صناعة القش في إدلب

22 تشرين الأول 2011

حتى وقت قريب كانت صناعة القش تحظى بموقع خاص ضمن احتياجاتنا اليومية ومحط اهتمام ومنافسة بين نسوة الحي أو القرية ممن امتهن هذه الحرفة و اللواتي رسمن بالقش الملون حكايات على أطباق القش.

الحرفة البسيطة استمدت أهميتها من الحاجة لمنتجاتها في زمن كانت فيه الصناعات اليدوية هي السائدة إلا أن تطور الصناعات واختلاف حاجات المجتمع وتنوع اهتماماته في الوقت الحاضر تهددها بالاندثار بعدما اقتصرت الحاجة اليها للناحية التجميلية والتراثية.

ويعتبر ماجد حاج أحمد مدرس تاريخ من مدينة ارمناز أن بساطة الحياة وعزلة الريف عن المدينة في الماضي أعطت هذا النوع من الحرف أهمية مضاعفة لكونها تعتمد على المواد الأولية التي تؤمنها البيئة المحلية.

وأوضح أحمد إنه رغم سلبيات هذه العزلة في نتائجها الاجتماعية والاقتصادية إلا أنها كانت سبباً رئيسياً لازدهار صناعة القش وانتعاشها في الماضي بدافع الحاجة لها حتى أصبحت مع تطور الحياة شكلاً من الفلكلور الفلاحي والتراث الشعبي لمعظم مناطق المحافظة.

ويقول أبو علي أحد حرفيي القش أن أغلب مزاولي الحرفة بإدلب من النساء كون طبيعة عملهن تتطلب المكوث في المنزل لفترات طويلة وهن الأقدر على تقدير شكل وحجم الأوعية المطلوبة فضلاً عن البراعة والحس الفني والتحلي بالصبر الذي تتطلبه مزاولة هذه الحرفة.

وأضاف أبو علي أن صناعة القش بالمحافظة تطورت في السابق لأن الناس وتحديداً الفلاحين كانوا بحاجة لأوعية مختلفة الأحجام والأشكال لنقل إنتاجهم الزراعي من الحقول إلى البيادر ومنها إلى المنازل إضافة إلى نقل مستلزمات الإنتاج لافتاً إلى أن سوق القمح كانت المادة المتاحة والأنسب لهذه الصناعة لتميزها بالقوة والمرونة في آن واحد فضلا عن كونها متوفرة بكثرة حيث كانت النسوة تحصدن سنابل القمح وتنتقين منها السوق الجيدة الطويلة وغير المتكسرة ثم يقمن بتخزينها على شكل رزم حتى أيام الشتاء لاستخدامها في صناعة الأطباق والأوعية المختلفة.

وتعود أم فارس إلى ماضيها مع هذه الحرفة مستحضرة أياماً مضت حين كانت تجلس في أيام الشتاء بصحبة بعض النسوة إلى جانب الموقد بعد أن يفرغن من العمل الزراعي وأعمال المنزل ليقمن بصناعة أطباق القش لافتة إلى أنهن كن ينقعن السوق المخزنة بالماء لمدة يوم أو اثنين حتى تصبح طرية ومرنة قبل أن يصبغنها بالألوان المختلفة حسب الطلب والحاجة.

وتحدثت أم خالد التي لا تقل عن أم فارس حنيناً لتلك الأيام كيف كانت ورفيقاتها يحاولن إبراز براعتهن بهذه الصناعة ويتباهين بها ويتنافسن أيهن الأقدر على صنع أفضل وأجمل وعاء وذلك من خلال رسم بعض الاشكال والرسومات المميزة أو ايجاد تناغم وتناسق وانسجام بين الألوان والأشكال.

وتشير أم خالد إلى إنه قد تميل بعضهن إلى كتابة عبارات بسيطة مثل أهلا وسهلاً حيث يعتقدن إنها تضفي على المنتوجات جمالاً وألقاً وكن يعلقن الأطباق والسلال وغيرها من المصنوعات القشية على الجدران طيلة فصل الشتاء لافتة إلى أن أكثر النساء كن عندما يخطبن يأخذن بالاعتبار ضمن مزايا الفتاة مدى قدرتها ومهارتها على صنع أطباق القش ويقيمن ذوقها ويحكمن عليه بناء على ذلك.

وأوضحت أم سالم أن عملية صناعة القش تبدأ بحزمة صغيرة من عيدان القش يبلغ عددها نحو 15 إلى 20 عوداً توضع بشكل متساو وتبدأ بعدها عمليات لف عيدان أخرى حولها غالباً ما تكون من لون مختلف بحيث يحزم العود الأخير مجموعة الأعواد موضحة ان الطبق أكثر الأوعية المصنوعة من القش والمعروفة في إدلب وأكثرها استخداماً وهو وعاء مسطح على شكل دائرة يصل قطرها إلى متر يستخدم عادة لوضع الخبز عليه أو لتجفيف الخضار في أيام الصيف مشيرة إلى أن الطبوقة تصغير للطبق وأقل مساحة وأصغر حجماً منه لكنها على شاكلته وكانت توضع عليها صحون الطعام لتقديمها لشخص أو اثنين على الأكثر أما إذا كان العدد أكبر فيتم وضع الصحون على الطبق.

وأضافت أم سالم هناك أيضاً النقال وهو شكل مخروطي مغلق من الأسفل ومفتوح من الأعلى وقطر قاعدته السفلية أصغر من فتحته العليا وكان يستعمل لنقل القمح والشعير أو ما شابه ذلك أما القشوية فهي أصغر حجماً من النقال وكانت تستخدم لنقل الخضار وتتسع لنحو10 كغ لافتة إلى أن القفورة وعاء مفلطح ذو قاعدة ضيقة ووسط واسع وفوهة ضيقة وكانت مخصصة لحفظ بيض الدجاج فيها.

ويقول الباحث التاريخي فايز قوصرة في أيامنا هذه قل استخدام الأوعية المصنوعة من القش إلى درجة كبيرة وتم الاستعاضة عنها بالأواني المعدنية والنايلون وطاولات الخشب والبلاستيك نظراً لتطور انماط الحياة والمعيشة وعجز هذه الأوعية عن مواكبة متطلبات المعيشة.

ويرى قوصرة أن انفتاح الريف على المدينة وانتشار الأوعية بمختلف الانواع والاشكال أدى الى انكماش هذه الصناعة وأوصلها إلى حد الإندثار رغم حنين البعض اليها والدليل على ذلك الإقبال على شرائها حتى اليوم ولكن لأغراض الزينة والهدايا.

ودعا قوصرة إلى إحياء هذه الحرفة من جديد وحمايتها من الاندثار و تشجيعها من خلال إقامة معارض خاصة بها أو مهرجانات سنوية تتبناها مديرية السياحة أو الجمعيات الأهلية أو المنظمات الشعبية والاتحادات الحرفية والمهنية.

ويحن أبو ثابت شاعر زجل شعبي يقتني عدداً من الأطباق في بيته إلى هذه الأوعية ويقول إنه مازال يشم فيها رائحة خبز التنور ويرسم بمخيلته صورة والدته التي كانت تنقل بها الخبز الى المنزل.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق