سر عبقرية أبي تمام.. ندوة تبحث في سيرة الشاعر وإبداعه

22 آب 2013

.

شاعر تربع على عرش الشعر واقتدى به معظم شعراء زمانه فكان المديح أبرز الفنون التي نظم بها ولكن كان له مراثي رائعة امتاز شعره بقوة السبك وحسن الإخراج والتأنق بالبيان لفظا ومعنى والغوص في عميق المعاني وغزيرها وكثرة الاختراع والتوليد فيها.

شكل لغزا للنقاد والأدباء وقاد ثورة شعرية في زمانه فكان أبو تمام ابن قرية جاسم شاغلاً لصفحات النقاد ومحركاً للفكر بفلسفته وحكمته.

وتحت عنوان سر عبقرية أبي تمام اجتمع كل من الدكتور محمود الربداوي والدكتور عاطف البطرس والدكتور أحمد علي محمد على طاولة البحث والنقاش في ثقافي أبو رمانة بحضور وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح في محاولة لإلقاء الضوء على هذه العبقرية الشعرية الفذة التي امتدت آثارها إلى زماننا الحاضر عبر أبيات شعرية مازالت حتى الآن متداولة وأفكار لم يمل النقاد من البحث والتمحيص فيها.

الدكتور محمود الربداوي اختار أن يستعرض في مداخلته إشكاليات الرحلة وتأليف كتب أبي تمام فبدأ من البيت الشعري المشهور:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى..|..ما الحب إلا للحبيب الأول
مشيراً إلى أن هذا البيت نظم في حب الوطن وليس في العشق والغرام لأن أبي تمام طاف في الآفاق كثيراً.

واستعرض الربداوي رحلة أبي تمام وأسفاره ابتداء من خروجه من قرية جاسم مسقط رأسه ووصوله إلى دمشق التي اشتغل فيها حائكاً ثم توجهه إلى القاهرة التي كانت تعرف آنذاك بالفسطاط، مشيراً إلى دور جامع عمرو بن العاص في تكوينه الثقافي إذ انعكس ما اقتبسه في مجالات العلم والتاريخ والفقه والشريعة على شعره.

ويتابع الربداوي رحلته مع أبي تمام قائلاً إن الشاعر الكبير رجع إلى دمشق وذهب الى حمص فالتقى بديك الجن الحمصي ثم إلى الرقة والموصل وبغداد وخراسان وبلاد ما بين النهرين ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ثم إلى أفريقيا.


ويتوقف الربداوي عند رحلة أبي تمام إلى إيران حيث أقام الرجل في همذان والتقى بأبي الوفاء ابن سلمة وألف أشهر كتبه مثل كتاب الحماسة والاختيار الكبائري الأصغر والأكبر.

ومن همذان يعود أبو تمام إلى بغداد ثم ينتقل إلى سامراء ليكون في خدمة المعتصم ويمدحه بقصيدته المعروفة السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب.

واعتبر الربداوي أن أبا تمام ليس ثروة شعرية سورية بل ثروة للإنسانية بكاملها فهو رجل مفكر اهتم به المستشرقون وكتبوا عنه الكثير وهو يشكل جزءا من المذهب الشامي الذي كان المذهب الرئيسي لأبي تمام في الشعر.

وتحت عنوان الصنعة العقلية عند أبي تمام قدم الدكتور أحمد علي محمد رؤيته لأبي تمام الحكيم والفيلسوف الذي نسج عبر شعره صنعة عقلية أدت الى ضرب من الغموض.

وتطرق الدكتور محمد إلى المفهوم الجديد في الطباق الذي قدمه أبو تمام في شعره حيث قدم نموذجاً جديداً في الطباق يعتمد على التناقض بين الألفاظ والاختلاف بينها، مشيراً الى أن شعر أبي تمام كان فوق التصور في ذلك الزمان وهذا ما يفسر قبول النقاد المحدثين له.

واعتبر محمد أن أبا تمام شاعر حكيم بالدرجة الأولى لأنه ابتدع في شعره المذهب العقلي بحثا عن الأفكار الدقيقة بالاعتماد على الجناس الذي كان يوظفه في تعميق الصورة وتوليد المعنى.

والشاعر أبو تمام حسب الدكتور محمد خرج على عامود الشعر ووجد لنفسه حيزا ليعبر عن ذاته وحطم أبعاد التشبيهات والاستعارات واعتمد في شعره على إثارة الجمال في نفس المتلقي عبر صورة تنقل كل المتناقضات دفعة واحدة.

ويرى محمد أن أبا تمام اقترب في شعره من نظرية الفن للفن حيث لمس مفهوم الرقة ولم يقف موقفا عدائيا من الدهر بل أصبح محرضا للتأمل يستنبط في فكره ما غمض من الطبيعة الصامتة ومازالت مناهج الفكر الحديث تحاول كشف سر عبقريته وتفرده.

بينما اختار الدكتور عاطف البطرس الحديث عن الوحدة والتنوع في التكوين الثقافي لأبي تمام مشيرا إلى أن هذه الشخصية الشعرية مثلت حالة متميزة في تقبلها للجديد وإنتاجه وإقبالها على الثقافات السابقة عليها والمحايثة لها.

وروى البطرس حكاية أبي تمام مع الثقافات الأخرى حيث اتسعت ثقافته للمتعدد والمختلف والمتنوع في الثقافات اليونانية والفارسية والهندية والشرقية والعربية الإسلامية و تمثلتها وأعادت صياغتها بلغة عربية نقية تمردت على المألوف وتجاوزت الصياغات الجاهزة وأجهدت نفسها في الغوص على طريف الأفكار ملونة إياها بالمستحدث من الصور والزخارف البديعية ما جعلها بكل امتياز رأساً لمدرسة التطور والتجديد في الشعر العربي بالعصر العباسي الأول.

وقال البطرس إن أبا تمام شاعر يفكر بالصور ويصوغ الفلسفة شعراً معتمداً على منجز المتكلمين وعلوم المناطقة وهو شاعر فيلسوف وفيلسوف شاعر مجدد في الفكرة والموضوع وفي الصورة وطرائق تناولها وهو شاعر الجدل ووحدة المتناقضات المتأصل في الثقافة العربية ممثلة بأبهى أشكالها مع الإحاطة بمجمل المنجز الإنساني السابق عليه والمعاصر له.

وأشار إلى أن أبا تمام شكل حالة شعرية فريدة إذ حلت على يديه مسألة الأصالة والمعاصرة موحداً بينهما ملغياً التعارض الوهمي فيهما فهو أصيل في طبعه معاصر في تكوينه صاحب مذهب مستقل بخصائصه العقلية وبصوره المركبة وبتحريره للعلاقة المباشرة بين المشبه والمشبه به في التشبيه والاستعارة.

وخلص البطرس الى القول إن أبا تمام من أشهر المتمردين على منهج القصيدة العربية والوفي لأهم خصائصها ومزاياها التي ترسخت عبر تاريخ التجربة الشعرية العربية وهو صاحب بديهة حاضرة وجواب مفحم ووعي جمالي للمسافة بين المبدع والمتلقي تلك المسافة التي لا يمكن ردمها والمطلوب التقليل من الهوة الفاصلة بينهما برفع المتلقي إلى مستوى المبدع وليس العكس.


سانا

Share/Bookmark

صور الخبر

سر عبقرية أبي تمام.. ندوة تبحث في سيرة الشاعر وإبداعه

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق