الحجر البازلتي جنوب سورية

26 كانون الثاني 2012

-

للحجر البازلتي الأسود المنتشر بكثرة في جنوب سورية حكايا لا تنتهي فمنه صنع الاجداد الذين عاشوا في هذه المنطقة منازلهم والقلاع وبيوت العبادة واستخدموه في تخليد انتصاراتهم وتوثيق ثقافتهم على مدى التاريخ.

ويكمل الابناء اليوم مسيرة الأجداد في استثمار مكونات الحجر البازلتي عبر نحت التماثيل التي تملأ الساحات والمتاحف والمعارض وبناء البيوت السكنية كما هو حال منزل الدكتور رئيف مهنا أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة دمشق في قرية بصير وسط محافظة درعا الذي يعتبر محاولة جادة لبناء منزل معاصر يحاكي الماضي وفنونه المعمارية والزمن الحالي ومتطلباته .

وأشار مهنا إلى أنه تقدم عام 1980 خلال المؤتمر الوطني للابداع والاعتماد على الذات بمشروع لتصميم منزل بمساحة طابقية 660 متراً مربعاً يعتمد حجر البازلت الطبيعي الذي تشتهر به منطقة حوران مادة اساسية في عملية البناء دون استخدام مادة الحديد في إنشاء القواعد والأعمدة والسقف وذلك باستخدام الطريقة التقليدية ببناء المساكن في المنطقة مع الاخذ بالاعتبار نقاط الضعف التي تتصف بها كالانهيار وقلة مقاومة الزلازل ومشكلات التربة الحمراء وغلاء مواد البناء الحديثة لافتا إلى أنه اعتمد في عملية البناء على دراسة دقيقة للتكاليف والزمن والتكييف واتجاهات الرياح والاستفادة من أشعة الشمس.

وأوضح الباحث الأثري قاسم المحمد رئيس شعبة التنقيب في دائرة آار درعا أن المنحوتات البازلتية في حوران ذات طابع محلي وخصائص فنية تؤكد خصوصية فن النحت في هذه المنطقة مع تأثرها النسبي بالخصائص والقواعد الاغريقية والرومانية مبينا أنه وعلى الرغم من تأثر فن النحت الحوراني بالفن الكلاسيكي الهيلنستي من حيث الشكل العام إلا أنه اتصف بصفات و ميزات جعلته يتميز عنها حيث ظهر ذلك عبر العديد من المنحوتات والتشكيلات المعمارية والقطع المدفنية المزخرفة مثل التوابيت الحجرية وأبواب المدافن التي مازال قسم منها في مواطنه الاصلية بجبل العرب واللجاة وسهل حوران و قسم اخر يعرض في المتاحف السورية والعالمية.

وأشار المحمد إلى أن منطقة حوران القديمة و على الرغم من اتساع أراضيها كانت تشترك في انتاج نحوت بازلتية واحدة استخدمها المعماريون والنحاتون ولم يستخدموا غيرها من المواد المتوفرة كالحجر الكلسي أو الرخام الأسود.

وقال رئيس شعبة التنقيب ان المديرية والبعثات المشتركة أجرت مسوحات موسعة شملت مختلف مناطق حوران حيث عثر على تماثيل بازلتية في موقع سحر بمنطقة اللجاة وتلشهاب ودرعا وخربة غزالة والمسمية ومنارة الشريف وشعارة والشرايع وصور اللجاة وعريقة وشهبا وشقا وسليم وسيع في السويداء إضافة إلى المتاحف التي عرضت فيها منحوتات بازلتية كالمتحف الوطني في دمشق ومتاحف السويداء وبصرى والقنيطرة ودير عطية وحماة بغية اجراء مقارنة مع منحوتات موقع سحر.

ولفت المحمد إلى أن فريق العمل الذي قام بالكشف على موقع سحر توصل إلى نتيجة مفادها ان الموقع يعد من اهم المراكز الدينية المحلية في منطقة اللجاة وحوران وأن المنحوتات التي عثر عليها في الموقع تعود الى العصر النبطي لما تتميز به من صفات محلية شرقية تعبر عن الهوية الثقافية لمنطقة جنوب سورية مبينا أن مكتشفات الموقع والتي شملت كتلا وعجلات وعربات وتماثيل لحيوانات مختلفة مثل الأسود والخيول والنسور والخيالة كلها حجرية فتحت ابوابا واسعة لدراسة وتفسير المجموعة النحتية في هذه المنطقة.

وانجز النحات ابراهيم أبازيد أكثر من 65 بالمئة من مشروعه الفني رسالة حب وسلام سورية للعالم على صخرة بازلتية تزن 117 طنا من الصخر البازلتي موضحا ان العمل يحتاج إلى أكثر من 30 مليون طرقة ازميل بين خفيفة وشديدة وأن المشروع سيضم في شكله النهائي مايقاربـ 22 لوحة وتحتاج كل لوحة إلى عمل يتجاوز الثلاثة أشهر.

ولفت أبا زيد إلى أن المنحوتة تضم لوحة الكعبة المشرفة ومدينة سبأ ومسلة فرعونية وسفينة فينيقية واقدم مدينة كنعانية بأريحا الفلسطينية وأبراج بابل وقلعة جمشيد واحد جسور مدينة اصفهان وقصر تاج محل في الهند واحد المعابد الكونفوشسية وسور الصين العظيم ومعبد آنجاكور في كمبوديا .

وبين أبازيد أنه يواصل العمل في بقية اجزاء المشهد الصخري الذي سيضم ايضا حضارة اليونان والروم البيزنطيين والمايا والانكا والازتك بامريكا الجنوبية وصولا إلى مشاهد اسلامية في اسبانيا لينهي عمله برسالة لاقدم ابجديات العالم من خلال تدوين بعض النصوص منها المسمارية والهيروغليفية .

ويرى حسين عرار مدير الثقافة بدرعا ان ثمة علاقة جدلية بين اهل منطقة حوران والحجارة البازلتية السوداء التي اضحت رمزا من رموز المنطقة لافتا إلى أن مديرية الثقافة أطلقت العام الماضي معرض النحت فبرزت منحوتات صخرية جسدها العديد من الفنانين بطريقة جميلة ومتقنة .

ولفت المهندس محمود المسالمة نائب رئيس المكتب التنفيذي بمحافظة درعا إلى أن المحافظة طرحت مشروعات استثمار صخر البازلت لوجود كميات هائلة منه ناتجة عن عمليات استصلاح الأراضي تقدر بحدود 240 مليون متر مكعب وهذه الكميات قابلة للزيادة باستمرار الأمر الذي يرتب على الاستثمارات القادمة إنشاء كسارات ومجابل خرسانية وإسفلتية تستخدم الحجر البازلتي ونواتج التكسير المختلفة في كل الأعمال الإنشائية داعيا إلى ضرورة تشكيل لجان بحث علمية لتوفير جبلة بيتونية تعتمد كليا على الصخر البازلتي .

من جهته أوضح المهندس قاسم الزنيقة مدير فرع هيئة الاستثمار بدرعا أن الهيئة شملت خلال الفترة الماضية ثلاثة مشروعات لاستثمار صخور البازلت المتوافرة في منطقة اللجاة شمال شرق المحافظة التي تتجاوز مساحاتها 8 آلاف دونم ستوفر الكثير من فرص العمل إضافة إلى إعادة توظيف الاراضي في المجال الزراعي بعد استصلاحها مع إمكانية استخدام البازلت في صناعة الأنابيب والبواري.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

احمد حاج علي:

تفسير انتشار البازلت في جنوب سورية

سورية