أ. حاتم: مع أنه أم العلوم، علم الفلك تخلف عن باقي العلوم مربطه المغلوط بالتنجيم والأبراج

28/كانون الثاني/2008


مما لاشك فيه بأن عبادات الشمس والقمر والكواكب ومختلف تجليات الظواهر الطبيعية قد ترسخت في عهود الحضارات القديمة (الآشورية، البابلية، السورية، المصرية) لدرجة أضحت فيها مرتبطة بولادات الملوك وانتصارات المعارك والمنعطفات التاريخية الهامة لحياة شعوب تلك الأيام.

ومع أنها ترسخت كعبادات ودلالات إلا أنهم في الطرف المقابل أبدعوا في الاستفادة منها في العديد من سلوكيات حياتهم اليومية بشكل عام، وأيضاً في عدد من صناعاتهم وأعمالهم الطبوغرافية وغير ذلك من النشاطات. ومن هنا تغدو المنطقة العربية عامة والجزيرة العربية خاصة جديرة بالبحث.

في مركز ثقافي المزة ألقى الأستاذ أحمد بسام حاتم محاضرة تحت عنوان «الفلك في خدمة التاريخ» في 27/1/2008. أشار فيها إلى أن "علم الفلك من أكثر العلوم تراجعاً في بلادنا العربية عامة لارتباطه بالتنجيم والخزعبلات في أذهان الناس. من هذا المنطلق بقي مهملاً وفي الأنساق الخلفية لباقي العلوم ما كبدنا خسارة حقيقية لأهميته تطبيقاته في حياتنا اليومية، فعلم الفلك كباقي العلوم ليس علماً نظرياً وحسب إنما له تطبيقاته العلمية والعملية ولعلني أعتبره أم العلوم لاستفادته من الرياضيات والكيمياء والفيزياء والميكانيك والبيولوجيا".

وكما أنّ علم الآثار من خلال لقاه المادية /المعمارية، العظمية، المعدنية/ يستطيع أن يوثق أحداثاً تاريخية في عصور غابرة، فإن علم الفلك أيضاً من خلال نصوص تاريخية تحمل دلالات فلكية أو إشارات لأحداث، قادر على كشف النقاب عنها وتوثيقها بدرجة عالية من الدقة والموضوعية. بمعنى آخر، مثلما يوجد هناك علم آثار قديم يوجد علم فلك الآثار أو علم الفلك المتصل بالآثار وكمثال على ذلك، فإن علماء الفلك اليوم عاكفون على توثيق أحداث فلكية لشهب وكسوفات وخسوفات حدثت في أزمان غابرة مع تحديد متغيراتها الكونية، ولا يقف الأمر عند هذا الحدث فانطلاقاً من هذه الأحداث يمكن توثيق الشخصيات التاريخية من الأسر الحاكمة لتلك الحضارات وربطها بالسلم الزمني المعروف حالياً، فالمعطيات التاريخية المتوفرة الآن للحضارات القديمة يمكن أن تصبح أكثر دقة.

لقد بنى أ. حاتم محاضرته على محورين أساسين ارتبطا بأحداث وشخصيات تاريخية أراد بهما تكريس القناعة لدى المتلقين بأهمية علم الفلك كمعرفة لتحسين حاضرنا ومستقبلنا، فقد تحدث في محوره الأول عن تكريس فكرة أساسية مفادها «أن علم الفلك ليس علماً نظرياً وحسب إنما له تطبيقاته ونظرياته المتماسكة في توثيق التاريخ عند وجود نص ما أو لقى مادية».

وتطرق هنا إلى مثال له علاقة بأحداث من التاريخ العربي المرتبطة بالتقويم الهجري، حيث أشار إلى أن التقويم الهجري يتعرض لانزياحات من حيث تقديم الأيام وتأخيرها، وهنا يكون علم الفلك قادر على توثيق التقويم الهجري من خلال دراسات فلكية وربطة بالتقويم الميلادي بحيث نكون قد أوجدنا علاقة ما بين هذين التقويمين، ومن جهة أخرى برهن عليه كأداة بحثية علمية قادرة على التحليل والوصول إلى الحقائق بدقة عالية جداً.

وأما فيما يتعلق بالمحور الثاني فيشير إلى حادثتين تاريخيتين، أولاهما وجود نصوص تدون حوادث فلكية في غياب لأمور تتصل بالحياة وقت ذاك، وقدم فيها مثالاً لقصة تتعلق بمعاوية بن أبي سفيان أثناء توليه الخلافة بدمشق فقد حصل كسوف دوّن بنص أجنبي منقوص فيه الكثير من المغالطات ولا يوضح متى حدث الكسوف وفي أي فصل أو يوم أو ساعة، وفي مثل هذه الحالة يستطيع علم الفلك الآن أن يحدد هذا الكسوف زمنياً ويجيب على كل تساؤلاتنا بحيث يصبح النص أكثر مصداقية وحادثة معاوية محددة زمانياً. وهنا يشير أ. حاتم إلى أن الإسلام عندما دعى إلى ابتعاد الناس عن عبادة الوثنيات والأجرام السماوية ارتبطت هذه الدعوة بابتعاد الناس عن علم الفلك في تلك الأزمان وبالنتيجة سقط ولم يعد رابطاً بين ما يحدث فلكياً وبين مصائر البشر.

ويتابع أ. حاتم مستعرضاً الحادثة التاريخية الثانية والمرتبطة بكسوف الشمس عند وفاة إبراهيم ابن الرسول محمد (ص) ومع أن الرسول أوصاهم بأن «الشمس لا تكسف والقمر لا يخسف لموت أحد» إلا أنهم ربطوا الحادثتين، و نستطيع الآن ومن خلال نظريات علم الفلك أن نثبت الحادثة ونصل إلى تحليل يقيني يحدد زمن الواقعة وشكلها واسترجاعها ومشاهدتها كما لو أنها تحدث اليوم في البقيع.

وتعليقاً على إتمام حواره مشيراً إلى أن علم الفلك انتقل من مرحلة النظريات إلى مرحلة التطبيقات العملية سيما وأن البلدان المتطورة تنفق مليارات الدولارات على مسابرها الفلكية التي تدور حول الكواكب وتجوب الكون مستكشفة لتنقلنا إلى عوالم أخرى. ولم يقف الأمر عند هذا الحد وحسب، فقد أدى هذا الإنفاق الهائل إلى تطور أبحاث الفضاء وهناك الآن خلائط وتركيبات معدنية وحتى أدوية تطبق في ظروف انعدام الجاذبية ومن غير الممكن تطبيقها في المختبرات الأرضية. إذاً علم الفلك بتطبيقاته الحالية بات مهماً في حياتنا اليومية ويقدم خدماته.

ولعلني أود الإشارة في نهاية حديثي إلى مهمة أساسية لحياة إنسان اليوم ولمجتمعات اليوم ككل وهي أن نعرف موقعنا من هذا الكون الفسيح الرحب، وأن نحاول الاستفادة والتحكم بما لدينا من طاقات وموارد وفق المنهج العلمي لكافة العلوم حتى نغدو قادرين على تحقيق أمننا وسعادتنا وما يؤسفني حقاً أننا في البلاد العربية حتى الآن وفي كثير من المجالات مازلنا نقف بموقع المتلقي؟

فالحياة فعل ورد فعل ومن غير الممكن أن نبقى متلقين لآداب أجنبية ننتظر ما يصدر إلينا ونقوم بترجمته بل علينا أن نكون فاعلين ومساهمين في عملية المعرفة كغيرنا من الأمم.



رياض أحمد


اكتشف سورية


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر