القصة القصيرة: لون من ألوان السرد الأدبي الحديث وواحة للتنوع والجمالية
09 نيسان 2012
.
ويختلف معهم آخرون بالقول انها نموذج مصغر للرواية طغى في مرحلة من المراحل لتسهيل عملية القراءة والحد من سلطة السرد الأدبي الطويل إلا أن القصة القصيرة وبكونها جنسا أدبيا مستقلا بذاته تتمتع بنماذجها الخالدة في تاريخ الأدب العالمي بالتكثيف والتشويق والغرابة والجمالية وبقدرتها على المواربة في طرح مشكلات يعاني منها الإنسان.
يرى الكاتب محمد أحمد العبد الله أنه ربما لا يوجد تعريف واضح ومحدد لفن القصة فالقص في جوهره وجهة نظر ذاتية وموقف من الحياة ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم تلاقوا على أنها نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثًا وقع أو يمكن أن يقع أو هي حكاية خيالية لها معنى ممتع بحيث تجذب انتباه القارئ وعميق بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية.
ويضيف العبد الله ..القصة تشبه الحكاية الشعبية من حيث المبدأ إلا أنها أكثر عقلانية فما نراه في الحكاية الشعبية نراه بوضوح أقل في الأعمال القصصية المألوفة رغم أن وجهي العمل من حبكة وفكرة رئيسة قريبان جداً من بعضهما لكن الحكاية الشعبية قصة مجردة تستطيع شخصياتها أن تقوم بما تريده أما القصة فان شخوصها تؤدي أعمالها كما أراد لها القاص.
ويذكر العبد الله أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قال موباسان .. هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثا معينا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده وربما كان هذا هو أهم اكتشاف أدبي في العصر الحديث لأنه يلائم روح هذا العصر حيث إنه الوسيلة الطبيعية للتعبير عن الواقعية التي لا تهتم بشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة.
ولا يمكن تحديد الموطن الذي نشأت فيه القصة القصيرة فالقصة كانت دوما في وجدان الإنسان حتى صارت جنسا أدبيا متميزا ونظر النقاد والأدباء لهذا الفن وأصلوه وفي منتصف القرن التاسع عشر وعندما بدأت موجة الترجمات عن الغرب حدث تفاعل وتلاقح نتيجة الاطلاع على هذا المنجز الذي أضاف شيئا ما ولا شك للبنية الفكرية العربية التي كانت تعيد تشكيل وعيها بعد فترة طويلة من السكون.
وفي النصف الأول من القرن العشرين توضحت بذور القصة القصيرة في سورية ونشرت مجموعات منها وأسهمت الصحافة في هذا الأمر وإن جاء بعضها تحت اسم مقالة أو خاطرة وفي ستينيات القرن الماضي كانت القصة القصيرة في سورية قد وصلت الى نموذج أدبي متطور ساهم في وجوده عدد من الأدباء أمثال زكريا تامر،وليد إخلاصي، حيدر حيدر، سعيد حورانيه وغيرهم.
ويرى العبد الله أن القصة القصيرة يجب أن تتميز بوحدتها الفنية التي لابد منها كما أنها لا تحتمل غير حدث واحد وربما تكتفي بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث تم بالفعل أو متوقع حدوثه حيث يبدأ بناء القصة القصيرة مع أول كلمة ومعها يشرع الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه.
من جانبه قال الكاتب مفيد أحمد إن بدايات القصة السورية تقليدية من حيث الشكل والمضمون وكان ذلك طبيعيا في ضوء معطيات الزمن الذي بدأ فيه روادها بمحاولاتهم الأولى وهو فترة الثلاثينيات من القرن الماضي والقصص التي شكلت تباشير القصة السورية سعت إلى محاكاة الغربية المترجمة التي تأثرت بها شكلا واقتبست موضوعاتها مضمونا مع إضفاء صفة المحلية ما أمكن عليها.
ويرى صاحب ثلاثة نداءات وتصبح نجمة أنه لم تقتصر المواضيع المعالجة على ذلك بل رفضت القصة مواضيع من الموروث الحكائي المحلي و بدأت بإيجاد مواضعيها المستقلة واستمر هذا التأثر في مواكبة التطور حيث بدأ الشكل يميل الى التأهل السردي التزييني وبدأت المواضيع المعالجة تمس الهم المحلي وذلك تأثرا بالتطورات الاجتماعية و السياسية.
ويضيف أحمد.. استمر تطور القصة السورية للتخلص من الخطاب الإنشائي الوعظي والوضعي وذلك بسرد جمالي شكل حاملا اخباريا جماليا للمتلقي ولم يقف الامر عند هذا بل برزت محاولات التحرر النهائي من أسر الشكل والدخول في رحاب النص المفتوح الذي يحمل ما يحمل من مختلف الأجناس كان ذلك في الثمانينيات حيث هناك الكثير من التجارب الحداثية بتطوير تقنيات القص التي مرت بها القصة السورية وشكلت منعطفات في مسارها موضحا أن هذه التجارب أتت من كتاب في ظروف مختلفة منهم عبد السلام العجيلي وفارس زرزور ووليد معماري وناظم مهنا وغيرهم.
وترى القاصة سوسن رجب أن القصة القصيرة أحد الأجناس الأدبية التي تمكنت بجدارة من تأسيس مقعد لها في مجلس الأدب الإنساني وبالتالي انتشرت وتجذرت عبر تجارب كبار الكتاب من أنطون تشيخوف في روسيا إلى زكريا تامر في سورية حتى كبار الروائيين وبعضهم قد حصد جوائز دولية نرى أنهم قد تورطوا في فن القصة القصيرة على سبيل المثال غابرييل غارسيا ماركيز وإيزابيل اللندي.
وتقول رجب.. ولذلك لا غرابة بأن المنظمات الرسمية والشعبية قد أسست جوائز عديدة للقصة القصيرة وآخر هذه الجوائز هي جائزة اتحاد الكتاب العرب السنوية للقصة القصيرة وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية جنس القصة القصيرة في الساحة الثقافية والأدبية.
وينتقد الكاتب رسلان عودة حال القصة القصيرة في راهننا قائلا.. إن القصة القصيرة هي الفن السهل الممتنع فقد بدأ البعض من شقها الأول فاستسهلوها ظناً منهم أن أي حادثة أو خاطرة عابرة وربما فكرة بسيطة هي المادة الأولية للقص وما عليه إلا أن يسردها باللغة العربية الفصحى فيقع في مطب السرد الإخباري والقول المجرد من أي بلاغة أدبية.
ويضيف من الكتاب من يغرف من بحر الكلام كلاماً لا ظل له يسود به الصفحات البيض ناهيك عن البناء الفني للنص الذي ستصبح المادة الأولية له هي مادته النهائية دون وعي الكاتب وإذا ما نصحه أحد الغيورين على الكلمة والأدب بأن ما كتبه هو مجرد تهويمات لغوية لا تقدم للمشهد الثقافي شيئاً ذا قيمة يرد عليه غاضباً محتجاً على عدم فهمه للمكتوب ويوءكد أن هذا الذي لم يعجبه قد أعجب غيره من المقربين والأصدقاء وقد أثنى عليه الكاتب والناقد الفلاني.. بين الحصرم والزبيب ضاع القص وبقيت القصة القصيرة ابنة الشعر والرواية تندب كتابها المتطفلين لكنها أبداً لا تموت ولن تسكن على أطراف الثقافة.
أما عن الجانب الممتنع فيقول عودة.. نادراً ما ترى مبدعاً حقيقياً طوع هذا الامتناع وعرف مفاتيحه أي أنه بدأ بتفكيك وترويض هذا الامتناع وذلك بتغريب المألوف وتوليف الغريب فسهل عليه الإبحار في نهره الهادر سابحاً بعكس التيار ليصل إلى مصبه البعيد حيث يستولد من اللغة الأفقية لغة شاقولية ومن الأفكار الدارجة أفكاراً مدهشة صادمة ليسرد حكايته في بناء فني راق فيترك عند المتلقي صدمة النص وأثر الفكرة في القول.
ومن الكتاب من يناقش مسألة السرد القصير سهل التلقي زمنياً حيث ترى الأديبة سوزان شاهين أن وسائل الثقافة الالكترونية أوصلت القصة القصيرة إلى درجة كبيرة من الاختصار إلى أن أصبحت قصة قصيرة جداً إلا أن القصة القصيرة لم تتأثر فهناك كتاب استطاعوا أن يحافظوا على مستوى إبداعهم سواء أكان في القص الطويل أم القص الآخر وهؤلاء تمكنوا من تقديم نقلة نوعية على مستوى الفن القصصي بأسلوب حديث يعتمد تقديم الفكرة على شكل ومضة ترسم مطلباتها على ذاكرة المتلقي فتركوا الحالة التقليدية.
وهناك برأي شاهين من القاصين من طور الحالة التقليدية إلى مستوى الإبداع للمحافظة على البنية الدرامية للقصة برغم أنهم قدموا أنواعا مختلفة كـ باسم عبدونموذجا ومحمود علي سعيد و سهيل الشعار و آخرين.
بدورها قالت القاصة مريم محمود العلي ان الحكاية لبست ثوب الرواية او القصة الطويلة موضحة أن القصة القصيرة احتلت مكانا لها على ساحة الادب واصبحت من فنون الكتابة الجميلة و السائدة متضمنة هموم وقضايا الانسانية ومعبرة عن مشاكل الناس بابداع متألق وظهرت باطار من النضج الفكري و الفني في وقت قصير جدا.
وأضافت العلي أن القصة القصيرة اصبحت تدل على تجربة فنية تصور الواقع بتناقضاته أو عن طريق الخيال الهارب من احباطات الواقع المؤلم مبينة أن موضوعها ربما يكون قديما او حديثا لكن طريقة صياغته تختلف من كاتب إلى آخر ولكن المهم أن يكون موضوعها نيا لا يتعدى اليوم أو الساعات وإذا أراد الكاتب أن يضيف اليها شيئا من الماضي عليه أن يستدعي ذاكرته أو مخيلته في تصوير الحدث.
وعلى كاتب القصة القصيرة بحسب العلي أن يعطي الموضوع شكلا فنيا جديدا ويلقى عليه عناصر الإثارة و الادهاش و الحيرة لتظهر القصة نموذجا حيا يحاكي الفكر و العواطف بالتصوير السريع و القالب الفني المميز مقدما اليها اضافات أدبية في مجالى الرؤية والبناء.
وبينت ان اكثر كتاب القصة القصيرة الواقعيين يهملون الاشخاص الذين كانوا فيما مضى محور القصة ويكتفون بنقل الاحداث و تجسيدها وهذا يحتاج الى موهبة فنية قادرة على التصوير ومنهم من يغرق في الرمزية حيث تجد فكرا يريد التعبير عن ثقافته العالية التي يترفع بها و التي يريد من خلالها القول انه من الفئة الارستقراطية في الادب ومنهم من يكتب القصة الرومانسية ليجسد احلامه الخيالية هاربا من قيود المكان و الزمان محلقا حيث الحرية و العدل و السلام و المحبة.
وختمت بالقول إن هذه الأمور أعطت القصة القصيرة مضمونا و بنية و شكلا جديدا و منحتها الجرأة نحو الابتكار و التجديد لتكون في مقدمة الفنون الادبية .
الوكالة السورية للأنباء - سانا