الملتقى العالمي الأول للنحت بدمشق

06 08

جولة على أعمال النحاتين السوريين المشاركين

طيلة شهر تموز2008 التقى نحاتون من سورية والعالم على أرض مدينة المعارض القديمة في الهواء الطلق، ليصوغوا إبداعاتهم ورؤاهم الفنية الخاصة ابتدءاً من كتلٍ رخاميّة صمّاء كبيرة الحجم، تحوّلت بين أيديهم إلى منحوتاتٍ تضج بالحياة والحركة، انطلاقاً من تجارب خاصّة تبلورت عبر رصيدٍ متراكم من العمل والاحتراف في هذا المجال، ومذاهب عالمية في النحت حولتّها الدراسة والبحث الدؤوب إلى بصماتٍ جماليّة ميّزت جميع أعمال النحّاتين المشاركين، لتكون دمشق بطبيعتها وتفاصيلها المعماريّة وخصائص أهلها هي المظلة الأكبر لموضوعاتهم.
الملتقى العالمي الأول للنحت بدمشقملتقى النحت العالمي الأول بدمشق الذي اختتم أعماله في 31 تموز 2008، شارك فيه عشرون نحاتاً من استراليا، وكوريا، وإيران، واليونان، وبلغاريا، وألمانيا، وإسبانيا، والمغرب، ومصر، والبحرين، وفلسطين وسورية، وكان حجم المشاركة السوريّة في الملتقى هو الأبرز من حيث عدد النحاتين المشاركين وتنوع المدارس التي ينتمون إليها، والتي تحوّلت عبر التجربة والدراسة والعمل البحثي إلى اتجاهاتٍ فنّية خاصة بدأت تتردد أصداؤها في العالم، نذكر في هذا المجال الحدائق النحتية التي أبدعها النحّات السوري أكثم عبد الحميد في إسبانيا، ومنحوتات مصطفى علي المنتشرة في العديد من بلدان أوربا، لا سيما منحوتته الأخيرة التي أخذت مكانها على أحدى شرفات معهد العالم العربي بباريس بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيسه، وكذلك أعمال النحات السوري أبي حاطوم الذي يُشرف بشكلٍ دوري على تنظيم أكبر ملتقى نحتي في العالم بدبي، يضم ستين نحاتاً على الأقل.
أكثم عبد الحميدفي اليوم الأخير لملتقى النحت العالمي بدمشق جال «اكتشف سوريّة» بين إبداعات النحاتين المشاركين، لاسيما السوريين منهم واستكشفنا معهم جماليّات منحوتاتهم ودلالاتها. أكثم عبد الحميد -المشرف على تنظيم الملتقى- قال: «منحوتتي تتناول التراث في ظلّ الهجمة الثقافيّة التي تتعرض لها بلداننا وحالة إلغاء الآخر، تناولت هذا الموضوع من خلال العباءة العربيّة، حيث تتلاقى مجموعة سطوح لتشكل العباءة على شكل إمرأة»مصطفى علي
أما مصطفى علي فأعتبر منحوتته صرحاً حوارياً بين الغيم والمادة القاسية ، حيث قال: «فكرة المنحوتة تدور حول علاقة الغيمة بجبلٍ شامخ، وتتداخل معه بزوايا حادة لتسقط المطر، هذه الفكرة هي نوعٌ من الرغبة بالمطر في وقتٍ تعاني فيه بلادنا وخاصة دمشق من شحّ المياه، هذا العمل فيه تداخل بين السماء والأرض، بنيته من مجموعة سطوح ومساحات بسيطة، تتداخل فيها السماء مع العمل، حيث يبدو الفراغ المحيط بالشكل فراغ أثيري»
أبي حاطومأما أبي حاطوم فقال:  «أنا أعمل على الصيغة، أنشيء وحدة مفهومة وأميل إلى تجرديها وتكرارها، وألعب لعبة الضوء بحيث يتحرك شكل العمل مع حركة الضوء، لا أميل إلى تلميع الحجر بشكلٍ زائد، أركز على فكرة الضوء ولا أنقص عبد الرحمن مؤقتكتلة الحجر كثيراً. يمكن أن تعتبر منحوتتي موجة أو مقرنصات».
وقال عبد الرحمن مؤقت: «أنتمي للمدرسة التجريدية البنائية، فمنحوتتي مُشكلة من حرف النون أو الهاء الذي أخذ شكل الضوء المنبعث من الشمع. هي في النهاية رمزٌ ثقافي يربط بين الشمعة، والنور، والثقافة، ودمشق».محمد بعجانو
محمد بعجانو قائلاً: « تُعبّر منحوتتي عن حبي لدمشق كرمزٍ لكل مدن بلاد الشام، وضعتها في أعلى العمل، ووضعت ما يُمثّل ماء نهر بردى وانعكاس الضوء على الحيوانات والنباتات. تُشير هذه المنحوتة في النهاية إلى الحياة، ويتجلى فيها تأثري بكل الحضارات التي مرّت على سورية خاصة الهلنستية وصولاً إلى أسلوبي عماد كزحوتالخاص، ولجأت هذه المرّة إلى التطعيم بورق الذهب كنوعٍ من التوابل التي تشد المتلقي».
عماد كزحوت قائلاً: «منحوتتي تعبيرية تمثل دمشق الأسطورة. جسد امرأة تحتضن الجميع بحركةٍ دافئة تشير إلى احتضان دمشق لكل العالم، وفي الجزء العلوي نحتت وجهين سوريين فيفؤاد أبو عساف حالة تآلف يمثلون المجتمع السوري الذي تسوده الألفة، وفي أعلى العمل يوجد طائري يمام كرمزٍ للسلام».
فؤاد أبو عساف قائلاً: «عكست في موضوع العمل الذي نفذته،الأسلوب الواقعي التعبيري الذي أنتمي إليه، فمنحوتتي تُعبّر عن العلاقة بين الذكر والأنثى؛ الذكر يحتوي الأنثى، هذا هو الموضوع ببساطة، ولا يحتمل صياغات أدبيّة أكثر».إياد بلال
إياد بلال قائلاً: «عملي في هذا الملتقى هو جزءٌ من بحثي المستمر عن آفاقٍ جديدة في الفن التشكيلي، اعتمدت في هذه المنحوتة على التكوين العمودي القاسي، وتكوينات أفقيّة تمس الإنسان. العمل هو عن المدينة والإنسان، لخّصت فيه العمارة والبيوت، وجعلت من الإنسان عنصراً أساسياً وحيوياً، أما التطعيم باللون الأزرق فهو رسالةٌ إلى حضارةٍ امتدت إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث كان هذا اللون مقدّساً عند السومريين والآشوريين».
بعد جولتنا على أعمال الفنًانين السوريين المشاركين في ملتقى النحت العالمي بدمشق لا بدّ لنا من الملتقى العالمي الأول للنحت بدمشقالتوقف عند آراء أحد النقاد بالملتقى عموماً، والأعمال التي نفّذت فيه: عبد الله أبو راشد -فنّان وناقد تشكيلي- و عند سؤالنا له عن الملتقى: «ملتقى النحت العالمي بدمشق لفتةٌ ذكية ومهمة. من المهم جداً أنه نُفّذ في الهواء الطلق لكي يتسنى للمتلقي على مدى شهرٍ كامل معرفة مراحل خلق العمل النحتي، حيث يتشكل كل شيء أمام عينيه وصولاً على الشكل النهائي للمنحوتة. في ختام الملتقى بدا واضحاً انقسام النحاتين إلى مجموعتين فالأولى التزمت أكاديمياً ومهنياً بتقاليد النحت وأصوله، والمجموعة الأخرى آثرت أن تدخل مرحلة الحداثة والمعاصرة من خلال إبراز قدراتها في تكنيك العمل النحتي».
وأضاف أبو راشد: «الفنّانون الذين شاركوا في الملتقى من أشهر نحاتي سورية والعالم ولكل واحدٍ منهم بصمته الخاصّة، الحكم على الأعمال المنفّذة بمعناها الأكاديمي المهني يقودني للقول بأن بعض النحاتين وفقوا في إطار مفهوم النحت بالتعامل مع الكتلة، والفراغ، والمعنى، وآخرون اعتمدوا على التكنيك الذي يُقسّم الكتلة إلى أشكالٍ هندسية متداخلة متوازنة رتيبة الإيقاع وفقاً للنمط الملتقى العالمي الأول للنحت بدمشقالسائد فيما يعرف بمرحلة الحداثة. من الأعمال التي لفتتني بشكل شخصي منحوتة الفنّان الاسترالي فرانكو داغا الذي كرّس في منحوتته فكرة اللغة العالمية للفن، حيث شمل عمله تأثيرات من المنحوتات السوريّة القديمة ذات الطبيعة الأسطورية، التي تستنهض الحريّة بشكلها، ووضع منحوتته برسم حالة التفاعل الثقافي بين سوريّة والعالم، ولفتتني أيضاً منحوتة الفنان الفلسطيني زكي سلام الذي قدّم العائلة الفلسطينية متجهة نحو وطنها المأمول بشيءٍ من التعبيرية والحس العالي واللغة المفهومة من أي متلقي».
وفي الختام، عشرون منحوتة منها ثمانية لفنّانين سوريين، هي حصلية الملتقى العالمي الأول للنحت، سيتم توزيعها في مرحلةٍ لاحقة على ساحات دمشق وحدائقها كهدية لهذه المدينة بوصفها عاصمة الثقافة العربية 2008، وستة من هذه المنحوتات على وجه الخصوص ستتقاسمها الأعين في حدائق دار الأسد للثقافة والفنون.


محمد الأزن

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق