هالة الفيصل تعرض في نينار آرت

22 11

طبيعة صامتة ووجوه تنتظر معجزة

تعيد هالة الفيصل في لوحاتها الأخيرة تكرار نفس الوجوه العزلاء الكئيبة التي تشبهها كثيراً، لدرجة أنه يمكن القول بأنها لا ترسم سوى نفسها في جميع الحالات والاحتمالات. حتى عندما تصور مشاهد الطبيعة الصامتة، اختارت أن تتقاطع مع تعابير تلك الوجوه سواء من جهة الترقب، أو انفضاض الندماء قرب الكؤوس وانعدام الزوار.
هالة التي سبق أن أثارت الكثير من الاحتجاجات والتساؤلات منذ أكثر من عامين من الآن، وذلك إثر قيامها بالتعري في ساحة (واشنطن بارك) في الولايات المتحدة احتجاجاً على الحرب الأميركية على العراق، تعود الآن إلى اللوحة كي توصل رسالتها التي تصفها بالإنسانية ونصرة الفقراء والضعفاء في العالم كما تقول، فتحاول أن تترك أثراً في مشهد التشكيل السوري مستندة في ذلك إلى الخصوصية التي تحاول جاهدة أن تبنيها لذاتها، دون أن يستطيع أحد الجزم هل نجحت في ذلك أم لا؟
يوافق الكثيرون على الأثر السلبي الذي تركه قيامها بالتعري والكتابة على جسدها عبارات ضد الحرب والقتل، وبالتالي تعرضها لحملة انتقادات شديدة على امتداد العالم العربي الذي لم يألف هذا النوع من الرفض. ورغم أن الجزء القليل من الكتابات ساندها في سلوكها ذاك، إلا أن ذلك التأييد ظل خجولاً ومتردداً وغير قادر على مجابهة السيل العارم من التهكمات. ورغم تبريرات هالة عن ذلك السلوك وتمنياتها بألا يُساء فهمها في مجتمعها قد ذهبت سدى حينها، إلا أنها أصرت على أن ما جعلها تتعرى هو "الأمور غير المعقولة التي تحدث في العراق وفلسطين من سفك للدماء" وشددت على أن ظهورها عارية هو إشارة إلى أن "الشخص العاري هو الشخص الحقيقي الذي لا يمكن أن يقوم بالحرب وهو ضعيف بدون يحمل أسلحة، والإنسان الآن صار متوحشاً أكثر من الحيوانات فلا مانع لديه من قتل إنسان آخر في سبيل مصالحه".
تقدم هالة عدة لقطات من الطبيعة الصامتة التي تتقاطع مع نهجها العام في رسم وجوه الناس وحركاتهم، فالصمت هنا يوحي بالترقب، حيث الكأس ممتلئة فوق الطاولة وفي الخلفية باب مفتوح وظل لوجه رجل. حتى التفاحة الوحيدة بالقرب من زجاجة الشراب، توحي بالخواء، فرغم كل الدلالات التي تحملها هذه الفاكهة، ظل المشهد قاتماً متحفزاً بانتظار شيء ما، مثله مثل الوجوه التي ترسمها هالة تماماً، سواء كانت في أشد لحظات حزنها، أم في أكثرها ابتهاجاً وإشراقاً.
ألوان هالة عموماً، تميل لأن تكون داكنة أكثر، حتى عندما ترسم الأحمر وتدرّجاته، أو الأزرق الكحلي وصولاً إلى البحري الفاقع، فإنها أكثر قرباً من الرماديات، ربما بسبب لمسة الحزن التي تطبع مجمل أعمالها. وربما يكون لذلك علاقة مع ذاتيتها ورؤيتها التي لم تستطع الخلاص منها أبداً، حتى في مشاهد الطبيعة الصامتة كما أسلفنا، كانت الألوان الزاهية تبدو طارئية ومؤقتة في وجودها وذلك يرجع إلى الخلفية التي تشكل أرضية اللوحة، وأيضاً إلى الانطباع الذي يحدث لدى المشاهد.
هالة التي ترسم نفسها أحياناً مثل أميرة حزينة، تعيد التعبير بنفس الوجه دون أن تحدث أي تعديل يذكر في الملامح العامة له، وكأن ما ترسمه يحكي قصة إنسان معين تقوم بإدخاله التاريخ الذي وصفته يوماً بأنه لا شيء. وطبعاً هذا الأمر يوحي بتواتر شديد في الأحاسيس وحسن التقاط العالم وتطوراته بشكل عام، لكن التوفيق في عكس كل تلك التداعيات النفسية في اللوحة لا ينجح دائماً في تقديم إنجاز على درجة كبيرة من النجاح في التقنيات، ففرادة هالة تكاد تتركز في الفكرة أكثر منها في أساليب التعبير وذلك مقارنة بالتجربة التشكيلية السورية بشكل عام. هذا الأمر تفسره حالة القلق التي طبعت اهتمامات هالة وتنقلها في أكثر من مجال في الفنون. فقد سبق أن اشتغلت في التمثيل والموسيقا وساهمت في أفلام وثائقية عديدة، ما أدى إلى تقديم أولوية الفكرة لديها على سواها من العناصر التي تشكل ركيزة الفنون. أقامت هالة فيصل معارض كثيرة منذ عام 1983 في عواصم عربية وعالمية، وسبق أن حاضرت في تاريخ الفن في دمشق ونيويورك، كما درّست اللغة العربية في جامعة نيويورك وساهمت في أفلام وثائقية عديدة. تخرجت في كلية الفنون الجميلة بدمشق سنة 1983، واشتغلت في حقل التمثيل، إذ قامت ببطولة الفيلم السينمائي السوري "وقائع العام المقبل" من إخراج سمير ذكرى. وبعد ذلك سافرت إلى موسكو للدراسة في المعهد العالي للسينما، وهناك لعبت الدور الرئيسي في فيلم روسي سوري مشترك عن المدن الإسلامية "هوى، بخارى وسمرقند". ثم عادت إلى سورية عام 1989 لإقامة المعارض فيها، والرحيل مجدداً إلى باريس، حيث درَست هناك في المدرسة العليا للفنون الجميلة، وأقامت العديد من المعارض بين عامي (1995 و1996). ثم عادت مجدداً إلى دمشق لإقامة المعارض فيها وفي بيروت، ومنها رحلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتستقر فيها منذ العام 1998. هناك مارست تدريس الفن في جامعات نيويورك، إضافة إلى تدريس اللغة العربية أيضاً. وألقت محاضرات عن تاريخ الفن ومفهومه في متحف بروكلين في نيويورك.
لوحاتها موجودة في مجموعات خاصة، المتحف الوطني بدمشق، الولايات المتحدة الأمريكية، أوربا وفي بعض الدول العربية. ساهمت مؤخراً في أمسية غنائية في باريس فشاركت في الشعر والتلحين والغناء، وهي تعيش مابين دمشق وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
في معرضها الجديد، تعيد هالة تكريس تجربتها المعهودة في رسم الوجوه والطبيعة الصامتة أو المشاهد العابرة لأناس تركوا أثراً في يومياتها، مستخدمة ذات الأسلوب المعهود في اللون والخط والتدرجات، حتى إن المهتمين بالتشكيل السوري تمنوا أن تشهد لوحاتها قفزةً أو تغييراً ما سواء على صعيد الشكل أم المضمون. فهل تفاجئنا هالة مستقبلاً بقلقها المشهور كثيراً بالتغيير، أم ماذا؟


زيد قطريب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق