مهرجان القلعة والوادي يكرّم قبطان الرواية السورية حنا مينة
11 08
تَقلَّد سيفاً.. وزرع الياسمين للذكرى
مُدخّناَ شرهاًً، خجولاً أمام كاميرات التصوير أو غير مكترثٍ بها، صامتاً ومطرقاً في الأرض لا يأبه بكلّ كلمات المديح، لم يقم بأي فعلٍ غير التدخين ورد التحية لمستقبليه بخجل، هكذا بدا «حنا مينة» للوهلة الأولى ليلة تكريمه في 9 آب 2008، بـقرية رباح ضمن فعاليات مهرجان القلعة والوادي للثقافة والفنون بمحافظة حمص.
لكن هذه الصورة تغيرّت كلياً عندما توجه بالحديث إلى الجمهور المحتشد لتكريمه، فالحيوّية أشعّت من عيني ابن الرابعة والثمانين، ونبرة الصوت بدّت قوية واثقة لم ترهقها سنوات العمر الطويلة.
حنا مينه الذي خلق شخصيّاته من واقع الحياة لا من محض خيال كاتب، وطالما تحدّث عن الناس وبلسانهم بدا في أحسن حالاته عندما تحدّث لهم عن حياته، وكفاحه الطويل من أجل نُصرة الإنسان في وجه الظلم، وكتاباته وشخصياته، وعن من؟ ولمن يكتب؟ في ندوة أدارها د.راتب سكر وتحدّث في مستهلها عن حنا مينه الأديب والإنسان ووصفه بعرّاب الفرح الإنساني الأكبر، فمعظم شخصياته من الناس البسطاء التي تحارب الشقاء وتنتصر عليه، وتُقدّم أمثولةً عن الأمل، ولهذا السبب اختاره الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ عندما سألوه: «لو لم تمنح لك جائزة نوبل فمن الروائي الذي تراه مناسباً لهذه الجائزة؟».
قال حنّا مينه مخاطباً جمهور قرية رباح: «ولدت في قلب الشقاء، حاربته وانتصرت عليه، عندما تمنّت أمي أن تنجب ولداً بعد ثلاثة بنات قالت: "يارب ارزقني صبياً كيف ما كان يكون"، وها أنا عشت ومازلت أعيش "كيف ما كان يكون"، أنا لم آتي لأكتب للتقدميين، ولكنني جئت لأكتب للفقير، وكرست حياتي لنصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض».
واضاف حنا مينه «كتاباتي تُدرّس في العديد من جامعات العالم لأنها تنبض بالحقيقة المقرونة بالأدلة، من الجميل أن نكافح من أجل الوطن والشعب، وأنا كافحت عمري في سبيل الوطن والشعب، الشجاعة في نظري هي صمود الخوف، أنا الذي خلقت شخصيّة "الطروسي" في رواية "الشراع والعاصفة" وتعلمت منه أن الحياة كفاح في البر والبحر، المسألة ليس لها علاقة بالقوة ولكن بالقلب، هل هذا القلب شجاع أم لا؟، أريد أن أقول من هذا كله شيئاً واحداَ، من له قضية في هذه الحياة فهو إنسان بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، ومن ليس له قضية يبقى تائهاً، فليكن لكل واحدٍ منا قضيّة بسيطة جداً وهي تربية وتعليم أولادنا، فلتكن قضيتنا وأهدافنا وغاياتنا في سبيل الوطن والشعب ونصرة العدالة الاجتماعية التي هي حلم البشرية أبداً»، بهذه الكلمات ختم حنّا مينة وصاياه، لجمهورٍ أتقن فن الإنصات لهذا المُعلّم الكبير، ثم فتح باب الأسئلة التي أضاءت على مجمل مسيرته الإبداعية.
«اكتشف سورية» لم يفوّت الفرصة ووجه لقبطان الرواية السورية مجموعةً من الأسئلة عن أحب الشخصيات إلى قلبه؟ ولمن يكتب حنّا مينه اليوم؟ وعن آخر رواياته؟ فأجابنا بأن أحب الشخصيات إلى قلبه هي"الطروسي" وأضاف «تعلمت من الطروسي أنه بدون الكفاح لا تكون هناك لذة في العيش أو سعادة للقلب أو لذة للروح، الناس أحبّت "الياطر" التي كتبت الجزء الأول منها قبل أربعين سنة، وأنا على أمل أن أكتب الجزء الثاني منها، وأظنني لن أكتبه بعد اليوم، أدعو لي بحسن الرحيل».
و قال مضيفاً: «أنا كنت ومازلت أكتب للإنسان البسيط بكل شرائحه العمريّة مع تبدل الزمن والظروف، حنّا مينه يتجدد ويتغير مع الظروف، ودائماً يصغي إلى نبض الشعب ومنه يتعلم، والعالمية لا يمكن أن يصل إليها أي كاتب إلا من خلال المحلية، إذا لم نفهم البيئة ونكتب لها لا يمكن أن نصل إلى العالميّة، أمّا روايتي الجديدة فقد سهرت مؤخراً ثلاثة ليالِ لإنهائها وهي بعنوان "عاهرة لا تجيد فنّ العهر"»، يختم ضاحكاً: «قد يصدمكم العنوان و لكن العهر بحد ذاته حالة إنسانيّة وله فنونه».
حنّا مينه الذي حلّ ضيفاً على قرية رباح التي ترتفع 1055م عن سطح البحر ودَّع أهلها بعد أن قلّدوه سيفاً تكريماً لإبداعاته، وزرع فيها غرسة ياسمين ليترك وراءه عبق الذكرى.
محمد الأزن
اكتشف سورية