تجليات الواقع الراهن في عروض مهرجان المونودراما في اللاذقية

13 كانون الأول 2012

.

تتنوع العروض المسرحية في مهرجان المونودراما المسرحي المتواصل حاليا في اللاذقية لتشمل تجارب متنوعة تتفاوت بين التقليدية والحداثية حيث يطرح في المهرجان أكثر من نهج تجريبي على مستوى الكتابة المسرحية او الروءية الاخراجية الى جانب مناخات السينوغرافيا المتعددة وربما يكون الاهم في هذه العروض هو الاقبال الكبير عليها من قبل جمهور لم تردعه الظروف الحالية من مواصلة ارتياد المسرح ما يحمل في طياته الكثير من بشائر الخير على المستويين الثقافي والاجتماعي.

وكانت فعاليات المهرجان تضمنت عرضا مسرحيا لفرقة طائر الفينيق من طرطوس بعنوان ورشة رجالية من تأليف واخراج الفنان فؤاد معنى وتمثيل الفنانة سناء محمود حيث يتناول العمل حال المرأة في العديد من المجتمعات العربية ومعاناتها المستمرة في ظل مجتمع ذكوري يتسبب لها على الدوام بصراعات مريرة على المستويين النفسي والمادي حيث التركيز على جملة التفاصيل الدقيقة التي تعكس العوالم الداخلية للأنثى في اعمق تجلياتها الروحية من عزلة ويأس وانكسار.

في هذا السياق أوضحت الممثلة محمود ان العمل يستلهم فكرته من أرض الواقع المعاش في جل المجتمعات الشرقية وان كان لدى البعض رؤى مختلفة حول التطور الذي استطاعت المرأة انجازه في ميادين عديدة خلال العقود الاخيرة من الزمن الا ان هذا لا ينفي ان المرأة ما زالت تعيش تحت سلطة ذكورية تتبدى في مختلف مراحلها الحياتية اما النساء اللواتي كان لهن الحظوة في حياة اكثر توازنا فهن حالات فردية لا اكثر.

وأشارت الفنانة محمود إلى أن الطرح الموضوعي في جوانب أخرى جريء جدا استدعاه المشهد الاجتماعي العربي عموما والذي يؤكد على حضور الانسان المغتصب في فكره وارادته وكل ما يملك في مواجهة طرف آخر موجود على الدوام في الجهة المقابلة وهو الإنسان الفاسد الذي يستبيح كل القيم والاخلاقيات والفضائل لتحقيق مصالحه ورغباته الخاصة دون النظر الى احقية الآخر في عيش كريم.

وقالت.. المونودراما فن صعب للغاية وهذه هي تجربتي الأولى في هذا الجانب والتي اوليتها اهتماما وجهدا كبيرين لأظهر على الخشبة بهذه الصورة التي اتمنى انها قد اقنعت الجمهور وارضت شغفه بهذا الفن حيث حشدت كل ما لدي من خبرة مسرحية سابقة ومهارات ذاتية وثقافة فنية في خليط حركي روحي ومادي سكبته على المسرح أمام جمهور انتظر بفارغ الصبر حكمه النهائي على أدائي.

من ناحيته رأى المخرج والناقد المسرحي هاشم غزال ان المستوى الفني للعمل حمل مشكلة واضحة تتطلب من طاقم العمل البحث فيها ليصار إلى طرح فني قد يكون أهم بكثير مما عرض على الخشبة مشيرا إلى أن الموسيقا المختارة في العمل حولته الى استعراض عضلات موسيقية رغم اهمية الطرح وجرأته ونوعيته الا ان ثغرات واضحة في الشغل على الممثلة من قبل المخرج قد تجلت للناقد المسرحي.

وأضاف غزال ان الموسيقا جاءت مكثفة الى درجة كبيرة بحيث رافقت العرض كلمة بكلمة وحركة بحركة وهو امر غير محبب في الاشتغال المسرحي فليس للموسيقا كمؤثر مسرحي أن تستثمر لتنمية الحس الدرامي لدى الممثل على الخشبة وانما لمساعدة الحالة الدرامية العامة في العمل فلا يجب تهيئة الممثل عبر الموسيقا للدخول في الحالة المطلوبة.

وقال المخرج غزال بدلا من ان تكون الموسيقا عاملا مساعدا للحبكة المسرحية جاءت كعامل معطل فلم يتم استخدامها كخلفية كما هو معتاد انما أتت في صيغة مماثلة لصيغتها في الدراما التلفزيونية وقد يكون المخرج قد حاول تكريس شكل من أشكال التجريب المسرحي الامر الذي يحتمل نقديا وجهات نظر متعددة يعود للمتلقي تحديد اكثرها صوابية وتوفيقا.

وتضمنت الفعاليات كذلك عرضا مسرحيا آخر قدمه فرع نقابة الفنانين في المحافظة تحت عنوان (الثرثرة الأخيرة للماغوط) من تأليف الأديبة كلاديس مطر واخراج فائق عرقسوسي وتمثيل سهيل حداد.

ويتناول العمل الواقع السوري الراهن من وجهة نظر تخيلية للأديب الراحل محمد الماغوط الذي يفترض النص عودته لبرهة من الزمن إلى الحياة الدنيا ليرى ما آلت إليه الحال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تحت وطأة الأزمة الحالية وما طال شبكة العلاقات الانسانية في ظل التجييش البغيض على كل المستويات كما يضيء العمل المسرحي على جملة الهموم والهواجس والمشكلات التي يعيشها الانسان السوري في هذه المرحلة الدقيقة وما يمكن ان يتشظى عنها لاحقا من أزمات أكثر عمقا واتساعا بفعل الإرهاب الفكري والمادي المسلط على الانسان السوري.

وحول أسلوب العمل من الناحية الإخراجية أوضح عرقسوسي ان الشغل الشاغل لأي مخرج يتمثل عادة بتحويل النص المقروء إلى عرض مشاهد يؤهل لاكتساب قدر من المصداقية والديمومة والقدرة على الاستمرارية والتواصل مع الاخر في حين تتصل العناصر الاخراجية الأخرى بالحالة العامة للعرض.

واشار عرقسوسي إلى انه تم استثمار العناصر الاخراجية الاخرى في هذا العمل تحديدا بما يتواءم والمستوى النفسي للماغوط من حيث ذكرياته وأفكاره وأحلامه والشخوص التي عبرت في حياته لاسيما زوجته الاديبة الراحلة سنية صالح وكان لا بد من استحضارها مجتمعة في العرض ليتم دعمها بمفردات سينوغرافية مدروسة كانت على ذات الاهمية والتأثير وشاركت الممثل المهمة ذاتها التي قام بها على الخشبة.

ولفت المخرج إلى ان كل متفرج شكل جزءا حيويا من العرض نظرا لخصوصية النص وللتقاطع في الهم المطروح بين الممثل والمتلقي اللذين يعيشان الواقع نفسه مشيرا إلى أن صالة المسرح غصت بالمتفرجين على مدى ايام العرض رغم الأوضاع الراهنة ما يؤكد ان رغبة السوريين بمواصلة الحياة هي أكبر وأقوى من كل هذا الدمار.

أما الممثل سهيل حداد بطل العمل فقد اكد ان أداءه خلال العرض كان ابعد ما يكون عن التمثيل المسرحي الذي اعتاد عليه لسنوات حيث وقف في هذا العمل تحديدا على الخشبة لينقل حالة انسانية بعفوية كاملة على مستوى الاحساس الفطري النابع من صميم معاناته كإنسان سوري يعيش هذه الحرب الشعواء التي انطلقت ضده من كل اصقاع العالم مؤكدا ان بكاءه المرير على الخشبة كان بكاءحقيقيا تماما هذه المرة.

وأضاف حداد أن العمل يلامس نبض الشارع السوري اليوم بكل زواياه واتجاهاته واطيافه وهو امر مطلوب من كل المسرحيين والعاملين في الشأن المسرحي ليقدموا واجبهم الابداعي في هذه الظروف الدقيقة حيث يجب على كل انسان سوري انطلاقا من موقعه ان يعبر اليوم عن عشقه الخالص لوطنه ايا كان انتماؤه او اتجاهه السياسي لان حب الوطن هو الطريق إلى الخلاص من هذه الفاجعة التي المت به وقال الممثل.. اردنا رغم الالم والوجع المحيطين بنا ان نزرع من خلال هذا العرض حبة حنطة عساها تتحول غدا إلى سنبلة مباركة تسكب على أرواح السوريين ما افتقدوه من صفاء ونقاء والفة كانت هي ديدنهم على مدى العصور فهي دعوة لكل سوري للوقوف مع ذاته ولو للحظة يسأل نفسه فيها عن الذي أوصلنا إلى هذه الحال وينظر في كل الاتجاهات ليدرك ان علينا ان نحب سورية أكثر وأكثر لتنتفض كطائر الفينيق مرة اخرى من رمادها.

وتابع حداد.. أنها دعوة لمزيد من الحب لهذا الوطن في موته وفي قيامته فنحن لا شيء من دونه وهو لا شيء من دوننا وقد شعرت بأن الجمهور كان واعيا لكل ما نقدمه لأننا نعبر عن احساسنا الصادق بكل ما فيه من وجع وحرقة فكان للصدق ان يوصل مقولتنا بسرعة إلى كل متفرج.

وجاءت سينوغرافيا العمل لتشكل صدمة بصرية الى حد ما للمتفرج من خلال صورة جنائزية عامة يتفاعل الفقدان في كافة تفاصيلها لتعكس هذا الكم الهائل من الموت المنتشر حاليا في عديد المناطق والمدن السورية بفعل الارهاب الاعمى وهي روءية تم استلهامها بطبيعة الحال من مجريات النص ومن الطرح الاخراجي للعرض على حد سواء لمساعدة الممثل على تكريس رؤيته البصرية والانتقال براحة من مكان الى اخر ومن صيغة إلى اخرى وبالتالي المساهمة في رسم صورة حركية مناسبة لمقولات النص الرئيسية.


سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق