الأديبة كوليت خوري في محاضرة للدكتورة عاطفة الفيصل

11 حزيران 2011

أقيمت في المركز الثقافي العربي في المزة، محاضرة بعنوان «اللغة الروائية في أعمال الأديبة كوليت خوري»، وذلك يوم الأربعاء 8 حزيران 2011، قدمتها الدكتورة عاطفة الفيصل، وهي حول أعمال الأديبة كوليت خوري، وذلك بحضورعدد من المفكرين والصحفيين.

وتحدثنا الدكتورة عاطفة الفيصل قائلةً: «إن التحول الإجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي طرأ على المجتمع العربي السوري في نهاية الأربعينيات والخمسينيات نتيجة الظروف السياسية التي عمت البلاد، وأدت لنشوء أحزاب سياسية متعددة، وانخراط المرأة في ميدان النضال السياسي، وتمرد البعض منهن تمرداً إيجابياً أو سلبياً كان له أثر فعال في التحول العام . وقد ظهر ذلك واضحاً في الرواية السورية،‏ والتي كان من أبرز كتابها الأديبة كوليت خوري، تلك الوردة الدمشقية في أدبها كمعزوفة موسيقية تنبعث من أعماق الأنثى، وفي الوقت نفسه سلاح حاد في وجه التخلف والتقليد الأعمى، وقلمها تكتمل به عيون الاجيال القادمة ويضيء لهم دروب الحياة الحرة نحو الإبداع».‏

وتضيف الدكتورة الفيصل أن الأديبة كوليت خوري ولدت في أسرة صغيرة جداً بالعدد كبيرة جداً
بالأصدقاء، ومشهورة جداً في الميدان السياسي والصحفي والأدبي.‏ فقد درست الأديبة كوليت خوري الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت عام 1955، ودرست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق عام 1958، عملت في التدريس في معهد اللاييك وفي كلية الآداب بجامعة دمشق، وعملت في مجلة المضحك المبكي التي كان يصدرها خالها الصحفي حبيب كحالة، أما والدها سهيل الخوري فقد تبوأ سدة الوزارة مرتين.

وهي حفيدة العلامة الأستاذ فارس الخوري رئيس وزراء سورية الأسبق، وأول رئيس لمجلسها النيابي، وكان من أهم رواد القومية العربية في القرن العشرين، ومن ألمع أدبائها وشعرائها، مثل العرب في هيئة الأمم المتحدة وترأس مجلس الأمن لدورتين عام 1947- 1948، علمها مبادئ العربية فنشأت فصيحة اللسان. انتخبت في مجلس الشعب لدورتين متتاليتين (1990- 1998) وتفرغت بعدها للعمل الأدبي.‏ وقد نبغت الأديبة كوليت خوري في سن مبكرة في كتاباتها الأدبية، أصدرت ديوانها الأول «عشرون عاماً» بالفرنسية، ثم تتالت رواياتها وقصصها القصيرة ومقالاتها ودراساتها التاريخية، وتعد من أهم رائدات تحرر المرأة في الوطن العربي.‏ تسلمت الأديبة جائزة القدس لعام 2009، وذلك في حفل افتتاح أعمال المؤتمر العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في مدينة سيرت الليبية.‏

وأما عن أعمالها فتقول الدكتورة الفيصل: كان لها أعمال أدبية كثيرة منها أربع روايات هي «أيام معه»، «ليلة واحدة»، «ومر صيف»، و«أيام مع الأيام»، وأربع مجموعات قصصية منها «أنا والمدى»، «الكلمة الأنثى»، «الأيام المضيئة»، «دمشق بيتي الكبير»، وصدر لها مجلدان بعنوان «أوراق فارس الخوري»، ويليهما مجلدات أخرى، ومقالات تعد بحوالي خمسمئة مقالة.‏ وصدر لها أخيراً كتاب بعنوان «ويبقى الوطن فوق الجميع».‏

وقد مرت الأديبة بمراحل صعبة في حياتها وتقول على لسان بطلتها في أيام مع الأيام: «إما أن تكون سورية في الغربة أو غريبة في سورية فاختارت الحل الأوجع، وهو البقاء في دارها العامر بالزوار والأدباء والإعلاميين، وهو أشبه ما يكون بنادٍ أدبي تغمره المجلات والكتب وتزين جدرانه اللوحات الفنية الرائعة».

وهي شخصية بارزة في الحياة الثقافية السورية، تمردت في حياتها على كل ما هو متخلف ورجعي من العادات والتقاليد الاجتماعية، وقالت عن أبطال رواياتها وقصصها إنهم أشخاص تحبهم وتقوم بخلقهم كما تريدهم على الورق.‏ والأديبة كوليت في رواياتها تغوص في جذور المشكلات التي تتعرض لها المرأة، وتكشف عن أسباب القهر الذي يسود المجتمع، وتحاول رسم الخلاص حسب رؤيتها من خلال إيحاءات، وهي عبارة عن إيحاءات بعالم جديد متنور، فالفنان الصادق والحقيقي يلتقط اللحظات الدقيقة والجليلة التي هي برزخ ما بين الحياة والموت، هكذا هي الروائية المبدعة كوليت حيث تفصح في روايتها «أيام معه» عن تمرد عنيف ضد التقاليد السائدة، ووجود اللغة القوية ذات النبرة الحادة، وذلك في حديث البطلة ريم: «كل واحد هنا ينادي بالشرف هل هناك واحد يعرف معنى الشرف الحقيقي»، واللغة عند ريم تزداد قوة وتنبعث من الأنا العليا، فحين يرفض زياد الزواج من ريم ويطلب منها أن تتزوج ألفريد خطيبها السابق ضارباً بعاطفتها عرض الحائط، فهنا تعرف أنها ضعيفة وتقول: «لماذا لا أكون شخصيتي بنفسي عوضاً عن أن تكون حياتي انعكاساً لأشعة عينيه. وتضيف الدكتورة أنه من سرد الحديث تبدو الأنا عند ريم قوية ولديها ثقة مطلقة ترددت
بكلمات سأعلم سأعلم كيف يكون الإنسان.

وتتابع الدكتورة الفيصل: «أما في رواية الكاتبة "ليلة واحدة"، فالبطلة رشا تنتابها مشاعر القلق والاغتراب والوحدة واليأس، فهي امرأة دمشقية تزوجت في سن مبكرة من رجل يكبرها بخمسة عشر عاماً، وكان الزوج ينظر إليها على أنها شيء من ممتلكاته، والراوية بمجملها رسالة اعتراف تخطها رشا إلى زوجها من أحد فنادق باريس، وهي قصة حياة كاملة عاشتها في ليلة واحدة مع غريب في الفندق التقته أثناء سفرها، وعرفت من الطبيب الذي أجرى لها فحوصات هناك أنها قادرة على الإنجاب، ولهذا كان يتهرب زوجها من إجراء الفحوصات الطبية، وأثناء عودتها لمواجهة زوجها بالحقيقة تصدمها سيارة وتفارق الحياة وتكون سعيدة بهذه النهاية.‏ ورشا كانت دائماً في صراع نفسي حاد فهي ضعيفة وراضخة، لم يحسسها زوجها يوماً بأنوثتها، بينما هذا الغريب استطاع ان يوقظ فيها الإحساس بالأنوثة. فخيانة رشا لم تكن موجهة ضد الزوج بل ضد الذات المدمرة على صخرة الواقع.‏ وتطرح الرواية موقفاً فكرياً هاماً وهو زواج الأنثى في بلادنا بتخطيط من الأهل، لتنتقل من سلطتهم إلى سلطة الزوج الذي لا يرى في المرأة إلا شيئاً من ممتلكاته، لذلك أخفقت رشا في زواجها، الكاتبة تريد بذلك أن التمرد الإيجابي يؤدي إلى التحرر الصحيح، في حين أن الرضوخ والاستسلام لا يعطي أي مجال للمرأة غير الضياع».‏

وتختتم الدكتورة الفيصل محاضرتها قائلة: «إن اللغة التي عبرت فيها الكاتبة عن شخصيات رواياتها وعن الأحداث الروائية بما فيها السرد والوصف والحوار هي لغة فصحى تبتعد عن العامية، والكاتبة عندها قدرة فائقة على التعبير وذلك لأن لغتها مثيرة وممتعة من خلال التفاعل التدريجي مع القارئ».


عبد القادر شبيب - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق