فيلم «33 يوم» ...مقاومة لبنانية بعدسة إيرانية

15 أيلول 2012

فمن يشاهد الفيلم الذي تدور أحداثه حول الحرب الإسرائيلية على لبنان تعد به الذكريات وأفكاره إلى الأيام الماضية، أيام الدمار والدماء. يجسد الفيلم البطولات التي سطرتها المقاومة في مواجهة جيش الاحتلال والعدوان الصهيوني في بلدة عيتا الشعب الحدودية في جنوب لبنان خلال حرب يوليو 2006، واسمه مستوحى من الفترة الزمنية لهذه الحرب التي استمرت على مدى 33 يوماً. الفيلم من بطولة: بيار داغر (الذي لعب دور الإسرائيلي)، كارمن لبّس، باسم مغنية، نسرين طافش، يوسف الخال، كندة علّوش، نيكولا معوّض، والنجمة دارين حمزة (التي تتحدث العبرية بكل طلاقة)، وقد تعاونت على إعداده مؤسسة فارابي السينمائية الإيرانية ومجموعة ريحانة اللبنانية.

تتناول قصة الفيلم، مجريات الأحداث بعد العملية التي نفذتها المقاومة في تموز 2006 في أسر جنديين إسرائيليين بهدف مبادلتهما بالأسرى اللبنانيين في إسرائيل، وما تبعه من رد إسرائيلي عنيف بقصف هستيري طاول العمق اللبناني فضلاً عن المناطق الحدودية، ومحاولة الجيش الإسرائيلي الدخول إلى بلدة عيتا الشعب بقيادة العقيد آفي (بيار داغر)، الذي يحمل ذكريات أليمة مع أهالي البلدة التي كان موجوداً فيها منذ ما قبل انسحاب جيشه في عام 2000. من الجهة المقابلة، نرى محمد سرور (باسم مغنية)، الذي ينتظر مولوده الأوّل، ويوسف دهيني (يوسف الخال)، الذي تباغته الحرب في يوم زواجه، وهما يقودان المقاومة لمنع احتلال عيتا.

لم تكن أحداث الفيلم كما هو متوقع، فالفيلم اختصر معاناة شعب وصموده لمدة 33 يوماً ببضعة أيام من معارك عيتا الشعب، القرية الجنوبية التي شهدت أعنف المعارك مع العدو، إضافة إلى اختصار أكبر عملية قام بها العدو لتصفية المقاومة في لبنان بعملية انتقامية من القائد الإسرائيلي تجاه أم عباس (كارمن لبّس)، التي تريد بدورها الثأر منه لمصرع زوجها وولدها.

لم يحمل الفيلم أي جديد في عالم السينما، إن كان من ناحية السيناريو أو حتى الأبطال الذين شاركوا فيه، لكن المخرج عرف كيف يركّز على الصورة الجميلة التي تتمتع بها أراضي جنوب لبنان، وكذلك العادات والتقاليد التي لا تزال راسخة في تلك المناطق التي عرفت طعم الاحتلال جيداً. ولكن كان على المخرج أن يشدّد على السيناريو والحبكة ويحررهما من التقليدية، فالحرب واحدة والنتيجة أيضاً واحدة ومعروفة سابقاً، وبالطبع كانت النهاية ذاتها وهي الانتصار والشهادة. ورغم أن المخرج حاول تقديم بعض المشاهد التي تظهر المغاور التي استـــعملها المقاومون، وحاول استعراض السلاح الذي فتك بالميركافا، لكنه لم يركز كثيراً على القصص اليومية في عيتا الشعب خلال مجريات تلك الحرب، ولم يستفد كثيراً من العدد الكبير للكومبارس، إلا في مشهد النزوح من القرية.

كما حاول المخرج إثارة الجمهور من خلال لعبه على وتر العاطفة عبر المشاهد المؤثرة، وطريقة استشهاد بعض المقاومين، وإظهار التعاون والتضامن بين المسلمين والمسيحيين، ليختم عمله بمقتل الضابط الإسرائيلي الكبير، وتدمير دباباته، والفتك بجنوده. صحيح أن الفيلم لم يضف جديداً إلى عالم السينما، ولكن يمكن متابعته، وخصوصاً من أولئك الذين يحبّون أجواء الحرب، ويشعرون بالحاجة إلى تذكرها كل فترة كي تبقى درساً يتعلّمون منه الصمود والتضحية. تجلت ضخامة الإنتاج، التي تكلم عنها منتجو الفيلم، في مشاهد قصف وتدمير إسرائيلي للقرية اللبنانية الصامدة، حيث تم بناء قرية بكاملها طوال 7 أشهر من أجل قصفها وتدميرها خلال ساعات، على حين غابت الضخامة عن حبكة الفيلم التي حرمنا فيها من مشاهدة المعاناة الحقيقية للأهالي.

هنا، لا نقلل من أهمية الفيلم وضخامة الإنتاج، لكن الإنتاج الضخم والأسماء الكبيرة في التمثيل كان يجب أن تترافق مع قصة أشد رهافة وعمقاً وشمولاً لجوانب الحرب القاسية وعذاباتها، حيث لم يُوفق كاتب السيناريو في حبكته الدرامية، أو في حواراته، على الرغم من أن المجال كان واسعاً أمامه، وخصوصاً أن الأرض التي يتعاطى معها أرض خصبة، فيها آلاف القصص والروايات. من غير المعقول مثلاً تناول حرب تموز من دون ذكر بعض الإشارات والدلالات، كالحديث عن دمار الضاحية الجنوبية لبيروت وتشريد آلاف الجنوبيين، وكذلك الحرب الإعلامية بين العدو والمقاومة، أو رصد بعض المواقف السياسية المحلية أو العربية. من الواضح أن القيمين على الفيلم أرادوه أن يحاكي مشاعر الناس بالصورة، بعيداً من الكلمة، وقد نجحوا في ذلك، فركزوا على مشاهد القصف والدمار الحقيقية، وأهملوا الحوارات لمصلحة «الإنتاج الضخم».

مهما يكن فإن من أبرز النقاط الإيجابية في الفيلم هي طريقة تعامل الممثلين مع أدوارهم، إذ أتقنوها – لوجه الغرابة - في المشاهد الجماعية، لكنهم لم يرتقوا إلى المستوى المطلوب في المشاهد الثنائية، فظهر عدم الانسجام أحياناً أو التوتر في التعاطي مع الحوار والتفاعل فيما بينهم.

من المهم الإشارة إلى أن مشاركة الفنّانتين السوريتيْن نسرين طافش وكندة علوش (بلكنة لبنانية جنوبية) أضفت قيمة نوعيّة على العمل الفني الضخم، وذلك إلى جانب ممثلات وممثلين آخرين قديرين مثل اللبنانية كارمن لبّس. كما نجح أولئك الذين مثّلوا باللغة العبرية، فأتت مشاهدهم مقنعة إلى حد كبير، حيث أجادت الممثلة دارين حمزة في دورها إلى جانب بيير داغر. هذا، إضافة إلى إتقان الجوانب التقنية من خلال الاستعانة بطاقم عمل إيراني محترف في الديكور والمكياج، ما أعطى الثقل الأعظم للفيلم. لذلك، وعلى الرغم من كل الملاحظات السابقة، فإن فيلم «33 يوماً» يؤسس لنقلة نوعيّة في الإنتاج السينمائي اللبناني مستقبلاً، ويُسجَّل لهُ أنه ركّزَ على الجانب الإنساني والعاطفي في حياة المقاومين إلى جانب العمل المقاوِم، وهذا ما كنّا نفتقده في أعمال فنيّة سابقة.


صحيفة الوطن

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق