البيت الدمشقي

31 آذار 2012

أيقونة العمارة السورية وملتقى الفن والثقافة

تتميز مدينة دمشق القديمة بالبيوت السكنية المميزة بأفنيتها الواسعة المزروعة بالأشجار والأزهار وأبنيتها الضخمة ذات العناصر الثرية المتعددة من حيث تصميماتها ووظائفها المتلائمة مع ظروف المناخ والبيئة في الشرق العربي بينما ظهرت هذه العمائر بواجهة خارجية بسيطة قليلة الفتحات لتجنب جشع الولاة ومصادرتهم للأملاك في أكثر من عصر مر على هذه المدينة القديمة.

وتغطي العمائر السكنية في مدينة دمشق نسبة لا تقل عن60% من المدينة القديمة لكن لم يتبق منها سوى 41 منزلاً أثرياً داخل الأسوار و77 منزلاً موزعاً خارج الأسوار وكلها ترجع إلى العصر العثماني. والبيت الدمشقي يعكس الطبيعة الدينية والأخلاقية لساكنيه وهو خلاصة لتجارب عمرانية إسلامية راقية روعيت في تصميمه كل المقاييس البيئية والاجتماعية.

وأهم مميزات البيت الدمشقي أنه يضم شتى أنواع الزخرفة النباتية والهندسية ضمن فراغات وفضاءات ميزت الطراز السكني الدمشقي بأبهى أنواع البناء فأتى مرناً يتناسب مع الحياة اليومية للسكن حيث ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية أولها «الحرملك» وهو القسم الذي تعيش فيه الأسرة وأطلق عليه هذا الاسم منذ القرن السادس عشر وهو مخصص للمعيشة والحياة وفيه أماكن للنوم وفناءان مخصصان للعب الأطفال وللأمهات اللاتي يقمن بأدوارهن من طبخ وغسيل ونظافة وما شابه من ملحقات تتعلق بنشاط المرأة وعنايتها بزوجها.

وخصص المعماري الدمشقي «السلملك» للقسم الرجالي أو الاستقبال وهذا القسم هو الوحيد الذي يدخله الرجال والزوار من خارج المنزل وله مدخل خاص قريب من المدخل الرئيس للمنزل دون الدخول إلى قسم المعيشة وهو يلبي احتياجات الضيوف دون المرور بأجزاء البيت الداخلية.

أما القسم الثالث فهو «الخدملك» ويتميز بتقديم الخدمات التي يحتاجها المنزل من حمام ملحق وساقية لرفع المياه وأماكن لسكن الخدم وأيضاً إسطبل للخيول ويتعلق هذا القسم بطبقة الأعيان والتجار.

ويضيف الباحثون إلى أجزاء البيت الدمشقي قسماً رابعاً هو المدخل وغالباً ما يكون ضخماً له حضور قوي في الواجهة الرئيسة وله طريق منكسر لكي يمنع الاختراق المباشر لحرم البيت وللحفاظ على خزان الهواء البارد في الفناء.

ويتميز عمران البيت الدمشقي بالحفاظ على البيئة وتوفير أكبر قدر ممكن من الماء في صحن الدار عن طريق «البحرة» التي تتوسط البيت وتعمل على ترطيب هواء المنزل من خلال قلب مائي يسمح للهواء البارد بالنزول ليلاً ليتحول هذا القلب إلى مكيف طبيعي يقوم بجذب الهواء البارد وطرد الهواء الساخن بالتعاون مع الواجهات الداخلية القليلة الفتحات مع المدخل المنكسر للحفاظ على برودة وإنعاش المكان أطول فترة ممكنة.

كما تساهم فوارات ونوافير الماء الكبيرة في تكرير الهواء وتنظيفه إضافةً إلى وجود الأزهار والأشجار والورود الدمشقية التي تزيد هذا التلطيف وتحول المكان إلى جنة حقيقية وهذا بدوره جعل من المرأة الدمشقية زائراً طويل الأمد لبيتها فهي لا تبرحه إلا من أجل أمرٍ جلل، حيث وفر المكان لها فردوساً يعج بالجمال والورود والاتصال بالسماء عبر الفسحة السماوية أو الفراغ الواسع للبيت.

ويعتبر البيت الدمشقي لوحة تامة في جمالها ومحاكاتها للطبيعة حيث جاءت الزخرفة الإسلامية أو فن تجميل الحياة الذي يعتمد على إظهار الكتل العمرانية وملء الفراغ الذي شغلته يد الفنان بحركة متصلة متشابكة استخدمت فيها الألوان الحارة والباردة وركزت على الأشكال النباتية والهندسية دون الزخارف الحيوانية فأتت متكاملة ومتصلة دلالة على اتصال الحياة الدنيا بالحياة الآخرة.

ويتصل فناء البيت اتصالاً يثبت العلاقة بين الأرض والسماء وتتنوع هذه التشكيلات الرائعة من الخشبي إلى المعدني على الأسقف والأبواب وفتحات الشبابيك الملونة إضافة إلى المفروشات المعشقة والمصدفة بحرفية أخاذة تتماهى مع الصورة الجمالية للبيت والحجر الأبلق الذي كان يستخدمه الدمشقيون في العمارة.

كما أن الزجاج المعشق له آلية سحرية في عكس الضوء وإضفاء أنوار معدلة تسمح للنور بالانعكاس الشفاف على أقبية البيت ومداخله وغرفه فيضفي ذلك لمسة صوفية آسرة تزيد المكان جمالاً على جمال.

ومن أهم هذه البيوت الدمشقية العريقة بيت خالد العظم الذي تحول إلى متحف للتوثيق التاريخي والذي تم فيه إعلان دمشق عام 1946 باستقلال سورية وجلاء المستعمر الفرنسي وكان سكناً لرئيس وزراء سورية خالد باشا العظم وموئلاً لحركات وطنية ساهمت في تطور سورية وتحديثها.

وهناك أيضاً بيت أسعد باشا العظم الذي تحول إلى متحف للتقاليد الشعبية في البزورية، وبيت زين العابدين الذي يشغل مديرية المباني الأثرية ويعود إلى القرن الثامن عشر، وبيت سليمان الذي تم ترميمه مؤخراً وبات مقراً لاتحاد الآثاريين العرب إضافة إلى بيوت كثيرة كبيت جبري وبيت نظام وبيت السباعي وبيت القوتلي وغيرها.

وتشهد اليوم مدينة دمشق القديمة استثماراً ثقافياً لبنية البيت الدمشقي العريق وذلك بتحويل العديد من هذه البيوت إلى صالات لمعارض الفن التشكيلي وإقامة الأمسيات الفنية والثقافية واللقاءات الشعرية والأدبية مثل صالة عالبال للفنون التشكيلية ودارة بشار زرقان ودارة الفنون وتمر حنة وغاليري مصطفى علي.


الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق