دار الكتب الظاهرية ستعود قريباً موئلاً للباحثين

21 أيلول 2011

والدارسين عرباً ومستشرقين

يشكل مشروع ترميم دار الكتب الظاهرية بدمشق خطوة هامة نحو حفظ تراث كامل من المخطوطات والكتب العربية النادرة حيث يعتبر هذا المشروع من أبرز المشاريع الثقافية التي يوليها مجمع اللغة العربية بدمشق أهمية خاصة لما تضمه المكتبة من نفائس المؤلفات العربية التي ساهمت في ترسيخ اللغة العربية وحفظها من محاولات السرقة والتزوير التاريخي لمنطقة بلاد الشام وكأول مكتبة عمومية في دمشق حوت أرشيفاً ضخماً يوثق لأهم معالم الشرق العربي الإسلامي منذ القرن العاشر الميلادي.

وقال الدكتور مروان المحاسني رئيس مجمع اللغة العربية في حديث لوكالة سانا..إن المكتبة الظاهرية تمتاز بأن فيها مجموعة نادرة من الدوريات التي كانت تصدر في البلاد العربية منذ القرن التاسع عشر وطيلة القرن العشرين وهي موجودة ومحفوظة حفظاً جيداً في المكتبة الظاهرية حيث جرى تبويبها وهذا ما يجعل مجمع اللغة العربية يتحمل مسؤوليته تجاه الحفاظ على هذا المستوى العالي من المعلومات والنصوص و الفكر العربي الموجود في هذه المكتبة.

وعن طريقة حفظ هذه النصوص قال المحاسني.. إنه جرى تدريب العاملين في المكتبة الظاهرية على طرق الفهرسة في السنتين الأخيرتين وكانت النتائج على مستوى عال من التنفيذ كما تم تجليد الكتب وتطهيرها من الجراثيم والعفن قبل فهرستها مما جعلها أكثر تماسكاً ومن ثم جرى أتمتة فهارس موجودات المكتبة الظاهرية عن طريق الحواسيب لتكون جاهزة للاستثمار في شهر تشرين الثاني المقبل بعد ربطها مع نظام أرشيف حاسوبي يحوي موجودات مكتبة المجمع ليكونا معاً مجموعة نفيسة مؤتمتة متكاملة مما يتيح لأي باحث موجود في أي مكان من العالم أن يدخل حاسوبياً ويطلع على أي كتاب موجود في هذه المجموعة ويتصفح محتواه.

وأوضح رئيس مجمع اللغة العربية أن ترميم المكتبة الظاهرية تم من خلال الاستعانة بخبراء المتحف الوطني وبعض الخبراء في الأمور الهندسية التراثية .

وقال إن من بين أهم الأشياء التي أولاها مشروع الترميم الأهمية هو ترميم ضريح السلطان بيبرس الذي أسس المكتبة الظاهرية مبيناً أن هناك بعض الأمور الفنية الدقيقة جداً التي احتاجت الاستعانة بخبراء المتحف الوطني وخبراء اخرين يشتغلون بإدخال الصدف على الجدران لاعطاء هذا الصرح مكانته التاريخية والجمالية.

كما أشار المحاسني الى أن تدريب العاملين في أرشفة وحفظ موجودات المكتبة الظاهرية تطلب الاستعانة بأخصائي سوري مغترب لديه مؤسسة متخصصة في العناية بالكتب التاريخية والتراثية حيث أرسل أخصائيين في هذا المجال مع التجهيزات اللازمة ما ساعد على القيام بتعقيم وترميم وتجليد هذه الكتب لتكون مصانة بالشكل اللائق بقيمتها الفكرية والتاريخية.

وقال رئيس مجمع اللغة العربية ..إن الاستمرار في عملية الحفاظ على موجودات المكتبة الظاهرية يتطلب قانوناً جديداً يقيم هيئة فنية واضحة في تكوينها للارتقاء بهذا الكنز الفكري إلى مستوى أعلى مبيناً أنه من المطلوب أيضاً توفر الأخصائيين أصحاب الخبرة في الحفاظ على الكتب التراثية والتاريخية ليكونوا مسؤولين عنها وهذا غير متوفر حالياً ضمن الكادر الموجود.

وعن محتويات مكتبة مجمع اللغة العربية قال المحاسني لدينا مكتبة فيها الكثير من النصوص القديمة إضافة الى نصوص تراثية تعود للقرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين لافتاً إلى أن المكتبة الظاهرية كانت مكتبة قائمة قبل إنشاء مجمع اللغة العربية والحقت به على اعتبار أن ما فيها من نصوص ومن تراث يحتاج لصيانة من قبل أعضاء المجمع الذين يهتمون بهذا الشأن فشكلت هذه المكتبة الحافظ للتراث بكل معنى الكلمة لاحتوائها أهم النصوص مثل تاريخ ابن عساكر عن مدينة دمشق وهو من أشهر كتب التاريخ الدمشقي ولذلك بقيت هذه المكتبة مستقلة والى جانبها المدرسة العادلية التي كانت مركزا لمجمع اللغة العربية في تلك الأيام.

وأضاف..بعد انتقال المجمع الى مكانه الحالي نقل معه بعض الكتب التي تختص بما يحتاج إليه أعضاء المجمع ولدينا الآن مكتبة تحوي الكثير من الكتب العربية والأجنبية ونفتخر باننا ما زلنا قادرين على الاستفادة منها عن طريق فهرستها بالطرق الحديثة عن طريق الحواسيب ما جعل استثمارها شيئاً سهلاً دون أن يخرج الكتاب من مكتبة المجمع ولا يعار إلا لأعضاء المجمع في داخل المجمع للحفاظ عليه.

وأشار المحاسني إلى خطة المجمع في حفظ التراث الذي تتضمنه المكتبيتين من خلال التأكد من سلامة الموقع الذي وضعت فيه الكتب ضمن شروط التخزين السليمة مثل التكييف وإحكام الإغلاق للمكان حتى لا يدخله الغبار والحشرات مبيناً أن المجمع لجأ حديثا الى التعامل مع مؤسسة جمعة الماجد المتخصصة بالتعامل مع الكتب التاريخية بما يتيح الحفاظ على هذه النصوص كون بعض الأوراق متآكلة وبعضها منفصلة ما استوجب العناية بها وحفظها بشكل لائق .

وعن دور مجمع اللغة العربية في الحياة العامة والعلمية قال رئيس المجمع إن الغرض من تأسيس المجمع بعد عصر التتريك كان حماية اللغة العربية والحفاظ على مجموع التراث العربي مكتوباً كان أم جامداً في الأبنية والأوابد التاريخية ولذلك كان المتحف الخاص بآثار سورية جزءا من مجمع اللغة العربية حين تأسيسه قبل تسعين عاماً موضحاً أن المجمع يصون نصوصا ثمينة على اعتبار أنها تحوي أمورا لم يطلع عليها الكثير وهي نصوص يجب أن يصل الباحثون الى جوهرها وعلينا أن نسهل وصولهم إليها.

وعن إيجاد مصطلحات تتيح للغة العربية ان تصبح عالمية وناقلة للحداثة والحضارة أوضح المحاسني أن هذا الموضوع واسع والمجمع لا بد من ان يقوم بمسؤولية جدية يومية من خلال تدارك كل ما يصل إلينا من الفاظ الحضارة وتقديم المقابل العربي لها حتى نتخلص مما يجرى في الاسواق من تعريب خاطئ مبيناً أن مهمة المجمع هي الارتقاء باللغة العربية حتى تصبح لغة تخاطب مستوى فكرياً عالياً.

ويضع المجمع المصطلحات في جميع العلوم الموجودة حاليا حيث انطلق مشروع توحيد المصطلحات العلمية في جميع الجامعات السورية عن طريق انشاء لجان خاصة منذ خمس سنوات قوامها الخبراء وهم أعضاء مارسوا مهنة التدريس اكثر من عشرين سنة ليجلسوا في جلسات علمية وينظروا في ما ورد بمسارد الكتب العلمية التي تنشرها الجامعات وادخالها في مسرد واحد ووضع المقابلات العربية لها كما أن المجمع لديه لجان متعددة في علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة وكذلك الجيولوجيا في محاولة لتوحيد المصطلحات العلمية في كل الجامعات.

ولفت المحاسني إلى أن المجمع يقوم حالياً بوضع المصطلحات الحديثة لطب الأسنان بالإضافة الى ألفاظ الإعلام لأنه علم حديث .

وقال إن الانفتاح على مواضيع مختلفة من قبل الاعلام يحتاج الى تقنيين فهناك معاجم للإعلام تأخذ منها الكلمات وتوضع المقابلات لها في محاولة للتوافق مع ما ورد في المعاجم الصادرة عن مجمع اللغة العربية في القاهرة كما تم إدخال لجنة جديدة لشؤون البيئة لأنها مجال هام جدا يجب النظر فيه والمجمع يجب أن يغطي جميع مجالات العلوم ما استدعى تغيير هيكلية المجمع من مجموعة أخصائيين باللغة العربية الى الاهتمام بالعلوم العالمية مثل علم النبات وعلم الحياة والمواصلات والهندسة وكل الأمور الحديثة من خلال إدخال أعضاء جدد يجري انتخابهم من المجمع ليؤسسوا لجاناً ويستدعون الخبراء حيث ماكانوا.

وعن مشروع المعجم التاريخي للغة العربية الذي يهتم بتطور الألفاظ على مر العصور أوضح المحاسني أن مجمع اللغة العربية في دمشق يختص ضمن هذا المشروع بالأدبين الجاهلي والأموي وهو عمل تقوم فيه لجان خاصة هي لجان تاريخ اللغة العربية التي تعود الى تثبيت النصوص والاخذ بها ووضع البرامج التى تسمح بالوصول الى الكلمات مبيناً أن هذا مشروع طويل الامد وضخم ويحتاج الى سنوات لإنارة حقائق اللغة العربية.

وتكشف المراجعة لتطور النصوص الحاصل من خلال تطور مفردات اللغة العربية عبر السنوات الطويلة الماضية بشكل تدريجي مدى التغير الطارئ على هذه المفردات بين شكلها الماضي وشكلها الحالي حيث ستكون هناك مقدرة للوصول الى هذه الكلمات عندما يتم استثمار مشروع الأتمتة بين المكتبة الظاهرية ومجمع اللغة العربية.

وعن مشروع الذخيرة العربية أشار المحاسني إلى أن هذا المشروع الجزائري يسعى لتثبيت التراث والاستفادة منه ليطلع عليه الباحثون في أي مكان وزمان لذلك بدأ المجمع بهذا المشروع ونظر إليه كجزء أساسي يبنى عليه تاريخ اللغة العربية مبيناً أنه متى تم جمع هذه النصوص وأرشفتها حاسوبيا ستصبح المراجعة للمعجم التاريخي أمراً ميسراً فمن هنا لا يختلف مشروع الذخيرة عن مشروع المعجم التاريخي فهما عبارة عن نصوص يتم الاستفادة منها والولوج إليها بالتعاون مع جميع المجامع العربية في الوطن العربي .

وحول خطورة العولمة على اللغة العربية قال رئيس مجمع اللغة العربية إن عصر العولمة هو عبارة عن انفتاح عالمي شامل لكافة مناحي الحياة والعلم والثقافة والتكنولوجيا على بلاد كان معتماً عليها قديماً موضحاً أن التكنولوجيا اليوم دخلت الى كل مكان في العالم ونحن لا نقول ان العولمة فيها ضرر ولكن استسهالنا للغتنا هو الخطأ وعندما لا نقوم بادخال العلم الى اللغة العربية وقتها تكون العولمة ضارة لنا.

وأضاف.. ان الآخرين لا يفرضون علينا اراءهم ولا قناعاتهم بل يقدمون لنا خدمات ونحن ننتقي ما نحتاجه لأننا أصحاب ذوق وتراث و حس وذائقة ولا نهاجم العولمة إلا إذا رأينا أن الناس يقبلون ما تعرضه العولمة دون نقاش ويستسلمون لها وهذا غير مقبول ونحن لا نستسلم للعولمة لاننا نملك ذاتيتنا الثقافية ونحرص عليها وعلى مقوماتها التي تسمح لنا بان نحكم بقبول ما يناسبنا ورفض ما يتعارض مع قيمنا وثقافتنا وحضارتنا.

يذكر أن دار الكتب الظاهرية سميت باسم الملك الظاهر المدفون فيها وهو السلطان ركن الدين ابو الفتوح بيبرس البندقداري ملك مصر والشام واشهر سلاطين المماليك البحرية وقد دفن في قلعة دمشق قبل ان ينقل جثمانه الى المدرسة الظاهرية ليدفن فيها وهو بطل معركة عين جالوت التي أوقفت الهجوم المغولي.

مضت الظاهرية في اداء رسالتها الثقافية وخدمة العلم مدة ستة قرون درس فيها خلالها عدد غفير من العلماء اما خريجوها فكانوا من الطلاب الذين اثروا الفكر الانساني على مدى قرون وعددهم عظيم . وتخضع دار الكتب الظاهرية منذ عام 2006 لأعمال ترميم بإشرف مجمع اللغة العربية حيث شارفت هذه الاعمال على الانتهاء وستخرج المكتبة الظاهرية بعدها الى روادها من الباحثين وطلبة العلم في حلة جديدة تجمع بين عراقة الماضي وتطور الحاضر.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    اسمك

    الدولة

    التعليق