هشام الشمعة

دمشق 1923

يمكن اعتبار الفنان هشام الشمعة مؤلفاً وملحناً وعالماً موسيقياً حقيقياً، وكان يمكن لهذا الفنان القدير أن يصنع شيئاً في حياة القطر الفنية لولا تمسكه بمثاليات عفا عليها الزمان.
ولد هشام الشمعة في أسرة وطنية عريقة عام 1923، أخوه الأديب والصحفي الكبير ولاعب كرة القدم الشهير المرحوم سامي الشمعة صاحب جريدة "آخر دقيقة" التي ملأت الدنيا وشغلت الناس طوال سني الأربعينيات.
وجد هشام الشمعة نفسه وسط أسرة كلفة بالثقافة والفن، فأتاح له هذا أن يختار هوايته بنفسه، فأولى عنايته لآلة العود التي استحوذت على مشاعره وحواسه، فاستطاع بمساعدة الأصدقاء والأقرباء، من إتقان العزف عليها خلال فترة وجيزة.
جمعته صفوف المدرسة الابتدائية ثم الثانوية بأصدقاء يهوون مثله الموسيقا فكانوا يتنافسون فيما بينهم للتفوق في مضمار العزف والاستفادة من بعضهم بعضاً، والتهام ما يعثرون عليه من كتب الموسيقا الأجنبية والعربية المتوفرة، ليزيدوا من معرفتهم وخبرتهم ثم تنادوا للعمل كفرقة موسيقية هاوية بعيداً عن كل ما يمت للاحتراف بصلة، وأبرز هؤلاء الأصدقاء الأستاذ محمد كامل القدسي والمرحوم خالد مردم بك والفنان رياض العسلي ونديم زاهد باشا وعصام الشمعة. ثم توسعت حلقتهم فضمت فيما ضمت المرحوم عدنان الركابي والأخوين نجدت وعصمت طلعت، وعدنان راضي، والدكتور شمس الدين الجندي والأستاذ ممدوح السمان والأخوين محمد ويحيى النحاس، ليصبح هؤلاء جميعاً المؤسسين لمعهد أصدقاء الفنون الذي اتخذ له مقراً في حي السبكي ـ حديقة السبكي اليوم ـ في أواخر الثلاثينيات. وقد أتيح لهذا المعهد أن يلعب دوراً كبيراً في حياة دمشق الموسيقية من وراء الحفلات التي كان يحييها في قاعة المعهد الصغيرة، وفي بهو مطعم الجامعة في الصالحية لصاحبه المرحوم الأستاذ فؤاد الصواف الذي أراد كأحد مؤسس حزب البعث العربي، أن يكون هذا المطعم مقراً ثانياً للحزب ولبعض اجتماعاته الخاصة، ولنشاطاته الثقافية التي كان منها دعم معهد أصدقاء الفنون، وحث الشباب والأطر الدمشقية على الاستماع إلى برامج المعهد الموسيقية كل يوم ثلاثاء، وهو اليوم الذي يمتنع فيه المطعم عن تقديم الطعام واستقبال الزبائن احتراماً لفن الموسيقا، وينصرف فقط لاستقبال وخدمة الذين يؤمون المطعم للاستماع لحفلات المعهد لقاء بدل رمزي كان يعود كله للمعهد.
غير أن مطعم الجامعة، اضطر بعد إغلاق أبوابه بعد عامين بسبب الإفلاس الذي مني به صاحبه، إلى نقل حفلات المعهد إلى فندقي أمية ـ الخيام اليوم ـ والشرق. وكان نجما الحفلات البارون بللينغ والفنانة الراحلة "نجلاء عبسي".
لم يكتف هشام الشمعة بالعزف على آلة العود، وتأليف المقطوعات الموسيقية، والتلحين لمطرب المعهد آنذاك المرحوم "عدنان راضي" الشهير بالمتكتم، بل انصرف إلى دراسة آلات موسيقية أخرى، فأتقن العزف في فترة قصيرة على آلة الأكورديون ثم انتقل منها إلى آلة "الكمان الجهير ـ فيولونسيل". وفي تلك الأثناء ولأسباب غير معروفة، انسحب مع أصدقائه من المعهد، ليؤسس نادياً جديداً تحت اسم "دار الألحان" اتخذ له مقراً في شارع الروضة، وعندما احتاجت وزارة الدعاية والشباب التي أنشئت في عهد رئاسة الشيخ تاج الدين الحسني إلى دعم الفرقة القومية بعازف على "الكمان الجهير" لم تجد أمامها سوى هشام الشمعة. غير أن وزارة الدعاية والشباب لم تعمر طويلاً، فقد تعاقبت الأحداث بعد وفاة رئيس الجمهورية، وسقوط وزارة جميل الألشي، ورضوخ الفرنسيين أمام المد الجماهيري فجرت أول انتخابات عام 1943 بعد تعطيل الدستور، فنجح مرشحو الكتلة الوطنية البرجوازية، ورفعوا شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، وتم تأليف وزارة جديدة لم تكن من ضمنها وزارة الشباب وبذلك تم الاستغناء عن الفرقة القومية، ورغم هذا فإن هشام الشمعة لم يتوقف عن العمل الموسيقي، إذ اتصل بالموسيقار البارون بللينغ الذي كان صديقاً له، وأخذ عنه علوم الموسيقا الغربية، كذلك عمل على الاستفادة من عازف الكمان التركي "شوقي بك زوربا" الذي استوطن سورية بعد خروج العثمانيين منها، وأخذ عنه كل ما يعرف في الموسيقا الشرقية.
بعد الجلاء، وكانت الإذاعة السورية الوطنية، قد اتخذت لها مقراً في شارع بغداد قرب السبع بحرات، عمل في فرقة الإذاعة كعازف على العديد من الآلات الموسيقية التي يتقن، وأثناء عمله هذا ألف "فرقة المعزوفات الحديثة" من خيرة العازفين في دمشق، وكانت هذه الفرقة ـ وهي فرقة خاصة تحت قيادته ـ تقدم حفلة أسبوعية واحدة، وكانت كل المعزوفات التي تقدمها من تأليفه، وكان وارد الفرقة لا يسد نفقاتها، ومن هنا تولى هشام الشمعة سد العجز من جيبه الخاص، إلى أن اضطر تحت وطأة الإنفاق إلى إيقاف الفرقة عن العمل بعد عامين من العمل الأسبوعي المتواصل.
كان هشام الشمعة وما يزال، يحمل فكراً موسيقياً تقدمياً، فعندما شاع في أوائل الأربعينيات استعمال "الإيتار الهاوايين" ـ نسبة إلى هاواي ـ قدمه للمستمعين بطريقة تختلف عما هو متعارف عليه، وكان الشكل الثنائي، هو الشكل الفني الذي اختاره، وهذا الشكل يضم آلتي الغيتار، الأولى "غيتار هاوايين" والثانية "غيتار إسباني". كذلك قدم شكلاً ثنائياً آخر لآلتي العود والكونترباص، وثالثاً لآلتي العود والأكورديون. وكل هذه الأعمال التي صافحت مستمعي الأربعينيات، كانت نقاطاً في حقل تجارب هذا الفنان، ولم تكن المؤلفات التي قدمها في تلك التجارب الثنائية من وضعه أو تأليفه، وإنما أعمالاً مشهورة نقلها وحولها من تدوين البيانو "ترانسكريبسيون" بالتعاون مع الفنان الراحل "عبد الغني شعبان" ليؤدياها معاً كثنائي للعود في الإذاعة.
عكف هشام الشمعة في أوقات فراغه على تصميم آلة موسيقية جديدة أطلق عليها اسم "كيتاريرا" وتتألف هذه الآلة التي كان يعزف عليها في الإذاعة لمدة ربع ساعة دورياً مرة في الأسبوع، من ستة أوتار معدنية مثلثة كل وتر يتألف من ثلاثة أوتار ـ بخلاف العود والماندولين والبانجو وغيرها من الآلات المؤلفة أوتارها من وترين متماثلين في كل وتر ـ. كل وترين في آلة "الكيتاريرا" متماثلين أما الوتر الثالث الذي يتوسطهما فيشد على الجواب، وفي الأوتار الحادة، يشد الوتر المذكور على القرار، ولهذه الآلة دساتين ثابتة، تقسم الزند إلى مسافات محددة رياضياً وسمعياً وفق سلم فيثاغورث، وذلك لأداء الدرجات الصحيحة المضبوطة، وليس المعدلة كالبعد الطنيني "بعد كبير" والمجنب الكبير (ليمتان) ـ أي ما يقرب جداً من البعد الصغير الزارليني "نسبة إلى زارلينو" ـ والمجنب الصغير "آبوتوم" والبقية "ليما" واحدة. والفضلة "كوما" فيثاغورثية. بعض دساتين هذه الآلة متحرك لأداء الدرجات الضرورية كمسافة "سيكاه" ثانية بنسبة 11/10 لمقامات "العشاق والصبا والمحير" وما إليها.
في العام 1948 أوفدته وزارة المعارف ـ التربية اليوم ـ إلى القاهرة في بعثة دراسية مدتها خمس سنوات، تخصص خلالها في دراسة العزف على الكمان والعلوم الموسيقية الأخرى. وعمل أثناء تواجده في القاهرة في مجموعة الكمان الأول في فرقة القاهرة السيمفونية تحت قيادة المايسترو والمؤلف "أحمد عبيد".
عمل بعد عودته في مستهل العام 1953 مدرساً في المعهد الموسيقي الشرقي التابع لوزارة التربية والتعليم، ثم كلف بإدارته في نهاية العام نفسه، ولما وجد أن الإدارة تتضارب في عملها الإداري مع عمله كموسيقي استقال لينصرف إلى التدريس والتأليف.
أمضى هشام الشمعة قرابة خمسة وثلاثين عاماً في تدريس المواد الموسيقية النظرية والعملية في دور المعلمين والشعبة الموسيقية ومعهد إعداد المدرسين والصف الخاص التابعة لوزارة التربية، والمعهد الموسيقي العربي التابع لوزارة الثقافة.
اختبر إبان الوحدة ليمثل الإقليم الشمالي في جلسات المجلس الأعلى للإذاعة في القاهرة. كما اختير ليكون عضواً دائماً في المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون في القطر العربي السوري.
أعماله:
وضع هشام الشمعة كتباً مدرسية للمرحلة الابتدائية ودور المعلمين العامة والشعب الموسيقية فيها، وكانت هذه الكتب، من الكتب الرائدة في الوطن العربي وما تزال. وساهم بقلمه بكتابة مقالات موسيقية في مختلف المجلات السورية واللبنانية والمصرية، وقدم في الإذاعة السورية برامج التحليل الموسيقي في البرنامج الثاني عام 1963.



[1]نص العقد الموقع بين الإذاعة والفنان هشام الشمعة بالعزف على الجمبش والغيتار والبانجو والماندولين مع فرقة الإذاعة أو منفرداً ويتعهد بكل عمل يعرض عليه خلال أوقات الدوام الرسمي، وأن يقوم بإخراج أربع حفلات غنائية أو صامتة من وضعه بصحبة فرقة الإذاعة أو مع فرقة المعزوفات الحديثة لقاء أجر شهري قدره مئتا ليرة سورية.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق