الأستاذ الدكتور سامر عكاش يحاضر في أربعاء تريم الثقافي

03 آذار 2011

قراءة في علوم الكون الإسلامية بعد كوبرنيكوس

قدم مركز تريم للعمارة والتراث محاضرة جديدة ضمن سلسلة محاضرات أربعاء تريم الثقافي، والتي تعقد للسنة الرابعة على التوالي، يوم الأربعاء الأول من كل شهر تحت رعاية وزارتي الثقافة والإعلام في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وذلك مساء الأربعاء 2آذار 2011.

وقد ألقت المهندسة ريم عبد الغني كلمة ترحيب أوضحت فيها أن اختيار الموضوع كان لدحض الشائع من أن علوم الحضارة الإسلامية قد اتجهت حصراً نحو الدراسات الدينية، أو العلوم الإنسانية، أو الدراسات الأدبية واللغوية، فهي في الحقيقة توزعت بغناها وتشعبها على كافة المعارف والعلوم والآداب، وقد ركز الجهد العلمي في الحضارة الإسلاميّة على توفير فرص البحث العلمي لسائر القادرين على ذلك، وتساءلت في كلمتها: «ألا يجدر بنا اليوم - بين أمور أخرى كثيرة- المناداة بأهمية التعريب وتعلّم اللغات الأجنبيّة ودعم التفوق العلمي لبلوغ الحد المطلوب من الثقة بالنفس والتقدم والتواجد المشرف بين الأمم مجدداً؟».

مرصد استنبول وقراءة في علوم الكون الإسلامية بعد كوبرنيكوس:
محاضرة هذا الشهر كانت بعنوان «مرصد استانبول: هدم الرصد ورصد الهدم- قراءة في علوم الكون الإسلامية بعد كوبرنيكوس»، ألقاها الأستاذ الدكتور سامر عكاش عميد كلية الهندسة المعمارية في الجامعة العربية الدولية، المدير المؤسس لمركز عمارة آسيا والشرق الأوسط في جامعة أدلايد في أستراليا.

حضر الندوة الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد ووزير النقل الدكتور يعرب بدر والدكتور عبد الحافظ نعمان والدكتور أحمد الحسن عضوا القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي والسفير الياس نجمة وبعض أعضاء السلك الدبلوماسي في سورية وممثلين عن بعض الوزارات وعدد كبير من المسؤولين والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين وجمهور كبير من المهتمين من دمشق والمحافظات السورية ومن خارج سورية أيضاً.


جانب من الحضور
في مكتبة الأسد الوطنية

في محاضرته، اعتبر الدكتور عكاش ظهور العلوم الحديثة في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين من أهم الأحداث التي غيرت مسيرة التطور الإنساني، ووجهتها نحو العالم الذي نعيشه اليوم بكل إيجابياته وسلبياته. بينما يعتبر كثيرٌ من المؤرخين اكتشاف كوبرنيكوس لنظرية مركزية الشمس الحدث الأهم على الإطلاق الذي مهد لظهور العلوم الحديثة، حيث تمخض عنه صراع مرير وطويل بين علماء الدين وعلماء الطبيعة، دام أكثر من قرنين، حُرق فيه علماء كجيوردانو برونو (ت1600) الذي اعتُبر شهيد العلم بامتياز، وحُوكم آخرون كغاليليو غاليلي (ت 1642)، الذي أجبر على إنكار أفكاره الجريئة وعلى التخلي عن فضوله العلمي. ولكن سلطة الكنيسة انهارت في النهاية وحسم الصراع لصالح علماء الطبيعة. بالمقابل على الطرف العربي- العثماني تبدو هذه الفترة، بحسب الرواية المتداولة، أنها مرت مرور الكرام دون أحداث تذكر، وذلك لأن شعلة الفضول العلمي كانت قد انطفأت منذ زمن بعيد، ولأن العلماء العرب والمسلمين لم يتعرفوا على نظرية كوبرنيكوس حتى منتصف القرن التاسع عشر. هذا ما روجت له الرواية الرسمية الشائعة التي ألقت باللوم على العثمانيين لتبرير تراجع العلوم عند العرب.


السيدة ريم عبد الغني تقدم درع تذكاري
للأستاذ الدكتور سامر عكاش

وأكد عكاش أن الدراسات الجديدة في مجالي تاريخ الفكر وتاريخ العلوم تشير إلى سذاجة الرواية الشائعة في ضوء ظهور معطيات جديدة تقتضي منا إعادة النظر في تاريخ تلك الحقبة المهمة. من أهم هذه المعطيات هو أن تطور العلوم عند العرب استمر حتى نهاية القرن السادس عشر، وهي المحطة التي تساوى عندها التقدم العلمي في كل حضارات العالم وقتها، بما في ذلك الحضارة العربية، قبل أن تنفرد أوروبا بعدها بشق منحى خاص بها تميزت به عن الحضارات الأخرى. في العالم العربي-العثماني تزامنت هذه المحطة مع حدث خطير، لا يقل خطورة من حيث الفعل والدلالة عن حرق برونو ومحاكمة غاليليو، ألا هو هدم مرصد استانبول في عام 1580مـ من قبل السلطان سليم الثالث. يطرح هذا الحدث أسئلة كثيرة ومحيّرة لا أجوبة شافية لها، أهمها: لماذا هدم السلطان سليم الثالث مرصد استانبول وقد شارف على الانتهاء؟ لماذا هدمه مع أنه هو نفسه الذي تبنّاه منذ البداية، وأنفق على بنائه، ونصّب عليه ألمع الفلكيين، وجهزّه بأحدث الآلات الرصديّة؟ ما الذي تغيّر حينئذٍ حتى قلب السلطان موقفه بهذه الطريقة الجذرية؟ ما الذي كان يأمل السلطان تحقيقه عندما قرر إنشاء المرصد، وما الذي أصبح يخشاه حين قرر هدمه؟ ما تأثير هذه الحادثة الخطيرة على مسيرة العلوم عند العرب، ولماذا لم تحظَ باهتمام الباحثين ومؤرخي العلوم؟ لماذا لم تُرصَد أسباب ونتائج الهدم من قبل علماء الفلك والدين العرب؟ ولماذا لم تُرسّخ دلالات هدم المرصد في الذاكرة الجمعية العربية كما رُسخت دلالات حرق برونو ومحاكمة غاليليو في الذاكرة الجمعية الغربية؟ هل كان لظهور نظرية كوبرنيكوس دور في هدم المرصد؟ وكيف تعامل علماء الدين المسلمين مع نظرية مركزية الشمس؟ وكيف تطورت علوم الكون الإسلامية بعد ظهور نظرية كوبرنيكوس؟

وناقش المحاضر فكرة أن المعطيات الجديدة طرحت حزمة أخرى من التساؤلات المحيِّرة التي لا أجوبة شافية لها أيضاً. فبعد الاعتقاد التام ولزمن طويل بانفراد أوروبا في صناعة الإنجاز الكوبرنيكي، قدمت لنا الدراسات الجديدة تصورات مختلفة. فقد أصبح من شبه المُسلّم به اليوم أن كوبرنيكوس استخدم في كتابه في دوران الأفلاك السماوية الرياضيات التي طورها روّاد الفلك المسلمين لحل مشاكل الهيئة البطلمية، وبالتحديد تلك التي استخدمها كل من مؤيد الدين العُرضي (ت 1266) ونصير الدين الطوسي (ت 1274) وابن الشاطر (ت 1375). وقد بينت الدراسات مدى التطابق بين رياضيات كوبرنيكوس ورياضيات علماء الهيئة المسلمين، ليس فقط في النهج الرياضي العام وإنما في تفاصيل الأشكال الهندسية المستخدمة، وحتى في الرموز الحرفية، لدرجة أنه لم يعد هناك شك اليوم في أن كوبرنيكوس استند في وضع نظرياته الفلكية على المصادر العربية، ونقل منها في بعض الأماكن نقلاً حرفياً. ولم يعد السؤال الأساسي اليوم هو: هل أو كيف أثّرت رياضيات الفلكيين المسلمين بنظرية كوبرنيكوس، وإنما ما هو الطريق التي وصلت عبره المصادر الإسلامية إلى كوبرنيكوس؟

فلمّا بات من المؤكد اليوم أن الفلكيين المسلمين قد توصلوا إلى تصور لنظام فلكي معادل رياضياً لنظام كوبرنيكوس، قبل الأخير بحوالي قرنين على الأقل، فما الذي منعهم من محاولة استكشاف حلول شاذة عن النظام الأرسطي-البطلمي؟ لماذا لم يدفعهم فضولهم العلمي، وهم على علمهم العميق بمشاكل نظام مركزية الأرض، إلى البحث عن تصورات جديدة تُغيّر النظام الكوني؟ ولمّا بات من المؤكد اليوم أن الإنجاز الكوبرنيكي في الحقيقة ليس إنجازاً ونقلة علمية على المستوى الرياضي، وإنما على المستوى الفكري والديني بالدرجة الأولى، فما هو العائق الذي وقف في وجه علماء المسلمين على مدى قرنين وحال دون حدوث هذه النقلة الفكرية والدينية؟ ولما بات من المؤكد أيضاً أن علماء المسلمين كانوا يراوحون على عتبة أهم تحول في تاريخ البشرية الحديث، فما الذي أعاقهم عن التخلي عن العبء اليوناني الإشكالي القديم، وعبور العتبة، وتبني ولادة العالم الحديث؟ خاصة وأننا نتحدث عن أسبقية للفلكيين للمسلمين بفاصل زمني لا يقل عن مئتي عام، فهل يُعقل أن يخلو المشهد الإسلامي طوال هذه الفترة تماماً من الأفكار الجريئة أو الشاذة، بالرغم من القلق المستمر حول مشاكل النظام الكوني البطلمي؟ هل كانت هناك محاولات متطرفة لم نكتشفها بعد، وأصوات تُنذر بتغيير لم يصلنا صداها بعد؟ ليس لدينا معلومات كافية لتقديم إجابات يقينية عن هذه الأسئلة الخطيرة، ولكن المحاضرة كانت محاولة لاستقراء ظنّي لبعض الأحداث المهمة التي تزامنت مع ظهور نظرية كوبرنيكوس، والتي يعتقد أن لها علاقة بهدم مرصد استانبول.

هذا ويذكر أن مركز تريم للعمارة والتراث مؤسـسـة غير حكومية، مركزها دمشق، أسستها المهندسة ريم عبد الغني في كانون الثاني من عام 2004 م، تُعنى بالتراث والعمارة في العالم العربي من خلال التوثيق والدراسة والنـشر والإنتاج الفـني وتنفيذ المشـاريع الهندسية وإكمال الحفاظ والترميم وتبادل الخبرات مع المؤسسات والهـيئات والمراكز المماثلة في العالم.


اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

جانب من حضور محاضرة الأستاذ الدكتور سامر عكاش

جانب من الحضور

السيدة ريم عبد الغني تقدم الأستاذ الدكتور سامر عكاش

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق