عمه، فما من ابن عم أو خال يسمح لنفسه أن يستقل وسيلة نقل ويترك قريبته في الطريق، فما بالك أن يتحرش ويهدد؟!

عمل منى دوماً بانتظارها! فهي تترك ساعة تشاء، والآلهة التي أعطتها المزيد من الدمع تنتظر متى حتى تساعدها في العمل، وتجعلها قادرة على حل أصعب المشاكل، وتحمل المزيد من أتعاب العلاج المرهق! فكيف لم تتدخل هذه الآلهة لحل مشكلات منى الأخرى؟ فهي تداوي وتشتري تابوتاً وراء تابوت لتبكي، ولكن المؤلف لم يشر إلى أن هذه اللوازم أثقل بكثير من إمكانياتها!

أما مشكلة الزمن المتطاول الذي جعل الكاتب يتناول أجيالاً من العائلة فقد حلها المؤلف من خلال اللفظ، وبعد سبع سنين، وبعد سنتين، وهكذا، وأظن أن مشكلة الزمن يمكن أن تعالج بطريقة أخرى، لكن المؤلف اختار الرواية التقليدية المعروفة من خلال ضمير المتكلم وسرد الحكاية بطريقة وصفية.

رواية «آلهة الدموع» لأيوب الحجلي عمل روائي أول، وهي رواية تستحق القراءة لما فيها من أحداث وعواطف إنسانية، وإن كانت بحاجة إلى قراءة أخرى، فالصياغة أرادها على هذا الشكل، وآثر عدم الاستفادة من التجارب الروائية الجديدة والحداثية، وأظن أن الكتاب الثاني سيحمل نوعاً آخر من القص بناء على الأحكام النقدية التي وصلت للروائي.

صدرت الرواية عن «دار الحروف» في السويداء في 136 صفحة من القطع المتوسط وبإخراج أنيق، وهنا أشير إلى أهمية أن تتوزع الفعاليات الثقافية والمؤسسات الخاصة والعامة على مستوى كل محافظة، وعدم اقتصارها على المركز، وهذا يذكر لدار النشر التي أرادت أن تقدم خدمة ثقافة بيئية مميزة.


اسماعيل مروة

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق