محاضرة عن التشكيلي فاتح المدرس في صالة تشرين في حلب

23 تشرين الثاني 2011

ألقاها التشكيلي سعيد طه

استضافت صالة تشرين للفنون الجميلة التابعة لمديرية الثقافة بحلب محاضرة عن الفنان السوري فاتح المدرس ألقاها التشكيلي سعيد طه وذلك مساء يوم الثلاثاء 21 تشرين الثاني 2011. وقد تضمنت المحاضرة عرضاً لسيرة حياة الفنان وفنه -كما يراها التشكيلي سعيد طه- إضافةً إلى عرض فيلم وثائقي جرى إنتاجه حول الفنان وكان من إخراج كل من الأساتذة الراحل عمر أميرالاي، محمد ملص و أسامة محمد.

بداية المحاضرة كانت مع تقديم التشكيلي سعيد طه للمحة عن حياة الفنان السوري فاتح مدرس ومن ثم تحدث عن تجربته معه والتي استمرت لفترة طويلة موزعة على مرحلتين؛ الأولى كانت لمدة سبع سنوات كان فيها التشكيلي طه على تواصل يومي مع الفنان المدرس، أما الثانية فقد استمرت زهاء 25 عاماً وكان التواصل بين الفنانين متقطعاً. ومع الانطلاق من الحياة العائلية للفنان المدرس حيث يقول سعيد طه: «من يرى الفنان فاتح المدرس لا يحس بالمعاناة الشديدة التي عاشها الفنان في حياته. البداية كانت مع مقتل والده على يد أولاد خاله حيث انتقل للعيش مع والدته. كما أن حياته مرت بمراحل حزن كبيرة منها وجود ولدين مشوهين خلقياً له إضافةً إلى وضع أمه التي أصبحت مقعدة ومعاقة. كل هذه التفاصيل كانت صعبة جداً ومحزنة عليه، ولكنها حركت في الوقت نفسه طاقات الإبداع التي تجلت في فنه المميز».

ويضيف بأن الفنان المدرس قام بدارسة الفن ومن ثم تدريسه حيث قام بتدريس مادة الفنون في عدد من الثانويات منها ثانوية «العروبة» القريبة من قلعة حلب، إضافة إلى كلية الفنون الجميلة عندما تم افتتاحها لاحقاً ويضيف: «هناك نوعان من الفنانين حيث يمكن تشبيههما إلى من يرغب بالسفر في رحلة من حلب إلى دمشق بالسيارة؛ النوع الأول هو من يقوم بمعاينة السيارة وفحصها بشكل كبير من ناحية المحرك والإطارات والوقود ومن كل الزوايا قبل البدء بالرحلة. أما النوع الآخر، فيركب السيارة دون فحص ويرحل فوراً إلى دمشق من دون تخطيط! قد يذهب إلى مدن أخرى، وقد يسلك طرقاً أطول، ولكن في النهاية سيصل إلى دمشق. والنوع الأخير هو من عاش تجربة السفر. فنانو العالم لا يملكون إلا هذين الخيارين في رسم لوحاتهم مهما كانت مدارسهم الفنية وفاتح مدرس كان من الفنانين الذين لا يخططون للوحاتهم ويبدؤون اللوحة دون معرفة كيف ستنتهي حيث نراه يرسم اللوحة بطريقة يستفيد فيها من المخزون العاطفي الانفعالي الذي لديه والذي تراكم عبر سنوات طويلة. وهذا الخط الذي يعمل فيه فاتح مدرس يجعله يضع اللوحة ويبدأ العمل فيها دون أي تخطيط مسبق حيث هو من الفنانين الذين يملكون بشكل غريزي لغة الفن ويعملون مع الألوان بشكل انسيابي على اللوحة. وأذكر بأنه كان يقوم أحياناً بمزج الألوان على اللوحة نفسها حيث يضع لونان أو ثلاثة ويقوم بالمزج بينهما على السطح الأبيض ليحصل على اللون الذي يريد».

ويتابع بالقول بأن الفنان المدرس كان من الفنانين متعددي المواهب الفنية حيث أبدع في الشعر والكتابة إضافةً إلى إبداعه إلى في مجال الموسيقى والعزف. هذا الأمر جعل حسه الفني عالٍ جداً حيث يضيف الفنان طه: «ما قام به فاتح المدرس لا يستطيع أن يقوم به الآخرون في العادة؛ فهو يرسم بعفوية ومن دون خوف. هناك العديد من الفنانين ممن يخافون أمام سطح اللوحة، أما فاتح فيقوم بتقديم عمل بلغة إبداعية عالية جداً حاله كحال الشعر والموسيقى اللتان كانا يتقنهما. كما أن فاتح يملك فكراً فريداً في الفن نراه متجلياً من خلال طريقة الرسم حيث نلاحظ العفوية البسيطة إنما مع إبداع بالتقنيات اللونية والريشة. كما نراه يرسم مثل مبدأ رسم الأطفال (أي يرسم ما يرى وليس ما يعرف)؛ وهذا قلما نراه لدى الفنانين إنما نراه في أعمال الأطفال والتي تكون عفوية إلى أقصى حد ممكن ولا يمكن تقليدها من قبل الفنانين الأكاديميين مهما حاولوا؛ ولكن الفنان المدرس استطاع الوصول إلى تلك العفوية. كنت أراه يمسك بالريشة ويطلق اللون تلو اللون على اللوحة مباشرة منطلقاً من المخزون الثقافي والإنساني والإبداعي الخاص به وهذا ما ميزه عن البقية».

ويضيف بأن لوحات الفنان فاتح المدرس تتنوع في المواضيع بشكل كبير حيث يقول عن هذا الموضوع: «هناك عدد من المواضيع ضمن لوحات فاتح مدرس حيث نراه قد رسم الطبيعة السورية بكل غناها وتفاصيلها، كما نراه قد تطرق إلى حضارة ما بين النهرين إضافةً إلى وجود المرأة في لوحاته كعنصر مؤثر وكبير سواء كجسد أو كوجه أو كمفردة. كما أن من الأمور التي وجدتها لدى فاتح ولم أجدها لدى أي فنان آخر هو رسمه للوحات بكل أطرافه حيث رأيته يرسم بيده وبأظافره وبأصابعه وحتى بكوعه! حيث كان كل ما سبق جزءا أساسيا في الرسم يجاور الريشة التي كان يستخدمها أيضا من كلا طرفيها! وهذا الأمر جعله من الفنانين المميزة عن البقية وجعل الفن أمرا يستحوذ على كل حواسه».

ويتابع بالقول بأن الفنان المدرس كان يحب أن ينهي اللوحة كلها في جلسة واحدة، وهذا ما جعله من الفنانين غزيري الإنتاج مضيفا بأن ما يميزه أيضا هو إمكانية تجزئة لوحته إلى لوحات أصغر واحتفاظ كل لوحة من اللوحات الصغيرة بكل المقومات الفنية حيث يضيف: «كان فاتح يقول في لقاءاته بأن أي من لوحاته يمكن تقطيعها إلى أجزاء أصغر واحتفاظها في الوقت نفسه بكل المقومات اللازمة كلوحة فنية مستقلة، ولم يكن يخجل من قول هذا مطلقا. وهذا من الأسباب التي جعلت لوحات هذا الفنان تباع بأرقام كبيرة ومبالغ مالية مرتفعة إضافة إلى العوامل التي سبق لنا وأن ذكرناها في البداية».


أحمد بيطار - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق