كنز مهاجر: غزوان زركلي في دار الأوبرا

25 02

المركز الثقافي الإسباني ينظم حفلته في دار الأوبرا

ذات يوم فكر السلطان نور الذين الزنكي بأمر المرضى في البيمارستان الذي بناه لهم حيث يسهرون الليل مع الألم، ولا يجدون من يؤنسهم حين ينام الناس، فطلب من المنشدين أصحاب الأصوات الرخيمة أن ينشدوا لهم من على مئذنة الجامع الأموي القريب منهم بدءاً من منتصف الليل حتى مطلع الفجر.
لعل هذا المثل يبرهن على أهمية الموسيقا في الحياة على اختلاف أنواعها وجوانبها منذ الأزل، فهي خالدة على مر العصور وما زالت أعظم الفرق الموسيقية العالمية تتبارى في عزف مؤلفات القرون الماضية أمثال بيتهوفن وموزارت وتشايكوفسكي وغيرهم.
لعل أعظم ما يمكن أن تقدمه دمشق بمناسبة اعتبارها عاصمة للثقافة العربية هو أن تحافظ على كنوزها البشرية الحية. ومن هذه الكنوز درة من درر الموسيقا في العالم باعتراف الخبراء والذواقين، تهدده جملة ظروف قاسية وبيروقراطية ومحسوبيات بالعودة إلى المهجر، فإذا عاد -لا سمح الله- مرة أخرى إلى الغربة محبطاً ومصدوماً من البيروقراطية الثقافية فستكون هذه خسارة لدمشق في عام اختيارها عاصمة ثقافية.
إنه عازف بيانو غربي، وأستاذ دكتور في الموسيقا. لقد ولد غزوان زركلي في دمشق عام 1954 ودرس في دمشق وبرلين وموسكو ودرّس في برلين وفايمر وأوسنابروك عام 1988 في ألمانيا كما في القاهرة ودمشق، وأقام ورشات عمل في الجزائر ولبنان ودولة الإمارات المتحدة. مثّل سورية في 25 بلداً ويحمل الجنسية الألمانية.
لعب ويلعب دوراً بارزاً في بناء الحياة الموسيقية في سورية وهو مؤلف موسيقي، ومترجم عن اللغة الألمانية، وكاتب في الصحافة الموسيقية.
حاز جوائز عربية كثيرة منها جائزة الدولة التشجيعية لعام 1969 كما نال وسام الجزائر عاصمة الثقافة العربية لعام 2007 في الجزائر.
هو عضو تحكيم دولي في مسابقات العزف على البيانو منذ عام 2004. ويعتبره الكثيرون ألمع أستاذ جامعي في سورية ومصر، وأفضل عازف بيانو في العالم العربي.
عاد الطير المهاجر مُلبّياً نداء وطنه الأم دمشق حيث طلبت منه الدكتورة قنوت عام 2000 -عندما كانت تشغل منصب وزيرة للثقافة- العودة إلى البلاد في إطار توجهات جديدة للتواصل مع المغتربين والإفادة من خبراتهم، وتقديم كل الاحتياجات اللازمة لهم، وتجلى ذلك فعلياً في إنشاء وزارة خاصة لشؤون المغتربين، واحتفل الوطن بعودته من خلال الصحافة والهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون بالحفلات العديدة التي قدمها وذلك ما جعله يقطع علاقته مع كونسرفتوار مدينة أوسنابروك الألمانية، إذ تم تعيينه وكيلاً مساعداً لعميد المعهد العالي للموسيقا الدكتور صلحي الوادي رحمه الله ومدرّساً لمادة البيانو فيه ساعياً إلى تعيين مساعدين للخبراء الأجانب في المعهد.
أعفي الدكتور زركلي من منصبه ومن التدريس في المعهد عند أول تغيير وزاري علماً أنه لم تتغير توجهات التواصل مع المغتربين الآنفة الذكر! ولم تلغَ وزارة شؤون المغتربين! وحتى الآن يعامل في المؤسسات الفنية الرسمية معاملة لا تليق به ولم ينصف بأي منصب يقدِّم من خلاله خبرته وعطائه لهذا الوطن الغالي وذلك ما دفعه للسفر إلى الشقيقة مصر للتعاقد مع معاهد القاهرة والإسكندرية للتدريس فيها مقدماً حفلاته الرائعة في أعظم المسارح هناك.
بعد عامين أعاده الشوق إلى الوطن متفائلاً ولكن تفاؤله ذهب أدراج الرياح، ولم يثنِ ذلك من أمله بأن يصح الصحيح في المستقبل، ولضمان العيش الكريم عاد إلى الدروس الخاصة في دمشق واللاذقية، ملبياً الدعوات للعزف في الحفلات التي تنظمها المراكز الثقافية ودور خاصة تهتم بالفن العريق، إضافة إلى حفلاته في أنحاء العالم حيث مثّل سورية العام الماضي في ألمانيا وفرنسا والإمارات العربية وإسبانيا ولبنان، وفي هذا العام دعي إلى دبي للتحكيم في المسابقة العربية للعزف على البيانو، وسيغادرنا إلى كوبا في نيسان المقبل ليعزف مع فرقتها الوطنية السيمفونية، وبعدها إلى المسابقة الدولية في العزف على البيانو في تامبوف (روسيا).
من الغريب أن حفلته يوم 25 شباط في دار الأوبرا بدمشق تنظم من قبل المركز الثقافي الإسباني وليس من قبل الأمانة العامة لدمشق عاصمة الثقافة العربية وهو الذي نال وسام «الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007» كما نوهنا سابقاً! ‏
لم يكن غزوان الدرة الوحيدة التي عادت من غربتها وتناساها الوطن بل هناك العديد من ألمع العازفين والعازفات لم يتم احتضانهم وإفساح مجال واسع أمامهم لاستثمار مواهبهم وعطائهم وإشراكهم في بناء حياة موسيقية ترقى إلى مستوى عالمي، فمنهم من غادر الوطن مهاجراً من جديد ومنهم من غادر الحياة -كالأستاذ فايز علبي- ومنهم من أقنع نفسه بواقعه ليعمل في الملاهي أو أي قطاع خاص آخر.
هل يعقل أن نعيد كنوزنا الوطنية من غربتها دون المفاخرة بها والنهل من عطائها وخيراتها، فتعود طيورنا لتهاجر من جديد صادحة خارج وطنها؟ ونترك الإجابة لمن يهمه الأمر في وطننا الحبيب وعاصمته عاصمة الثقافة العربية.


تشرين

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

المنشد رضوان ابو ساري :

عازف رهيب انا من كم سنة سمعت العازف اللة تاريخ لا ينس دام العز لي سوريا ول الاساتدة الكرام يا اشرف الناس واكرم الناس

لبنان