إدوارد سعيد: تأملات حول البداية

12 03

يحاول إدوارد سعيد أن يبين أن العرب يعتقدون أنهم في مواقفهم إزاء الأزمات السياسية يشكلون بناء متماسكاً أساسه وحدة الهوية العربية، لكن الوقائع تثبت عكس ذلك، بالمقابل فإن القول بهوية إقليمية مثل الهوية اللبنانية أو العراقية أو غيرها هو مسألة سطحية وليست حلاً للواقع العربي الراهن، إلا أن العراقي أو المصري عندما يقول «نحن» فهو يعني في الغالب «نحن العرب».
لكن إذا كان هذا صحيحاً فلماذا -كما يتساءل إدوارد سعيد- يتم تغليب المصالح المحلية الضيقة على المصلحة العربية العامة؟ وهنا تكمن المفارقة الكبيرة، لذلك فإن المحرك الأساسي للوعي العربي المشترك هو أمواج الحماسة العابرة، فالعروبة يجب أن تتأصل في تضافر شامل يتجه نحو النظام والتقدم والتخطيط والعلم والإشراق الحضاري.
ويؤكد سعيد على أن الزمن لن يرحم العرب إذا ظلوا كما هم، وهذا يؤول إلى ضرورة أن يعيد العرب قراءة وجودهم الاجتماعي بطريقتين:
الأولى تكون عن طريق تحديد الفارق بينهم وبين غيرهم من المجتمعات،
والثانية تكون بتحديد ميزاتهم الخاصة.
لكن هذا المطلب يحتاج إلى خطوات تاريخية معقدة تشمل مؤسسات المجتمع من جوانب لا تحصى، والمجتمع يدرك نفسه من خلال توجه نحو الخارج وآخر نحو الداخل، والمهم هو توجه المجتمع نحو الخارج لأن هذا الوضع يحدث تفاعلاً بين المجتمع كوحدة ثقافية وبين العالم الخارجي.
ويظهر هنا أن سعيداً يربط ربطاً جدلياً بين العناصر الداخلية في المجتمع ودور هذه العناصر في الجسر فوق الهوة مع العالم الخارجي، وكأنه هنا يفتح باباً واسعاً لمناقشة تأسيس علمانية عربية تجد مكانتها الحضارية في عصر العولمة. ويعتقد إدوارد سعيد أن التفاعل كان سطحياً بين العرب والغرب، وهذا يكمن في أن النمط الأساسي لنقل المعرفة في الثقافة الأوروبية هو التقليد، وهنا تظهر ملاحظة على درجة عالية من الأهمية، وهي أن العقول العربية قد فسدت لفرط ما حشرت في قوالب يزعم أنها أوروبية أو حديثة، وهي القوالب التي تحررت أوروبا منها منذ مئتي سنة.
برأيه أكثر الأشياء سوءاً هو الكتابة السياسية لأن غرس مصطلحات في العالم العربي كالفاشية أو الليبرالية الذرائعية أو الماركسية قد أوقع بالإنسان العربي الخراب، والمشكلة الأساسية هنا هو أن الثقافة الغربية بالنسبة إلى الثقافة العربية تتجلى بوصفها مرجعاً سلطوياً أبدياً، وهذا لا يعني أن الثقافة الغربية سلبية بشكل مطلق، ولكن ما يجب اجتنابه هو حالة التبعية التي تلف المثقفين العرب، وهذا يظهر جلياً في غياب مبدأ الخصومة والاختيار والمعارضة في ثقافتنا.
السؤال المطروح هو أين العقل العربي الآن؟ فالثقافة العربية تحتاج إلى عمل الفيزيائي والمهندس والطبيب والمحامي ورجل الأعمال ورجل السياسة. وهنا يسوق سعيد آراءَ نيتشه وفرويد ودوستويفسكي حول أن الإنسان مخلوق يكمن القسم الأكبر من حياته تحت السطح الخادع سطح العقد والرغبات الجنسية البدائية والدوافع الممزقة غير الأخلاقية.
على أي حال فسعيد يسعى إلى بلورة رؤية حقيقية في معرض مناقشته لمفاهيم أساسية يعتبرها ذات دور فاعل في إعادة تشكيل للوعي العربي، وهو لا يقف عند هذا الحد وإنما يتطرق إلى مشكلات أساسية في الثقافة الغربية ويناقش بعمق تقنيات المدارس المختلفة من بنيوية وفينومينولوجية ووجودية، ويحاول أن يجترح رؤية عامة تتسم بالطابع الإنساني الناجم عن تمازج الفكر العربي والفكر الغربي في منهجية إدوارد سعيد.


نبيل سلامة

الثورة

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق