الصفحة الرئيسية | شروط الاستخدام | من نحن | اتصل بنا
|
إن السلوك الإنساني اليومي مؤسس دائماً على نمط من الثقافة وبالتالي لكي نفهم عالمنا الراهن، ولماذا هو على هذا النحو الفاجع ـ وفق رؤية د. برقاوي ـ يتحتم علينا أن نفهم حقل الثقافة الذي يتحرك فيه الإنسان.
ومن هنا وبناء على ما ترتب ألقى الدكتور أحمد برقاوي في المركز الثقافي في أبو رمانة محاضرة تحت عنوان «ثقافة التحرر وثقافة الانحطاط» في 20/1/2008 حيث يجد د. برقاوي أن الثقافة العربية تعيش عصر انحطاط، وبمعنى آخر وجد أن هناك ثقافة وصفها بثقافة الانحطاط، ثقافة تفسر لنا أنماط السلوك الراهن فيقول . كان علي أن أحدد ثقافة الانحطاط بوصفها ثقافة مجتمع راكد تاريخياً خال من أية قوى صاعدة قادرة على أن تطرح مشروعها التقدمي الإنساني وأن تكون قادرة على تنفيذه وانطلاقاً من فكرة المجتمع المنحط تاريخياً، بمعنى الذي لا يمتلك حيوية فائقة للتقدم فإن الثقافة المطابقة لمجتمع منحط على هذا النمو هي ثقافة الانحطاط.
ويتابع د. برقاوي محدداً معالم ثقافة الانحطاط بالحالة التي يجد فيها الإنسان نفسه شيئاً غير فاعل وميتاً، والشكل الآخر الذي يتحدد فيه موت الإنسان هو موت الآخر الذي لم يعد موجوداً ومن معالمها أيضاً نزعة الخلاص الفردي والذي هو انسحاب من الحياة المجتمعية لتصبح هموم الإنسان فردية إلى الحد الذي لا يفكر فيه بأبعد من نفسه.
وعليه يتحول الإنسان إلى كائن متشرنق داخل ذاته لا يهمه الآخر مما يؤدي إلى انحطاط المجتمع ثقافياً، وعلى هذا النحو تزول فكرة الوطن ويتمخض عن ذلك نظرة الإنسان نحو الوطن بوصفه غريباً عنه، وبالتالي تصبح منظومة القيم المنحطة غير سرية بل علنية ويتصرف الإنسان على نحو ليس فيه اعتداد بالآخر، أو اعتداد بالمجتمع، أو اعتداد بالوطن.
يضيف د. برقاوي وفقاً لما توصل إليه، بأن هناك أسباب حالت بين الإنسان وبين التعبير عن ذاته، وحالت بين المجتمع وبين ظهور شخصية، وبالمحصلة قُضي على ازدهار المجتمع والذي هو أساس الازدهار الثقافي فعاد الإنسان ليختبئ خلف ثقافته التقليدية وبالتالي صار لدينا تفكير في المستقبل من منظور مفاهيم ماضية، وهذا شكل من أشكال ثقافة الانحطاط الذي يقف في الطرف المقابل لها نقيضها ألا وهي ثقافة التقدم والتحرر. ألا أن المثقف لا يصنع تاريخاً وإنما التاريخ يصنعه البشر والمبدع يتحول إلى جزر معزولة في ثقافة الانحطاط، هذه الجزر تشير إلى ثقافة الانحطاط، ومن جهة أخرى تبين أفق المستقبل ولكنها بالنهاية لا تستطيع أن تصنع تاريخاً، قد تساعد إذا كان التاريخ يحمل في أحشائه بذوراً جديدة فتساعدها على النحو.
ولعل هدف وغاية د. برقاوي في محاضرته هي دعوة الطبقة الوسطى صاحبة الفعل الاجتماعي لتأخذ دورها التاريخي من جديد ووظيفتها المجتمعية، وهذا ما أشار إليه بقوله: "يجب أن نعمل ونكافح من أجل استعادة مكانة الفئات الوسطى والتي هي قلب المجتمع النابض، هذا القلب قد انحط فانحط المجتمع ككل. لقد دمرت هذه الفئات من قبل سلطات الوطن العربي بطريقتين من حيث تهميشها وفقدها فاعليتها، ثم أنزلقت طبقياً إلى ما دون الفئات الوسطى، عندما أشغلت بهموم وتفاصيل يومية وبالتالي فقدت وظيفتها التاريخية على مستوى تاريخ البشر.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن استعادة موقعها طبقياً بالدرجة الأولى يؤدي إلى استعادته ثقافياً بالدرجة الثانية، ومن ثم تخلق مشروعها انطلاقاً من مفهوم الحرية لاعتبار ثقافة الانحطاط غياب لمفهوم الحرية، بمعنى آخر أن نستعيد فاعليتنا بوصفنا بشراً قادرين على إنجاز مهمات على مستوى كلي، نستعيد فكرة المجتمع الذي يسعى لإنجاز شيء ما هام".
وفي ختام محاضرته كان له وقفة عند الإنسان من خلال إعادة طرح فكرة الإنسان بمفهومه الأقوى والأوسع والأشمل من ذاك الإنسان الذي ينشغل في تحسين وضعه المعاشي أو يناضل من أجل ترقية مهنية، إن الإنسان الحر الفاعل.
فنحن لا يمكن أن نصنع مجتمعاً قوياً متحرراً دون الإنسان الفاعل الحر، والذي هو ليس فكرة مجردة، وليس فرداً بل هو مجتمع حر أيضاً. ولكن هذا المجتمع ليس كماً هلامياً بل هو مجموعة أفراد أحرار ومن هذه المعادلة وهذه الزاوية تحديداً يدافع د. برقاوي عن الإنسان «الأنا» الحر الذي يهجس بالهم العام وفكرة الإبداع الجميل ليصبح جزءاً من أناك ويصبح انتماءك الجميل أساساً لدفاعك عن الجمال.
رياض أحمد
اكتشف سورية
المشاركة في التعليق