قراءة في قصيدة «لا وقت إلا للحياة» بثقافي جرمانا

14 تشرين الثاني 2012

.

قصيدة "لا وقت إلا للحياة" محور مجموعة الشاعر نزار بريك الهنيدي وعنوانها استطاعت أن تحقق وجودها نظراً لوحدة الموضوع وقوة تماسكه ووحدة المشاعر التي كونت موضوعاً شعرياً مؤسساً على موهبة لعبت النفس المتفاعلة مع المستقبل والحاضر دوراً فيما بني من تراكيب قوامها المنظومة الأخلاقية عند الشاعر إضافة إلى الموهبة التي كونت حالة إنسانية راقية بعيدة عن الزمان والمكان.

وقال الناقد غسان غنيم في قراءة نقدية ضمن ثقافي جرمانا: استخدم الشاعر هنيدي شخصيتين أساسيتين في القصيدة الأولى تبتدئ بحضور ضمير المتكلم الثانية متمثلة بالطفل الذي ما زال يلاحقه ليعيد إليه ذكرى مآس ما زالت تلاحقه فيداري ثم ينفر منها إلى أن قرر شطبها وشطب سجلها من حياته ليتفرغ للحياة وجعل هذا الطفل أداة حوار حقيقية.

وأضاف غنيم أن مثل هذه الحوارية شكلت ضرباً من ضروب الإيقاع الكثيرة التي لحقت بها القصيدة مبيناً أن اللغة عندما تكون انفعالية فإنها تميل بشكل طبيعي إلى أن تكون إيقاعية تتناوب فيها فترات السكون والحركة وهذا ما يحقق موسيقا القصيدة التي شكلت معلماً حقيقياً فيها فبعيدا عن الوزن الذي قام على تفعيلة "متفاعلن" امتلك الشاعر أدوات الموسيقا الشعرية كافة ومن ذلك الروي حيث كرر اللجوء إليه منذ بداية القصيدة في مقطعها الأول "الطريق.. للطريق.. البريق.. عتيق.. لا أطيق.." وغيرها كما شكلت القافية دلالات جزئية تتناسب مع كل مقطع بما يحمله من دلالات ومعان.. كما أضفت جمالاً موسيقياً إلى القصيدة.

وأوضح الناقد أن القصيدة جسدت ملحمة حياة الشاعر التي لخص فيها بتكثيف الشعر كل مراحل العمر ومعاناته كما وضع فيها ما اختبره من تجارب عايشها أو عاشها فوق الورق وثبت فيها خلاصته التي يراها في الكلمة وفي الشعر الذي فيه الخلاص والفرح فالقصيدة هي المعادل الموضوعي والجمالي للشاعر هنيدي في حياته وشعره وسيرته إنساناً وشاعراً وبطلاً تراجيدياً انتصر على مصيره.

بدوره قال الشاعر راتب سكر إن ما توحيه قصيدة "لا وقت إلا للحياة" بانكشافها على جوانب من سيرة الشاعر هنيدي لا يتعارض مع اندغام شخصية النص بجوهر مطلق فما يكشفه الشاعر من مكابدات في سيرته يؤكد اعتقاده بجوهر إنساني مطلق محكوم بعذابه القدري فتبدأ القصيدة باستحضار لوحة التكوين الأولى في حياته مكتشفة التشكل النهائي لملامح الإنسان التي تفاجئ القارئ بتحولها إلى جوهر غير متبدل ما دامت مواجهاتها لتحديات الأزمنة المتلاحقة تذكر أصحابها بكينونتهم الأولى.

وبين رئيس تحرير مجلة التراث العربي أن نظرة الشاعر إلى الظالمين هي نظرة كبرياء سامية تنظر باحتقار إلى الخصوم الظالمين وفيه أشد ادعاء من الشاعر بأنهم يواجهون منه بقايا ما دامت معركته الحقيقية سابقة لما بدر منهم وهي طريقة تصور أشكال الصراع الاجتماعي مع الظلم.

من جهته أوضح الناقد عاطف بطرس أن هذه القصيدة لا تسلم نفسها من القراءة الأولى فهي متعددة الطبقات وتحتاج إلى حفر منهجي لكشف دلالاتها المتعددة فهي إضافة إلى بعدها السيري نجد فيها المضمر الجمعي عبر تجلي الفردي فقد بدأت القصيدة بـ"نا" الجمعية ثم انتقلت إلى "الانا" الفردية لتعود مرة أخرى إلى الـ"نا" الجماعية في حالة من الاندغام وذوبان الفرد في المجتمع.

وقال بطرس: هذه القصيدة دعوة إلى الحياة وتضمر أكثر مما تعلن ولعل من أهم خصائص الشعر أنه يعد بأكثر مما يقول ويوحي أكثر مما يعلن فدعوة هنيدي مطلقة من التحديد فزمن الشاعر يصنعه بنفسه فهو لا يسير على طرق مفروضة عليه لأن جوهر الإنسان يقوم على المفرد المتعدد والمؤتلف المختلف.

وختمت الأديبة نبوغ أسعد أن هذه القصيدة قادرة على تحريك المشاعر داخل النفس الإنسانية التي ذبلت إذ استطاعت أن تحرك الأشجان الحزينة فآثرت إلا أن تذرف الدموع المختبئة على شواطئ الروح العطشى لنرى في القصيدة أشياء فنية عادت لتظهر من جديد مخففة ذلك الألم بعد تراكمات الغبار الخفية التي اندثرت في قلب الوقت الضائع الذي مر على جرح الحياة.

وقالت أسعد: هذه قصيدة تنبش الألم وتتعامل معه بكبرياء بغية الوصول إلى الأمان وهي مليئة بالشفافية والإحساس المرهف الذي استطاع الهنيدي أن يتعامل من خلاله مع المتلقي بشكل صادق.


سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق