القصة القصيرة في أقصى الجنوب السوري بين الهم الابداعي والانتشار
30 تشرين الأول 2011
في درعا لا غرابة مثلاً أن تجد كاتباً مهماً يعمل في النجارة أو غيرها فأغلب كتاب المحافظة يمارسون مهناً تبدو غريبة جداً عن واقع الكتابة وأجوائها هكذا يصف القاص السوري حمدي البصيري واقع الكتابة في محافظته التي أنجبت أسماء مهمة في عالم الأدب والكتابة والفن.
ويحلل البصيري واقع القصة القصيرة في حوران فيرى إنه خرج من درعا العديد من الرواد في القص مثل انعام المسالمة التي حصلت على جائزة الدولة التقديرية في عام 1960 والراحلين جميل حتمل وابراهيم النجار وموسى المسالمة مشيراً إلى وجود العديد من الأسماء المهمة في المحافظة حالياً والتي حصلت على جوائز عربية كبيرة منهم القاص محمد الحفري وغسان ابازيد وزرياف المقداد وسعاد القادري وهالة محاميد ومنذر الغزالي لافتاً إلى أن الجائزة هي معيار نخبوي أكثر منها جماهيري وفي كثير من الأحيان قد تضر بمسيرة الكاتب وتربكه وخاصة إذا حصل عليها في بداية تجربته وهذا ما يعاني منه الكثير من كتاب القصة القصيرة.
وعن رؤيته لمستقبل القصة القصيرة في درعا يرى البصيري أن مفهوم القاص والكاتب أخذ في التغير في السنوات الاخيرة حيث لم يعد شرط الاحتراف ضرورياً وهو ما أعاق في السابق حسب قوله استمرار العديد من الاسماء المهمة في كتابة القصة.
ويوضح البصيري ان نجاح الحياة الثقافية في أي بلد وحتى في أي قرية مرتبط بوجود النقد الجاد الذي يوجه الكاتب ويصوب أخطاءه ويساهم أيضاً في انتشاره وهو ما تفتقده درعا حسب قوله حتى على مستوى الندوات والأمسيات مشيراً إلى أن على الكاتب أن يعتبر نفسه اليوم وحيداً ويكتب لذاته بإنتظار اللحظة المناسبة التي قد تنصفه وتوضح معالم تجربته وأهميتها أو فشلها.
بدورها رأت القاصة هالة المحاميد أن درعا نشيطة في مجال القصة القصيرة حيث هناك العديد من المهرجانات التي تقام في مدينة جاسم ونوى وغيرها سنوياً وتلعب دوراً كبيراً في اللقاء المباشر بين القاص والجمهور مشيرة الى ان على الكاتب ان يكون حاضراً في هذه المهرجانات حتى لو كان جمهورها محدوداً لإنه من الضروري أن يسمع الكاتب صوته ويقرأ على الآخرين تجربته وهواجسه.
وتضيف المحاميد أن البيئة الحورانية غنية بمكوناتها الاجتماعية والثقافية التي تمد الكاتب بالمادة الأولية والتجربة والخبرة لكنها اعتبرت ذلك غير كاف لنهوض الكاتب من بين الركام فالكاتب في درعا عليه أعباء أكثر من غيره من الكتاب ممن يوجدون في المدن الكبرى حيث أدوات الحياة الثقافية أكثر توفراً وتساعد في تقديم الكاتب وانتشاره.
وأوضحت المحاميد إنه لا يوجد في درعا دور نشر ولا صحف محلية إضافة إلى أن الحركة الاجتماعية في المدينة يغلب عليها الطابع الريفي حيث الكثافة البشرية تأتي أغلبها من الريف وهو ما يجعل حضور الأمسيات القصصية محدوداً كون أغلبها يقام في المساء الأمر الذي يتعذر معه حشد جمهور كبير فيها.
وعن رؤيتها لمستقبل كتابة القصة في درعا ترى المحاميد أن أغلب كتاب المحافظة هم كتاب حقيقيون لأنهم يكتبون حباً بالكتابة فهم رغم أنهم يوجدون في ظروف صعبة الا انهم استطاعوا الوصول إلى مراتب متقدمة ومع ذلك يصرون على البقاء في المحافظة والكتابة عن بيئتها ومن وحي حجارتها السمراء مشيرة الى أن التاريخ لا بد أن ينصفهم جماهيرياً في المستقبل.
ويرى القاص محمد الحفري من خارج اتحاد الكتاب العرب واقع القصة القصيرة في درعا أن المحافظة تضم مواهب كثيرة وهناك مميزون بالفعل يصلون إلى الاحتراف أو ربما يتجاوزون هذه الكلمة لو وجدوا البيئة والمناخ المناسبين والأسماء موجودة على الأرض لكنهم حتى الآن أو أغلبهم على الأقل لم تتح لهم الفرص المناسبة وربما تقتصر على بعض المناسبات والأمسيات النادرة.
ويلفت الحفري إلى أن عدم عقد اللقاءات والاجتماعات بين الكتاب والمثقفين للتعارف وتبادل الأفكار يسبب حالة انقطاع بينهم لافتاً إلى أن أهمية هذا النوع من اللقاءات تكمن برفد المحافظة وسورية عموماً بإبداعات أكثر تميزاً بدلاً من إنكفاء الكاتب على ذاته دون الاستفادة من تجارب غيره.
من جهته أشار الناقد الأدبي بشير عبد الله الحمد إلى أن هناك تجارب ملفتة في كتابة القصة القصيرة في درعا منوها بتجربة القاص محمد الحفري والقاص حمدي البصيري وكلاهما حصلا على جوائز قيمة في مجال القصة تثبت حرفيتهما في هذا المجال مضيفاً أن هذين الكاتبين وغيرهما بكل تاكيد يستحقان الوصول إلى العالمية بما قدماه من مجموعات بسيطة في لغتها لكنها عالية المستوى في أهدافها ومعالجتها لموضوعها.
واعتبر الحمد أن المؤسسات الثقافية والاعلامية الرسمية تتحمل المسؤولية من خلال إلقاء الضوء على من تثبت جدارته في هذا المجال مبيناً أن التركيز في أغلبه ينصب على كتاب العاصمة والمدن الكبرى.
لكنه أشار إلى أن الكاتب في درعا مسؤول أيضاً عن تقديم نفسه فالكثيرون يتعاملون مع الكتابة على أنها هواية شخصية ليس بالضرورة أن يطلع عليها الآخرون حيث قد تجد مواهب مهمة تكتب لنفسها فقط.
ودعا الحمد إلى ضرورة رعاية الكتاب الموهوبين من قبل مؤسساتنا الثقافية مشيراً إلى أن أغلب الكتاب المهمين في المحافظة تم اكتشافهم من قبل المؤسسات الثقافية في الخارج وهو ما قد يضر حسب قوله بمسيرة الكاتب وتوجهه حيث ان الكثير من هذه المؤسسات وبفضل امكانياتها المادية الكبيرة دفعت الكثير من الكتاب لمخاطبة جوائزها وليس مخاطبة هموم بيئتهم ومجتمعهم.
اكتشف سورية