يوحنا الدمشقي حياته وفكره وموسيقاه

02 تموز 2008

قدم نتاجاً كبيراً في اللاهوت المسيحي وترانيم موسيقية خالدة

يُعتبر القديس يوحنا الدمشقي «منصور بن سرجون التغلبي» من الشخصيات التي لعبت دوراً هاماً في تاريخ مدينة دمشق في العصر الأموي، أيضاً يُعتبر من أهمِّ المدافعين عن الأيقونات المقدسة ضدّ الحملة التي قامت لمحاربتها، حيث اعتبره المجمع المسكوني السابع أحد أبطال الحقيقة الثلاثة، ولا تزال تعاليمه ومؤلفاته اللاهوتية إضافةً إلى ترانيمه الدينية الخالدة مرجعاً هاماً للمؤمنين والدارسين على حدٍ سواء.
وبناءٌ عليه، أقامت الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، في قاعة رضا سعيد بجامعة دمشق في 30 حزيران 2008، أقامت ندوةً تناولت يوحنا الدمشقي في محورين أساسين، أولهما حياته وسيرته الذاتية، وتناول الثاني فكره وموسيقاه، بمشاركة المطران جورج خضر، والمطران جوزيف عبسي، والدكتور محمد محفل، والفنان نوري اسكندر.المطران جورح خضر في محاضرة عن يوحنا الدمشقي
تناول المطران جورج خضر يوحنا الدمشقي في حياته الشخصية، والدور الذي لعبه في الدولة الأموية، حيث كان وزير مالٍ، وكان قريباً من عرش الخلفاء الأمويين، وعنه يقول: «يوحنا الدمشقي رجلٌ مهم من رجالات دمشق في العهد الأموي، حيث قدَّم نتاجاً كبيراً في اللاهوت المسيحي الأرثوذكسي، وعمِل في تأليف وكتابة التراتيل والأناشيد الطقسية. ولعلَّ أهمُّ ما يميزه هو تأثُّر الشرق والغرب المسيحي به، ومن دون شك أيضاً تأثُّر الفلاسفة المسلمين الأوائل، الذين تكلموا عن التسامح والحرية وأخذوا عنه».
ويتابع المطران خضر «كما نعلم هناك اختلافٌ في موضوع تاريخ ولادته، على أنّ المتعارف عليه أن منصور بن سرجون ولد سنة 675م في مدينة دمشق، من عائلةٍ سورية مسيحية عريقة، عُرفت بفضيلتها ومحبتها للعلم، ومكانتها السياسية، والاجتماعية. وبناءٌ عليه حصل ومنذ طفولته على ثقافةٍ أدبية، وفلسفية، ودينية مهمة، وانتسب إلى سلك الرهبنة وتعمق في اللاهوت على يد البطريرك يوحنا الرابع في القدس، وهناك اتخذ اسم يوحنا تيمناً باستاذه. اعتزل بعدها يوحنا لمدةٍ طويلة في صومعته في دير مار سابا، وألّف خلالها الترانيم الدينية الليتورجية التي لازالت الكنيسة تترنم بها إلى يومنا هذا، وقد توفي سنة 749 م».
ويُضيف المطران خضر «يُشير الزمن الذي عاش فيه يوحنا إلى التعايش الحقيقي الكريم بين المسيحين والمسلمين، وإلى التلاقي بين الحضارات. والجدير قوله أن يوحنا كتب باليونانية ودرس العربية، وبالتالي يحمل في شخصه هذا التلاقح والتلاقي بين حضاراتٍ مختلفة».الدكتور محمد محفل في محاضرة عن يوحنا الدمشقي
وضمن نفس المحور، أكّد الدكتور محمد محَّفل على إن أهمية الندوة تتأتى من تطرقها للجو السياسي والحضاري الذي احتضن يوحنا الدمشقي، ومفهوم التسامح والتصالح الديني والقومي الذي تعايشه مع الأمويين، ويقول: «لم يشعر يوحنا الدمشقي أنه غريبٌ في خلافة الأمويين، كما أن الأمويين لم يُشعِّروه بأنه غريب عن الأرض. وأعتقد أن الناحية الروحية الكنسية والناحية القومية السياسية هي النقطة الهامة في ندوة اليوم».
من جانبٍ آخر، حاضر في المحور الثاني «فكره وموسيقاه»، كلٌ من المطران جوزيف عبسي والفنان نوري اسكندر. ويقول المطران جوزيف: «تصف الكنيسة اليونانية أو البيزنطية القديس يوحنا الدمشقي في يوم عيده 4 كانون الأول، بأنه مُلهم الله وقيثارة الروح، وهكذا تصف الكنيسة جميع القديسين الذين نظموا الأناشيد الكنائسية. أما علماء الموسيقى اليونانية فقد أطلقوا على ناظمي الأناشيد بأنهم شعراء وملحنون. وحقيقة هكذا كان القديس يوحنا الدمشقي شاعراً وموسيقياً في آنٍ واحد. وتذكر لنا الكتب الطقسية العديد من الأناشيد التي تركها لنا يوحنا الدمشقي ومنها "ميلاد السيد المسيح، وظهور السيد المسيح، وعيد القيامة والصعود، وعيد تجلي السيد المسيح، والحمل بيوحنا المعمدان"، إضافةً إلى عددٍ من الأناشيد التي تُنسب إلى القديس يوحنا. وكما هوملاحظ فأن هذه الأناشيد مخصصةٌ للأعياد السيدية "السيد المسيح ومريم العذراء"، ولأعياد قديسين كبار. إضافةً إلى هذه الأناشيد ينسب إليه أيضاً كتاب الألحان الثمانية "الإكتوئيخُس" المخصص لموضوع القيامة. قد يكون هذا الإنتاج قليلٌ مقارنةً مع عدد النصوص الموجودة لدينا، إلا أننا يجب أن نأخذ في الحسبان أن القديس يوحنا كان كاتباً لاهوتياً له مصنفات في اللاهوت، كما له أهميةٌ في تاريخ الفكر المسيحي».
المطران جوزيف عبسي في محاضرة عن يوحنا الدمشقيويتابع المطران جوزيف «بنى يوحنا أناشيده على نمطٍ عُرف باليونانية بـ "القانون"، على أنه اعتمد هذا النمط ولم يخترعه. وتاريخياً يُنسب هذا الأختراع إلى أنداروس الكريتي الدمشقي، الذي كان مترهباً في دير القبر في فلسطين، وقد جاراهما في كتابة القانون أيضاً قزما المايوني، الذي يُروى أنه تربى مع يوحنا الدمشقي، إلا أن قوة وشهرة وبراعة يوحنا في القانون جعلت السريان يتبنون بعض قوانينه، كما دخلت أيضاً قوانينه في كنائس الشرق والغرب، لأنها لم تذكر قصص الانشقاق الكنائسي وقتها. ومن جهة ثانية، اعتمد يوحنا في البعض من أناشيده الأوزان اليونانية الكلاسيكية المعروفة بالأيامبي، أي الوزن المؤلفة مقاطعه من أحرفٍ قصيرة وطويلة، وفي البعض الآخر من أناشيده وجراء تأثير اللغة السريانية في بلادنا التي لا يوجد فيها حرف طويل أو قصير، اعتمد يوحنا على اللغة التي شاعت في فتوحات الاسكندر المقدوني، وعرفت بـ "العامية"، والتي جميع أحرفها متساوية. والجدير ذكره هنا إننا حتى يومنا هذا لم نعثر في مؤلفات الدمشقي على نشيد يحمل علامات موسيقية. أما القطع المنوتة والمنسوبة إليه فقد نوتتها أيدٍ متأخرة، فابتعدت ولو قليلاًعن الأصل. وعليه فأن اللحن الموجود بين يدينا اليوم ليس ذاته الذي وضعه يوحنا الدمشقي، وإنما أحدِث فيه تحويرٌ،إلا أننا نستطيع أن نؤكد بقدرٍ لابأس به من الصحة الألحان المنسوبة إلى الدمشقي».
الفنان نوري اسكندر في محاضرة عن يوحنا الدمشقي
أما الموسيقي والفنان نوري اسكندر فيجد «أن الموسيقى البيزنطية والسريانية هي إبداعات محلية خلاقة، بقيت حبيسة جدران الكنائس لسنواتٍ عديدة، ومؤخراً بدأ رجالات الدين يلعبون دوراً في نشر هذه الألحان، بقصد العبادة والصلاة في الكنيسة. وهنا كنتُ آمل أن يكون هناك قصدٌ آخر من نشرها لكونها موسيقى ابداعية محلية».
وعن نشأة الموسيقى البيزنطية والسريانية ووجوه التشابه والاختلاف بينهما يقول نوري «نشأت الموسيقى السريالية والبيزنطية في مراحل متقاربةٍ، من حيث واقع النصوص اللغوية إلى جانب ألحانها. وأما الفرق بينهما أن الكنيسة البيزنطية أتخذت اللغة اليونانية، لغة الإدارة والعلم، والثقافة، اتخذتها أساساً للغة النص، في حين كانت السريانية لغةً عامة، وبالتالي اختلافات الكنيسة السياسية مع تفسيرات اللاهوت الصعب والمعقد، أحدث انشقاقاً في الكنيسة وفصل بين الجمهورين، إلى أن جاءت العربية في القرن العاشر وحلت محل الآرمية واليونانية، ومن ثم عادت الكنيسة للصلاة باللغة العربية. وعليه، هذين التراثين من الناحية الموسيقية اعتمدا على أجناسٍ موسيقيةٍ فيها مسافات أرباع، واعتمدا على إيقاع الكلمة التي لعبت دوراً في توليف الألحان، واشتراكاً في نظام الثمانية ألحان الذي أعطى زخماً كبيراً لهذين التراثين. وأما نقاط الاختلاف فتتمثل في أسلوب الأداء للجوقات والكورال، الذي يُعطي حسَّ امتدادٍ للأفق، وروحانية وجمالياتٍ خاصة».


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق