التشكيلي بولس سركو يختتم معرضه في نادي الأوركسترا باللاذقية

23 أيلول 2013

.

معرض للفنان بولس سركو: «مقاربة بصرية وفكرية بين شكل المرأة وشكل الماء» اختتم مؤخراً ضمن نادي الأوركسترا في اللاذقية معرض الفنان بولس سركو الذي يحمل عنوان «النهر» ويضم 22 لوحة فنية نفذت جميعها في إطار الخصوصية المتفردة للفنان سركو لتعبر في مجملها عن مفهوم الأبدية المستوحى من الأسطورة السورية القديمة التي تصور هذا المفهوم الوجودي من خلال تدفق البشر على الحياة جيلا اثر آخر مانحين إياها قيمة الديمومة والاستمرار.

وأوضح الفنان سركو أن مسير النهر كما هو في الأسطورة القديمة يبدأ من جسد المرأة كونها أساس الحب والعطاء ولذلك صمم الأوغاريتيون جرار المياه على غرار تشكيلية الجسد الأنثوي الجميل كي يتقدس الماء الذي في داخلها والذي يتوازى مع قدسية المرأة في مختلف الحضارات السورية العريقة.

وقال سركو في تصريح خاص لـه: «كذلك كان الحال في لوحاتي المعروضة والتي جاءت في معظمها لتكرس مقاربة بصرية وفكرية بين شكل المرأة وشكل الماء إذ تتداخل جماليات كل منهما في مناخ من الشفافية حيث استشعرت أن الشرائط النهرية المستوحاة من أنهار أوغاريت الأثرية الأصيلة هي أجمل تجسيد لهذه الصورة المقدسة فالنهر هو رمز لحركة ماء الحياة وكذلك هي المرأة في ثقافتنا وموروثنا الفكري».

وأشار الفنان السوري إلى أن عناصر اللوحة وتكويناتها تجسد بيئة الماء عموماً بما فيها من شواطئ وقوارب ونوارس إضافة إلى تصوير جلسات الصيادين وعملهم أثناء الصيد بما ينطوي عليه من صبر طويل وتأملات لا متناهية في أسرار الحياة والإنسان معا وهي صور تنقل المتلقي تلقائياً إلى أجواء المملكة الأوغاريتية القديمة المفعمة بحب الحياة القائمة على عنصري المحبة والسلام كعقيدة لا جدال حولها.

ولفت سركو إلى أن التركيز على عقيدة الأوغاريتيين القدماء في هذه الأعمال هو محاولة لتسليط الضوء على أخطار مرحلة ما بعد الحداثة وعلى رأسها مجموعة الظواهر المتصلة بالطائفية والمذهبية والواقعية المقيتة بعيداً عن قدسية المحبة والسلام وبالتالي كان لا بد على الدوام من إعادة إحياء الثقافة السورية الأوغاريتية التي سعت إلى منح العالم قيم السلام والتآخي بين أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن توجهاتهم وأفكارهم المختلفة من خلال تصدير أبجدية الحرف والكلمة والنوتة الموسيقية الأولى على هذه الأرض.

وقال سركو: «أسعى عبر هذه اللوحات إلى إبراز جماليات السوريين منذ العهد الأول للحضارة السورية ولهذا السبب تحديداً ذهبت إلى هذا المنحى التاريخي السوري انطلاقاً من المفهوم الإنساني الأصيل للمجتمع السوري لأقول إن الفن لا يمكنه أن يكون عبثياً متكلاً إلى حد ما على فنون التجريد لإيصال المقولات التي أنشد تعميمها على جمهور هذه الأعمال و متلقيها».

أما الحضور الواسع للمرأة في هذه الأعمال وتوصيف جمالها الأخاذ ولاسيما الجسدي منه فهو كما نوه سركو شكل من أشكال الحرية الإنسانية التي تساعد الفنان على التعبير و البوح إذ إن جسد المرأة هو رمز للعطاء والحب والحنان والأمومة وهو ما جعلها من أجمل الكائنات على الأرض وبالتالي ليس من رادع لتصوير هذه القيم كلها وإلا فإن الأمر سيتحول إلى شكل من أشكال قمع الذات.

وعن الألوان التي غلب استخدامها في الأعمال أشار الفنان إلى أنها بالمجمل ألوان نارية بعض الشيء أدخلت إلى اللوحات على شكل ثنائيات تضم كل منها ما يعد نقيضين على دائرة الألوان إلا أنهما في واقع الأمر متكاملان مع بعضهما البعض كأخوين لدودين وكأنهما ليل ونهار أو شروق وغروب أو شمس وظلمة أو نار وماء وهما لونا الأزرق والبرتقالي حيث يعتبر الأول أساسياً والآخر مركباً واللذان متى اجتمعا معا في لوحة واحدة فإنهما يشكلان علاقة تكاملية رائعة.

واعتبر أن اختيار الألوان قد تم بناء على خصوصية كل منها فالألوان البرتقالية تمتلك تأثيراً كبيراً على الإنسان خاصة في بيئة الساحل السوري حيث يصطبغ بها لون البحر عند الغروب وبالتالي فإن هذه الألوان تؤثر على المتلقي الساحلي كونها تأخذه إلى عوالم الرومانسية الحالمة المرتبطة بأيام الصبا والشباب الأول وأيضا بلحظات الغروب الحميمة على البحر.

وقال سركو: «عندما أرسم فإنني نادراً ما أترك اللوحة قبل الانتهاء منها حتى لا يتسبب ذلك بانقطاع في الأفكار والمشاعر والدفق الوجداني وكل ما أريد نقله وتجسيده في اللوحة رغم أن هذه الأخيرة تمر أثناء الاشتغال بمراحل عدة إنما يبقى الإحساس المسكون فيها واحداً لا يحتمل الانقطاع».

وأكد أن الفنان يتأثر إلى حد بعيد بالبيئة المحيطة به حيث يستلهم من جملة العناصر المحيطة به كل فنونه وإبداعاته ومن هنا فإن كافة لوحات الفنان هي من وحي بيئته الساحلية وما يتفاعل فيها من أحاسيس ومشاهدات وجماليات متنوعة ربما تشكل اليوم رسالة قوية للعالم أجمع مفادها أن الإنسان السوري سيبقى محباً للخير والسلام والحياة مهما اشتدت عليه المحن والصعاب التي ستبقى عاجزة عن زعزعة تلك القيم الجميلة.


سانا

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق