طاحونة أبو قبيس المائية

24 كانون الثاني 2013

.

ذكر شواهد التاريخ ومعطياته الأثرية أن أكثر من أربعين طاحونة مائية كانت تضخ زفير الحياة وإكسيره في وادي أبو قبيس جنة الأرض وفردوسها كما يلقبه الكثيرون لما فيه من تناسق طبيعي خلاق يجمع بين تناسق أشجار الدلب والقطلب والحوريات المتناثرة وجداول المياه العذبة المتدفقة من كل ركن وزاوية فيه.

ففي هذا الوادي نشأت ثقافة الطواحين المائية منذ اقدم العصور وهنا ظلت آثارها باقية وشاهداً حياً يطبع في ذاكرة المارة والمصطافين صوراً لحضارات نمت وترعرعت وتعاقبت جيلاً بعد جيل ومن بين تلك الطواحين التي لا تزال ناجية من براثن الدهر طاحونة النبع التي تتميز بحسب رئيس مجلس بلدة أبو قبيس بموقعها عند قمة رأس نبع مياه أبو قبيس بين جبال شاهقة ذات حواف كارستية بيضاء.

ويشير رئيس مجلس البلدة محمد علي عبد الله إلى ان موقعها عند أغزر نقطة في النبع جعلها أنشط طاحونة في المنطقة منذ مئات السنين ومصدراً يعتمد عليه الأهالي الذين قطنوا الوادي منذ القدم وحتى أواخر القرن الماضي في تأمين الدقيق.
وبحسب عبد الله فإن الطاحونة كانت مركزاً حيوياً جاذباً لكل سكان المنطقة بدءا من سهل الغاب وحتى منطقة مصياف إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي حيث توقفت عن العمل بعد توفر الدقيق التمويني بكثرة من المطاحن الآلية لافتاً إلى أن مجراها المائي كان يوفر طاقة عملها بشكل دائم صيفاً وشتاءً في ظل توقف بعض الطواحين الأخرى في الصيف والخريف نتيجة جفاف المياه.

وتعد طاحونة أبو قبيس رمزاً ثقافياً و أثرياً يضاف إلى معالم القرية من قلاع وكنائس أثرية فهي تقع في موقع اثري يعود للفترة الرومانية القديمة ويرجح الكثيرون أن هذا الرمز ما زال منذ ذلك الوقت صامداً مع أعمال التجديد والترميم على مدى مئات السنوات والمميز في الطاحونة بقاء كل مفاصل عملها الرئيسية والثانوية من رحى ومسارب وأجران على شكلها الأول الذي صممت فيه.

ويبين محمد صالح من أهالي البلدة أن الطاحونة تتكون من رحى بازلتية بقطر متر لكل رحى وعدد هذه الرحى اثنتان وهما موصولتان عبر محور عامودي مع شفرات حديدية تقوم المياه الساقطة بتحريك الشفرات ثم تدوير الرحى وتجري تغذيتها من خلال عنبرين يملأن بالقمح أو الشعير ويجري سكبهما ضمن فتحة في الرحى ويجري ضخ المياه للطاحونة من النبع فوراً عبر مسربين بطول 15 متراً منقوشين في الحجر البازلتي الأسود ومهمتهما سحب المياه من رأس النبع مباشرة لتشكيل مسقط مائي يستفاد منه في زيادة الضغط لتدوير دولاب الطاحونة والرحى.

وتوجد طاحونة أبو قبيس ضمن بناء حجري يحوي عنبرين لتخزين القمح كما يحيط بالموقع الذي تبلغ مساحته 4 دونمات بعض الخرائب والأبنية والأساسات الجدارية والقناطر والبوابات الأثرية.

ورغم هذه القيمة الأثرية المهمة التي تمتلكها الطاحونة إلا أنها بحسب جيداء مظلوم من اهالي البلدة تعاني من إهمال كبير حيث نمت الأشجار البرية والاعشاب حولها ما أدى إلى إخفائها تماما عن عيون السياح والمصطافين فضلاً عن ترامي أحجارها هنا وهناك وتكدس الأتربة في كل مكان وبالتالي غياب هذه الطاحونة عن الخريطة السياحية لقرية أبو قبيس.
وتلفت محاسن صالح إلى أن وجود طاحونة مائية ذات طابع أثري في قلب بلدة أبو قبيس المصنفة سياحياً يشكل عاملاً مهماً لزيادة أعداد السياح والمصطافين داعية دائرة آثار حماة إلى القيام بكل ما يلزم لتنفيذ أعمال تعزيل واسعة لمحيط الطاحونة من الأتربة ومن الأشجار التي أخفت معالمها ومن ثم وضع دراسات لمشروع إعادة ترميمها لإظهارها وإبرازها مع تزويدها بكل وسائل الشرح والإيضاح التي تبين آلية عملها أمام زوار المنطقة.

دعوات أهالي المنطقة تقابلها تأكيدات دائرة آثار حماة بأنها تقوم بكل ما يلزم للاهتمام بهذا الموقع الذي يضم رموزاً أثرية كبيرة من خلال إيقافها لجميع المشروعات المخططة والتي كانت تقضي بإنشاء خزانات لتجميع مياه الشرب خوفاً على الآثار مبينة على لسان رئيس الدائرة عبد القادر فرزات أن هذه المنطقة سيتم إدراجها مستقبلاً على خارطة التنقيب عن الاثار في محافظة حماة.


سانا

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق